2021 - راصد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في البلدان العربية، دور القطاع الخاص في التنمية ومحدودية اطر المساءلة.
الراصد
العربي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية هو أحد البرامج التي تديرها شبكة
المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، إلى جانب برامج أخرى من بينها
إنشاء «مرصد أداء القطاع الخاص» لمراقبة أداء القطاع الخاص المنخرط في
العملية التنموية والشراكات من أجل التنمية وتنفيذ مشاريع بالشراكة مع
القطاع العام، ورصد المؤسسات المالية والتجارية الدولية ومسارات الأمم
المتحدة المختلفة لا سيما خطة عمل 2030 من خلال الانخراط في «المجموعة
الدولية للمجتمع المدني حول التنمية المستدامة» ومسارات الحقوق الاقتصادية
والاجتماعية، ومن بينها المراجعة الدورية الشاملة.
الرجاء الضغط هنا لمشاهدة لقاء إطلاق التقرير.
يتضمن التقرير الكامل
التقديم
المقدمة : كيف يكون القطاع الخاص شريكا في التنمية؟ - زياد عبد الصمد - اضغطوا هنا لقراءة التقديم
التقرير الاقليمي العام:
- القطاع الخاص والتحدي التنموي في المنطقة العربية، دور ناشئ يفتقر إلى آليات المساءلة - اضغطوا هنا لقراءة التقرير
الأوراق الإقليمية:
- نظرة عامة على القطاع الخاص في الدول العربية - اضغطوا هنا لقراءة التقرير
- التنمية، الدولة، ودور قطاع الأعمال، طروحات من أجل التقدم نحو أطر المساءلة الفعالة - اضغطوا هنا لقراءة التقرير
الأوراق الوطنية:
- القطاع الخاص في الأردن: التقرير الوطني حول مساءلة قطاع الأعمال - اضغطوا هنا لقراءة التقرير
- تطوير أطر لمساءلة قطاع الاعمال في البحرين - اضغطوا هنا لقراءة التقرير
- دور الدولة وواقع الأعمال الاستثمارية وتحديات التنمية في السودان - اضغطوا هنا لقراءة التقرير
- القطاع الخاص في العراق: مساءلة القطاع الخاص لتحقيق التنمية المستدامة - اضغطوا هنا لقراءة التقرير
- القطاع الخاص في المغرب، دور الدولة وواقع الأعمال الاستثمارية وتحديات التنمية - اضغطوا هنا لقراءة التقرير
- القطاع الخاص في اليمن، بين المسؤولية الاجتماعية وإمكانية المساءلة - اضغطوا هنا لقراءة التقرير
- الإستثمار وأهداف التنمية المستدامة، حالة تونس - اضغطوا هنا لقراءة التقرير
- دور الدولة وواقع الأعمال الاستثمارية وتحديات التنمية في فلسطين - اضغطوا هنا لقراءة التقرير
- مراعاة مبادئ التنمية المستدامة في مجال الأعمال، حالة قطاع الأغذية والمشروبات في لبنان - اضغطوا هنا لقراءة التقرير
- دراسة استقصائية حول القطاع الخاص في مصر: أنماط الاستثمار وممارسات العمالة - اضغطوا هنا لقراءة التقرير
- القطاع الخاص في موريتانيا، دور القطاع الخاص في التنمية المستدامة - اضغطوا هنا لقراءة التقرير
المقدمة : كيف يكون القطاع الخاص شريكا في التنمية؟ - زياد عبد الصمد
بينما ينهمك العالم بالتعامل مع الأزمات المتتالية وتداعياتها على المواطنين وحقوقهم، تتضاعف التحديات التي يعكسها تدهور مؤشرات التنمية البشرية كالفقر والبطالة وعدم المساواة، خاصة في المنطقة العربية. ان السمة العامة التي تميز المنطقة منذ اندلاع الربيع العربي هي انها تمر بمرحلة انتقالية وتعيش مخاضا مضنياً لم تنضج بعد مكوناته البديلة ولكن الأكيد هو ان القديم انتهت صلاحيته وبات غير قادر على الاستمرار وتلبية التحديات المتزايدة والناتجة عن الازمات المتنوعة. يترافق المخاض مع ازمة انتشار الجائحة التي ضربت العالم فغيرت الكثير من الانطباعات حول بعض المؤشرات ولكن أيضا حول بعض المفاهيم، من بينها دور الدولة والقطاع العام تحديداً، وطبيعة الأنظمة الصحية وقدرتها على تحمّل الصدمات، والأنظمة التربوية والانتقال الى التعليم الافتراضي، وهشاشة أسواق العمل ومخاطر هيمنة القطاع غير المهيكل عليها، والانعكاسات على التبادل التجاري والتعاون العلمي والبحثي وتمسّك الدول الصناعية بالملكية الفكرية لإنتاج اللقاحات الخ. وقد اصابت أزمة الجائحة المنطقة العربية فكانت نتائجها خطيرة خاصة في المجالين الصحي والتربوي وعلى أسواق العمل والامن الغذائي. وفي هذا السياق فان كل الجهود الدولية لتحقيق أهداف خطة عمل 2030 قد تفشل في حال لم يتم تدارك الامر من خلال بلورة استراتيجيات لمواجهة التحديات.
ان هذا الواقع يملي عددا من الخطوات التي يفترض اتباعها. وهي تنطلق من ضرورة إعادة النظر بأنظمة الحوكمة القائمة على مستوى المؤسسات الدولية والإقليمية وكذلك على المستوى الوطني. ان تعزيز المشاركة والشفافية وتطوير أدوات المساءلة والمحاسبة هي المدخل الضروري لأي برنامج تغييري طموح يستهدف الانتقال من الأحوال المتردية التي تعيشها المنطقة الى واقع جديد حيث يتمتع المواطنون بالحد الأدنى من الكرامة والحرية والازدهار. كما ان إعادة النظر بأدوار الشركاء التنمويين على أساس الشراكة بين مختلف الجهات المعنية بالعملية التنموية بات مسألة ضرورية وغير قابلة للتأجيل.
إن معظم التجارب العالمية اعتمدت في التنمية خيارا من اثنين:
- الخيار الأول حول دور وموقع الدولة في التنمية: أي ان النظام الاقتصادي الذي تلعب الدولة فيه الدور الرئيسي في ملكية وسائل الإنتاج او اقتصاد السوق: أي الاقتصاد الحر المتفلت من القيود مقابل تعزيز المنافسة الحرة. أما التجارب التي اعتمدت على دور الدولة كلاعب أساسي (وأحيانا الوحيد) في التنمية فقد باءت بالفشل لان الدولة تحولت الى جهاز بيروقراطي غير فاعل حيث ينتشر الفساد وتغيب آليات المساءلة والمحاسبة على حساب المحسوبيات والزبانية. وكذلك بالنسبة الى الدول التي اعتمدت على خيار آليات اقتصاد السوق وانخراط قطاع الاعمال في رسم السياسات العامة، فاستفاد من قربه من مواقع القرار لتعزيز نفوذه وتصميم البيئة التشريعية بما يخدم مصالحه الضيقة في تحقيق الأرباح لاسيما وسائل الكسب السريع ولكن، وأحيانا كثيرة، غير المشروع في ظل غياب الشفافية وآليات المساءلة والمحاسبة. لقد أدى نموذج الاقتصاد الحر الى اضعاف دور الدولة من خلال هيمنة الشركات الخاصة على آليات صنع القرار وتنفيذه، ما أدى الى تطويع السلطات الدستورية، التشريعية والتنفيذية والقضائية، وحوّلها الى أدوات تعمل لحماية مصالحه على حساب حقوق ومصالح المواطنين. وبالتالي لم يؤدِّ الى النتائج المرجوة.
- الخيار الثاني حول دور القطاع الخاص والتنمية: ان معظم الادبيات المعاصرة تؤكد على أهمية القطاع الخاص في التنمية، كشريك تنموي أساسي يلعب أدواراً في تفعيل الاقتصاد الوطني والمحلي وتطوير إنتاجيته وخلق فرص العمل وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين. وتجدر الإشارة الى انه، ولدى تناول دور القطاع الخاص، يجب التمييز بين مجالات العمل والقطاعات والاحجام. فالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة تلعب دوراً كبيراً في تفعيل الإنتاج المحلي وتوفير فرص العمل والدخل للمواطنين في مناطق جغرافية متنوعة، في الريف والنطاق المدني وفي المناطق النائية وغيرها، الا انها تتعرض لمنافسة غير عادلة في ظل غياب دولة القانون والمؤسسات وهيمنة الشركات الكبرى على الاقتصاد وفي ظل الانفتاح الاقتصادي غير المدروس. في حين ان الشركات الكبيرة او المتعددة الجنسيات، تساهم في تعزيز الاحتكارات والتلاعب في الأسواق لتعظيم أرباحها على حساب حقوق المواطنين في حال غابت قدرة الدولة عن المراقبة وتطبيق القوانين. لذلك، تلعب الدولة دوراً أساسياً في ضمان حقوق المواطنين واحترام المؤسسات والقانون، وفي توفير البيئة المواتية وتقديم الحوافز للقطاع الخاص وتشجيع الاستثمارات. وكذلك، فان الشراكة مع القطاع الخاص من جهة وتفعيل المشاركة المواطنية الفاعلة من خلال الشراكة مع المجتمع المدني من جهة ثانية، هما صنوان اساسيان لتفعيل العملية التنموية وتلافي البيروقراطية الخاملة والفاسدة كما لتجنّب هيمنة قطاع الاعمال على المشهد السياسي. ان هذه الشراكة بين الأطراف ذات المصلحة تعتبر النموذج الأكثر فاعلية وبالتالي المطلوب تحقيقه حالياً.
ان النقاش الذي يتناول دور القطاع الخاص في تحقيق التنمية غالباً ما يرتكز على الاعتقاد بان الاستثمارات الأجنبية والمحلية تؤدي الى تعزيز النمو وبالتالي الى خلق فرص العمل وتحريك عجلة الاقتصاد. الا ان هذه العلاقة ليست سببية او إيجابية دائما، فالمنطقة استقطبت الكثير من الاستثمارات المحلية والعالمية ولكن المؤشرات التنموية بقيت متدنية مقارنة بالمناطق الأخرى ولم تتمكن من معالجة الفقر والبطالة والتفاوتات الاجتماعية على مختلف اشكالها، خاصة إذا اقترنت المعايير النوعية بالمعايير الكمية لقياس مخرجات التنمية (عبلة).
إن التوجهات الدولية السائدة حاليا تؤكد على الشراكة بين الأطراف المعنية في العملية التنموية، لاسيما في اللقاءات والمنتديات الدولية التي تتناول آليات تمويل التنمية، فتعطي قطاع الاعمال والاستثمارات دورا بالغ الأهمية بعد ان تقلصت قيمة المساعدات التنموية بفعل تراجع الدول المانحة عن التزاماتها في التمويل، وما تم اقراره من تعريف جديد لهذه المساعدات، حيث باتت تتضمن على كل اشكال الانفاق الأمني والمساعدات العسكرية والإنسانية بما في ذلك تكاليف إيواء المهاجرين. وفي نفس الوقت تحولت الديون الى عبء تنوء تحته الدول النامية وهي لم تعد قادرة على التوفيق بين التزام سداد الديون وخدمتها وبين الانفاق على البرامج التنموية والعمل على توفير الخدمات الأساسية لمواطنيها، من هنا تأتي أهمية دور الاستثمارات الخاصة في تمويل برامج التنمية.
الراصد الاجتماعي العربي: مساءلة القطاع الخاص
لم يكن الأثر الإيجابي للاستثمارات ولتوسيع مشاركة قطاع الاعمال في التنمية ملموسا كما كان متوقعا، لذلك جاء "راصد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في البلدان العربية للعام 2021"، ليتناول دور القطاع الخاص في التنمية ومحدودية اطر المساءلة ليساهم في الحوار الدائر على المستوى الدولي والوطني حول الأسباب الكامنة خلف تلك الظاهرة، في محاولة للبحث عن الحلول والوسائل الى تجعل من الاستمارات عاملاً مساعداً وايجابياً في العملية التنموية وفي تحقيق اهداف التنمية المستدامة.
المنطلق لمعالجة هذه الموضوع هي المبادئ التي تحكم عمل القطاع الخاص والتي ترتكز الى مبدأين اساسين:
الأول هو عدم إلحاق الضرر من خلال الممارسات والمعايير التي يفترض استخدامها لقياس الأثر وهي معايير حقوق الانسان. وتدور حاليا على المستوى الدولي مفاوضات بين الدول لصياغة اتفاقية جديدة تحدد المعايير التي تحتكم اليها الاستثمارات عند ممارسة اعمالها كي لا تؤدي الى انتهاكات جسيمة واضرار في مصالح وحقوق المواطنين.
اما المبدأ الثاني فهو تحقيق التنمية المستدامة خاصة في مجالات الاقتصاد والاجتماع والبيئة، لكن في إطار من الحوكمة العادلة والشفافة (أي البعد السياسي للتنمية المستدامة).
لقد اشارت التقارير الموضوعية في هذا الراصد الى ظاهرة عالمية تفيد ان "قطاع الاعمال استخرج أرباحاً من الاقتصاد بدل ان يولدها وبالتالي لم يساهم في توسيع الاقتصاد وخلق فرص عمل وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، كما لوحظ ان هناك إحجاما عن الأنشطة الإنتاجية والاستثمار ما يحول دون خلق فرص العمل ويؤثر بالتالي سلبا على التماسك الاجتماعي والاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي." (محمدية) وترافق ذلك مع إضفاء الطابع المالي على الاقتصاد من خلال التركيز على الخدمات والمضاربات المالية والمصرفية، ما أدى الى الدور المحدود في البنية التحتية والخدمات الأساسية مثل الاتصالات والنقل لاسيما الموانئ.
وقد أضاءت التقارير الوطنية على التحديات التي تواجه الاقتصادات العربية وأداء قطاع الاعمال بشكل خاص.
فجاء مثلا في تقرير العراق ان عقوداً من الدكتاتورية أدت الى اضعاف الرأسمال الاجتماعي والموارد البشرية وإضعاف الأطر والمؤسسات السياسية وبالتالي أدوات الحوكمة، الا ان السمة الأخطر هي التركيز على الموارد الطبيعية والاستخراجية. كما ان ضعف القطاع الخاص في العراق هو نتيجة هيمنة الدور الاستثماري للقطاع العام مع التركيز على "هبّة قطاع النفط"، وضعف البنية التحتية التشريعية التي تساهم في خلق البيئة المساعدة وتنظيم التجارة وتعزيز آليات حوكمة القطاع الخاص. وهذه السمات تكاد ان تكون مشتركة في كل الدول العربية وفق ما جاء في التقارير الأخرى.
وقد توقف التقرير التونسي عند "استمرار التوجهات النيوليبرالية التي تعتمد على رفع القيود عن القطاع الخاص والاتجاه نحو الخصخصة". الا ان السياسات التحفيزية التي تعمد الى خفض الضرائب وتعتمد المرونة في المعايير لم تؤد الى تغيير وجهة الاستثمارات الأجنبية التي فضلت القطاعات ذات القيمة المضافة المتدنية، أي تلك التي تترك اثرا محدودا في خلق فرص العمل وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين. وعلى الرغم من الحوافز الضريبية، التي تضر الاقتصاد كونها تخفض الواردات العامة"، ظلّ التوجه نحو القطاعات الاستخراجية وقطاع النسيج والملابس هو الغالب، أي ان الأثر على العملية التنموية كان محدودا جدا. بالإضافة الى ان تركّز الاستثمارات في العاصمة وضواحيها وفي المناطق الساحلية لم تعالج التفاوت الجغرافي الكبير بين المناطق. خلص التقرير التونسي الى ضرورة وضع استراتيجية وطنية تساهم في بناء قطاع خاص متين يساهم بدوره في العملية التنموية مع ضرورة اتخاذ التدابير وإقرار السياسات العامة التي تعزز الشفافية وآليات المساءلة والمحاسبة والرقابة لاسيما على اتفاقيات الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
كما أشار تقريرا السودان واليمن الى ان غياب الامن والاستقرار السياسي يشكّل عائقاً امام الاستثمارات الأجنبية خاصة ان ذلك يترافق مع غياب البيئة التشريعية التي تساعد على تحفيز الاستثمارات.
اما تقرير فلسطين فيشير الى أهمية دور القطاع الخاص في خلق فرص العمل وتوفير الخدمات، الا انه توقف عند مخاطر اعتماد الاقتصاد الفلسطيني على الاحتلال الإسرائيلي خاصة بعد التوقيع على اتفاقية أوسلو، وبفعل الممارسات الإسرائيلية من اغلاق واقتحام مدن وسياسات الاستيطان التوسعية وحجز المستحقات الضريبية الفلسطينية التي تحصّلها إسرائيل لصالح السلطة الفلسطينية، كلها أدت الى تقليص حجم ودور القطاع الخاص رغم انه يوظف 60% من اليد العاملة ويحقق 70% من الدخل الوطني، وكما في سائر البلدان العربية كذلك في فلسطين، اقتصرت الاستثمارات على قطاعات التجارة والخدمات ولم تتوجه نحو القطاعات الأساسية الإنتاجية التي تعزز العملية التنموية وتساهم في تحقيق اهداف التنمية المستدامة المنشودة.
وجاء في تقرير لبنان ان عقود من الممارسات غير الخاضعة لأي شكل من اشكال الرقابة أدت الى تقليص الإنتاج في القطاعات الأساسية والتحول الى القطاعات الريعية والخدماتية والمالية، ما أدى الى خلل كبير في الميزان التجاري وكذلك الى عجز في الموازنة العامة. اما التمادي في الاستدانة واللجوء الى القطاع المصرفي لتغطية عجز الموازنة ساهم في الانهيار الذي يشهده لبنان. يقترح التقرير العودة الى احياء الاقتصاد الحقيقي من خلال دعم وتشجيع الإنتاج، خاصة في مجال الصناعة الغذائية والمشروبات. الا ان السمة المشتركة بين الدول العربية فهي طبيعة الأنظمة السياسية التي تكاد تغيب عنها الشفافية وآليات المساءلة والمحاسبة. لذلك يقترح التقرير رزمة من الإصلاحات الضرورية على مختلف المستويات نتيجة الترابط بين الابعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والسياسية.
اما بالنسبة الى المؤسسات المالية والتنموية الدولية، فهي تشجع على اتخاذ سلة من التدابير الإصلاحية لتعزيز الاستثمارات الأجنبية والتشجيع على الخصخصة وتقليص حجم القطاع العام ودور الدولة في الانفاق الاجتماعي. لكنها بدت مؤخرا مقتنعة بأن أثر ذلك على حقوق الانسان في التمتع بالخدمات الأساسية هو سلبي، لذلك بدأت التشجيع على الانفاق الاجتماعي لاسيما في مجالي الصحة والتعليم بالإضافة الى الاعتماد على الضريبة العادلة والتي تساهم في إعادة التوزيع من خلال الضرائب على الدخل ولكن "بما لا يؤذي الاستثمارات الاجنبية". الا ان النقص في الشفافية بالإضافة الى عدم توفر أدوات قياس الأثر الاجتماعي بدقة لنشاط القطاع الخاص يشكلان عائقا امام القدرة على مساءلته. وفي الوقت الذي تعتبر فيه "المبادئ التوجيهية الصادرة عن الأمم المتحدة حول حقوق الانسان وقطاع الاعمال" طوعية، فان المطالبات تتمحور الان حول ضرورة تطويرها بما يحوّلها الى أداة فعلية للمساءلة ولكن بعد ان تصبح ملزمة. على هذه المعايير ان تعتمد أساسا على الإعلان العالمي لحقوق الانسان والعهود الدولية لاسيما العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واتفاقيات منظمة العمل الدولية والمعايير البيئية المتبعة.
الاستنتاجات والتوصيات
كثيرة هي القواسم المشتركة بين الدول العربية فيما يتعلق بتحديات التنمية ودور القطاع الخاص لاسيما عندما يتعلق الامر بالشفافية والمساءلة والمحاسبة.
فالسمة الأولى التي تشترك بها الدول العربية هي ظاهرة "رأسمالية المحاسيب" (Crony Capitalism) التي تجعل من فئة محدودة من رجال الاعمال والشركات مقرّبين من دوائر القرار السياسي، وذات نفوذ وتأثير بمكامن صنع السياسات العامة والخيارات الاقتصادية التي تخدم مصالحهم على حساب المصالح العليا للدولة والشعب. ان ظاهرة المحاسيب هي ظاهرة عالمية تضع الاقتصاد الوطني تحت تأثير مجموعة من رجال الاعمال الا ان ما يميز المنطقة العربية هي ضعف الدولة وعدم قدرتها على تطبيق الحد الأدنى من الضوابط الدستورية او القانونية او معايير الحد الأدنى من الشفافية والمساءلة. فالدولة بمؤسساتها وادواتها مختطفة (Captured) ولا يمكن لأي آلية ان تقف بوجه التيار الجارف للأطماع غير المحدودة للشركات واصحابها من رجال اعمال وأصحاب نفوذ. ان هذه الظاهرة أدت الى تمركز هائل في الثروات دفعت الكثير من التقارير الدولية والمحلية إلى التوقف عندها، فأجمعت على أن أكثر من 60% من الثروات تتمركز بأيدي اقل من 1% من السكان، وان بعض التقديرات تشير الى ان عدداً من الأثرياء تفوق ثرواتهم الدخل القومي لبعض دول المنطقة.
السمة الثانية المشتركة هي "غياب آليات الحوكمة والشفافية وضعف دولة القانون" ما يؤثر بشكل سلبي على بيئة الاعمال والبيئة الاستثمارية بشكل عام ويحول دون قيام القطاع الخاص بالاستثمارات الضرورية التي تساهم في عملية التنمية وبالتالي التزامه بالمعايير التي تجعل مساهمته في محاربة البطالة والفقر محدودة جدا.
السمة الثالثة المشتركة هي "تضخم القطاع العام" بسبب التوظيفات العشوائية ذات الطابع الزبائني لامتصاص نقمة المواطنين على حساب فاعليته ودور مؤسسات الدولة لتتحول بذلك الى عبء على المال العام. اذ يتخطى حجم الانفاق العام على الرواتب والأجور في بعض الحالات ثلث الانفاق الحكومي من دون ان يكون للقطاع العام أي دور إيجابي في تقديم الخدمات بالنوعية المطلوبة لاسيما في قطاعات أساسية كالصحة والتعليم والسكن والطاقة والمياه والصرف الصحي، ولكن أيضا في مجالات حماية البيئة وغيرها.
تشترك الدول العربية، وان بشكل متفاوت، في "غياب الفصل بين السلطات" كمبدأ دستوري يعزز الديمقراطية وآليات المحاسبة فتقوم مثلا السلطة التشريعية بمراقبة السلطة التنفيذية وتقوى على مساءلتها ومحاسبتها في حال اقتضى الامر من خلال سحب الثقة بها او بأحد الوزراء مثلا، او ان يلعب القضاء المستقل دوره في تحقيق العدالة والدفاع عن حقوق ومصالح المواطنين وعن الصالح العام. ان تداخل السلطات وهيمنة المحاسيب عليها يعطل دورها وآليات المساءلة والمحاسبة ما يحرر القطاع الخاص من أي مساءلة او قدرة على التقييم الموضوعي والجدي للدور التنموي او للأثر الاجتماعي او البيئي الذي يحدثه نشاطه. وتقترن هذه الظاهرة في محدودية تداول السلطة من خلال الانتخابات الديمقراطية، الحرة والنزيهة والعادلة، فالانتخابات لا تعدو كونها أداة لإعادة انتاج السلطة المستبدة من خلال القانون الانتخابي نفسه او ممارسات السلطة الاستبدادية او طبيعة النظام التي تخلق حالة من الاستقطاب الاجتماعي على أسس مذهبية او قبلية.
ان هذه الظاهرات المشتركة لها الأثر البالغ على الاستقرار الاجتماعي كما تعزز الشعور بالتهديد المعنوي لدى المجموعات والفئات الاجتماعية، ما يدفع بها نحو الانتماءات الثانوية كملاذ آمن لحمايتهم من هذا التهديد، فتتعزز العلاقات القبلية والعشائرية او الطائفية والمذهبية والعرقية على حساب المواطنة والانتماء الوطني، ما يعرّض الكثير من الدول الى الاضطرابات التي ترتقي أحيانا على نزاعات مسلحة، يعيشها حاليا عدد من دول المنطقة.
امام هذه التحديات يبقى ان المدخل للحل يكون بالتغيير السياسي الفعلي الذي يساهم في بناء الدولة التي تقوم على أساس "عقد اجتماعي جديد" يعزز المواطنة الحقيقية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، يكون فيها للمشاركة المواطنية دور كبير في معالجة الظاهرات الاجتماعية كالفقر والتهميش الاجتماعي وحل النزاعات على أسس واضحة مبنية على مبادئ حقوق الانسان.
ان الخيارات الاقتصادية والاجتماعية التي اتبعت في دول المنطقة اثبتت فشلها في تحقيق الرفاه، فهمشت القدرات الإنتاجية وعززت الاقتصاد الريعي والخدماتي. لذلك فالمطلوب الان هو العودة الى الأساس وطرح مفاهيم جديدة حول دور الدولة وحجم تدخلها في العملية التنموية وعلاقتها بالقطاع الخاص كشريك تنموي فاعل واساسي الى جانب المجتمع المدني. يجب تعزيز الإنتاجية التي تتطلب استراتيجيات وطنية ترسم وتنفّذ بالشراكة مع القطاع الخاص والمجتمع المدني. وفي هذا المجال لا بد من التأكيد ان المجتمع المدني وفق المفاهيم السائدة حالياً يتشكل من النقابات العمالية والمهنية والمنظمات غير الحكومية والأكاديمية وممثلي القطاعات والفئات الاجتماعية وتحديدا المرأة والطلاب والشباب والمزارعين وذوي الإعاقة والحركات البيئية وغيرهم. ان كل ذلك يتطلب حوارات وطنية تضمينية بمشاركة الفاعليات الأساسية داخل المجتمع في كل دولة، ولكن أيضا بين الدول، فالمنطقة العربية بأمس الحاجة الى مشاريع تعزز التكامل والتعاون الإقليمي على أساس تعزيز الإنتاجية والتنافسية والتبادل العادل تبنى على رؤية واضحة واليات فاعلة للمساءلة والمحاسبة.
شكر
إن هذا التقرير هو الخامس بين تقارير الراصد العربي الذي تنتجه شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية كأداة لتنمية القدرات وتعزيز الدور الدفاعي للمجتمع المدني، وتحديد المفاهيم ورفع الوعي حولها. انه نتاج الجهد المشترك الذي يقوم به الباحثون أصدقاء الشبكة وشركاؤها وأعضاؤها لاسيما في مكتب التنسيق والعاملون في مكتبها التنفيذي.
لكل هؤلاء الشكر والتقدير على هذا المجهود الرائع.