دراسة استقصائية حول القطاع الخاص في مصر: أنماط الاستثمار وممارسات العمالة
دراسة استقصائية حول القطاع الخاص في مصر: أنماط الاستثمار وممارسات العمالة - تحميل التقرير الكامل
مقدمة:
أطلقت الحكومة المصرية منذ العام 2014 برنامجًا جديدًا للإصاح الاقتصادي يهدف إلى إجراء تعديل نقدي عام لمواجهة الديون المتراكمة على الصعيدين الداخلي والخارجي. شمل البرنامج ترشيد دعم الطاقة، وتعويم الجنيه المصري، والحدّ من الإنفاق الاجتماعي العام، إلى جانب إجراءات أخرى. لكنّ هذه التدابير الجديدة، في جوهرها، أتت في سياق التحوّلات الاقتصادية النيوليبراليّة التي شهدتها مصر، والتي أصبحت بموجبها النيوليبراليّة إطار العمل الرئيسي للسياسة الاقتصادية الجديدة. والمقصود بالتحوّلات الاقتصادية النيوليبراليّة هو تطبيق برنامج عمل نيوليبراليّ يقوم على سياسات اجتماعية واقتصادية هدفها تسهيل عمليّة تراكم رأس المال من خال تشجيع نمو القطاع الخاص ورفع القيود والتوسّع المالي، وفي الوقت نفسه الحدّ من إنفاق الدولة على الخدمات الاجتماعية. نتيجة لذلك، أدّى هذا التحوّل المتزايد نحو النيوليبراليّة الاقتصادية إلى صرف النظر بالكامل عن التداعيات السلبية للسياسات النيوليبرالية على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي التي طالت القسم الأكبر من الشعب، لا بل اقترنَ أيضًا بزيادة التركيز على دعم القطاع الخاص وتسهيل توسيعه.
في الواقع، وفي السياق الحالي، يُعتَبر القطاع الخاص رافعة النمو والتطوّر. وينعكس هذا الاهتمام بتوسيع القطاع الخاص في الخطاب الرسمي وفي الخطط الوطنية، كما يتجلّى مثاً في رؤية مصر 2030، التي هي عبارة عن استراتيجية للتنمية المستدامة أطلقتها الدولة في العام 2016 ضمن إطار عمل يقوم على مفاهيم مثل العدالة الاجتماعية والتنمية الشاملة. ومن أبرز الأهداف الاستراتيجية التي رسمتها هذه الخطة الحدّ من معدّلات الفقر والبطالة، فضاً عن تعزيز مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي واستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. باختصار، يبدو أنّ الخطّة تدافع عن مصالح المستثمرين في القطاع الخاص، من دون التعمّق في تحليل التداعيات الاجتماعية والاقتصادية لهذه المصالح على أرض الواقع. وتشمل المصالح تدني كلفة اليد العاملة في مصر، وهي حجّة تُستغَل لاستقطاب المستثمرين الأجانب، من دون أي مراعاة لظروف عمل وسكن العمالة المصرية.
من هذا المنطلق، يهدف التقرير الراهن إلى إجراء دراسة استقصائية حول القطاع الخاص في مصر وأنماط الاستثمار السائدة فيه حاليًا، إلى جانب التأثير الإنمائي المحتمل لهذه الأنماط وللممارسات الوظيفية التي يعتمدها القطاع الخاص في مصر اليوم. أمّا الهدف من تركيز التقرير على أنماط الاستثمار في القطاع الخاص في مصر، فهو فهم الرابط بين هذه الأنماط، نظرًا إلى دعم الحكومة وتشجيعها لها، وبين المسؤولية الاجتماعية المترتّبة على القطاع الخاص في مصر. في السياق نفسه، يهدف التقرير إلى تسليط الضوء على التأثير الإنمائي لهذا الدعم المتواصل للقطاع الخاص على المجتمع المصري ككل، وتقييم هذا الأثر.
لتحقيق هذه الغاية، يبدأ التقرير في القسم الأوّل باستقصاء الاستثمارات في مصر، ولا سيّما تلك التي يجريها القطاع الخاص في الاقتصاد المصري. تلي ذلك مناقشة حول الاستثمارات الأجنبية المباشرة والقطاعات المفضّلة لها في مصر. أمّا القسم الثاني فيناقش الشراكات القائمة بين القطاعين العام والخاص، وتليه لمحة عامة عن المسائل القانونية المتعلّقة بعالم الاستثمار. ونتطرّق في القسم الثالث إلى ظروف العمالة في القطاع الخاص المصري، قبل مناقشة مُشكلتَين هيكليّتَين تلازمان هذا القطاع، وهما
العمل غير الرسمي والتمييز بين الجنسَين. وأخيرًا، نختتم التقرير
ببعض الملاحظات العامة.
كريم مجاهد - باحث إقتصاد سياسي
إن هذا البحث هو جزء من الراصد العربي ٢٠٢١