القطاع الخاص في العراق: مساءلة القطاع الخاص لتحقيق التنمية المستدامة
القطاع الخاص في العراق: مساءلة القطاع الخاص لتحقيق التنمية المستدامة - تحميل التقرير الكامل
المقدمة
يُعد القطاع الخاص اليوم محوراً أساسياً في عملية التنمية المستدامة، سواء في الدول المتقدمة أم النامية، لما يتمتع به من ميزات وإمكانات تؤهله للقيام بدور ريادي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية في ظل اتجاه عالمي لمنحه المزيد من الأدوار. وقد خضعت علاقة القطاع الخاص بعملية النمو الاقتصادي، لنقاش معمّق في إطار التعاون الدولي، إذ تؤكد غالبية الدراسات على وجود علاقة إيجابية وقوية بينهما، وإن نمو الإنتاجية يرتبط بشكل وثيق بالاستثمارات الخاصة. ومع التحولات التي حدثت في السياسات الاقتصادية في العقدين الأخيرين من القرن الماضي نحو السوق، فإن ذلك عزز الاعتماد الكبير على القطاع الخاص، والشروع في عمليات تنفيذ برامج الخصخصة بشكل واسع، ما أدى إلى زيادة نسبة استثمارات القطاع الخاص إلى مجمل الاستثمارات من ناحية، وإلى زيادة نسبة الاستثمارات الخاصة إلى الناتج المحلي الإجمالي من ناحية أخرى. فضاً عن ذلك فقد عزز هذا التوجه زيادة الاستثمارات الخارجية في عدد من الدول؛ نظراً لكفاءة استثمارات القطاع الخاص وإنتاجيتها، مقارنة مع إنتاجية استثمارات القطاع العام. وتؤكد بعض الدراسات أن التأثير الإيجابي لاستثمارات القطاع الخاص في النمو، يفوق بأكثر من مرة ونصف تأثير الاستثمارات العامة. وهذه تؤكد درجة ارتباط استثمارات القطاع الخاص باستدامة التنمية والنمو الاقتصادي في المجتمعات التي تتمتع بالبيئة المناسبة للإسهام في عملية التنمية المستدامة.
وفي العراق تظهر الحاجة إلى مساعدة القطاع الخاص في عملية تمويل التنمية المستدامة لتحقيق أهدافها في مواجهة التحديات المحلية والعالمية، لاسيما مع تفاقم مشكلات الدولة وتراجع قدرتها على تمويل التنمية المستدامة وتحقيق أهدافها.
لكن السؤال المهم يتعلق بكيفية إخضاع القطاع الخاص للمساءلة، خصوصاً مع إعطائه المزيد من الأدوار التنموية، والشراكة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ودخوله في مجالات صناعية وتجارية، وفي مجال الخدمات العامة الأساسية التي تؤثر في حياة الناس وحقوقهم الأساسية، لاسيما الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
يسعى هذا التقرير إلى طرح موضوعة مساءلة القطاع الخاص عن أنشطته على بساط البحث والنقاش العام، وتحليل السياسات العامة التي تؤثر في المساءلة نفسها، والمعايير التي يمكن استخلاصها لتحقيق المساءلة؛ لذا فالتقرير لا يستهدف وصف أوضاع القطاع الخاص، وإن تضمن بعضاً من التوصيفات الضرورية لفهم واقع هذا القطاع، والسياق الاقتصادي والاجتماعي من أجل فهم أوضاعه.
ويتبنى الرصد بالنسبة للعراق المقاربة الحقوقية/ التنموية التي تنظر إلى حقوق الإنسان في إطار الالتزامات الوطنية والدولية التي تؤطر التوجهات العامة في المجتمع على أساس الديمقراطية والمساواة والإنصاف المجتمعي. لذا فهي تبتعد عن المقاربة الخيرية والتطوعية في معالجة المسؤوليات الاجتماعية للقطاع الخاص التي تضع الأخير في قلب عملية الإصاح الاقتصادي، مع الوعي بدوره ومسؤوليته، تجاه مجتمعه، وتأطير ممارساته بإطار من الالتزام القانوني والحقوقي مع الحفاظ على أهدافه المادية في تحقيق الأرباح، من دون الإضرار بالمجتمع والبيئة.
ويضم التقرير قسمين أساسيين، تناول الأول موضوعة الدولة والقطاع الخاص والتحديات المرتبطة بتطور هذا القطاع، والإجراءات الحكومية لتعزيز دوره في عملية التنمية المستدامة. أما القسم الثاني فقد تضمن تحلياً لثاث قضايا أساسية: الأولى تتعلق بتحديد القطاعات المحورية لنمو القطاع الخاص، والثانية تتعلق بأزمة تجديد رخصة الاتصالات المتنقلة، والثالثة ناقشت انخراط القطاع الخاص في تقديم الخدمات العامة في إنتاج الكهرباء وتوزيعها. وختم التقرير بمجموعة من الاستنتاجات والتوصيات.
د. حسن لطيف كاظم
إن هذا البحث هو جزء من الراصد العربي ٢٠٢١