Dec 02, 2024
ما بدأ ب”عطية الرب“ انتهى بسخرية القدر و”اهانة عميقة“ للقانون الإلهي وفرصة تاريخية للمسائلة القضائية - مصعب صبح
مصعب صبح
صحفي وصانع أفلام

الرجاء الضغط هنا لنبذة والمنشورات
مصعب صبح

ما بدأ ب”عطية الرب“ انتهى بسخرية القدر و”اهانة عميقة“ للقانون الإلهي وفرصة تاريخية للمسائلة القضائية - مصعب صبح


باتفاق وصفته لدي ناكبيل مبعوثة الفلبين الدولية لقضايا المناخ بأنه ”إهانة COP انتهت ”سجالات“ مفاوضات قمة المناخ 29 عميقة“. وهي البلد التي تعاني ارتفاع وتيرة الكوارث المناخية المتطرفة في العقد الأخير. فيما يبدو أن القمة التي بدأت ب ”عطية الرب“ كما وصفها الرئيس الأذربيجاني، انتهت بسخرية القدر في تعنت دول الشمال العالمي، ومراكز ضغط شركات الطاقة والوقود الأحفوري. وهم أغنياء العالم، وتعدادهم ١٪ منه. لكنهم يتسببون بنحو % 95 من مجمل انبعاثات الغازات الدفيئة، كما ذكرت تقارير أعدتها منظمة أوكسفام الدولية في اشارة إلى الظلم المناخي التاريخي.


مستشارة أوكسفام الدولية في شؤون المناخ، صفاء الجيوسي، انتقدت بشدة الاتفاقية المعلنة، وأبدت انزعاجاً كبيراً من مخرجاتها. وقالت ”نحن منزعجون جداً ونشعر بخيبة أمل من انعدام شمولية هذه العملية بأسرها. وذلك بتجاهل اعتراضات دول الجنوب العالمي على نص الاتفاق النهائي. والقيمة المخصصة بحسب الاتفاق لدعم الدول الأكثر تضرراً من تبعات التغير المناخي تعتبر تافهة“

حيث إنه بموجب الاتفاق قبلت دول الشمال العالمي، المتقدمة والغنية والمسؤولة تاريخياً عن تدهور المناخ منذ الثورة الصناعية أواخر القرن الثامن عشر، بأن تدفع مبلغ 300 مليار دولار سنويا للبلدان النامية والأقل نماءً حتى عام 2035 لمساعدتها على محاربة التغير المناخي. وهي نفسها التي وعدت أن تدفع سنوياً في عام 2020 ما قيمته 100 مليار دولار سنوياً، لم يصل من مجموع ال 400 مليار دولار غير ما يقارب ال 75 مليار دولار فقط على مدار الأربع سنوات الأخيرة. في حين طالبت الدول النامية بما يعادل أكثر من أربعة أضعاف المبلغ الذي تم اقراره لهذا العام، وما قيمته 1.3 تريليون دولار، على الأقل، لمحاربة التهديد الوجودي العالمي الأكبر على النوع الإنساني.


ناكبيل في تعليقها على الاتفاق قالت ”انه أكثر من سخرية، إنه إهانة عميقة لا يمكن القبول بها. نفضل السجال في التفاوض لعام كامل على القبول باتفاق سيئ للغاية“ أما ممثلة الهند الدولية لقضايا المناخ تشاندلي راينا فقد تركت الجلسة الختامية احتجاجاً على ما قالت عنه ”ليس إلًا وهماً بصرياً لا يمكن له أن يخاطب التحديات المناخية الضخمة التي نواجهها في دولنا الأكثر تضرراً“ مبعوث باناما في قضايا المناخ، خوان كارلوس مونتيريه غوماس، والذي تتموضع بلاده في الخطوط الأمامية لمخاطر التغير المناخي وارتفاع مستوى المحيطين الهادئ والأطلسي ما يهدد بابتلاعها، قال عن المراحل الأخيرة من المفاوضات التي قادت بوصفه إلى تقديم دعم ب ”أرقام مشينة“ مقارنة بالرقم المطلوب، قال بأن الدول المتقدمة، و ”المتأخرة والمماطلة في الاستجابة لالتزاماتها المناخية التاريخية“، كانت قد أجبرت الدول الفقيرة على قبول الاتفاق، ووضعت نصاً أمامها للتوقيع عليه، وتذرّعت بتعددية الأطراف الديبلوماسية في الاتفاق. وقال ”لم يكن لدينا خيار إلا القبول، وليكون هناك اتفاق فحسب. وإلّا تنتهي العملية بأسرها“ ولا عجب فلا يريد الثري إلّا ثراءاً أكبر وان كان على حساب الفقير بعد الاستنزاف الاستعماري لموارده، أو على حساب الحياة على الكوكب ومستقبل الأجيال القادمة. ثم ساخراً سيشكر لهم الرب على عطاياه.


محكمة العدل الدولية تنظر في الالتزامات المناخية للدول


وفي التصدي للتهديد الوجودي الأكبر على الانسان والكوكب، تعقد محكمة العدل الدولية لأول مرة في تاريخها الممتد لنحو ثمان عقود جلسات قضائية سماعية في قضية طلب رأي استشاري في التزامات الدول بشأن التغير المناخي. وحيث سجلت هذا العام ارقام قياسية في ارتفاع درجات حرارة الأرض، وأرقام قياسية أشد خطورة في ارتفاع منسوب البحر في دول الجزر.


وتقود فانواتو هذا السجال القانوني، وهي دولة في جزر المحيط الهادئ يكاد يبتلعها البحر. حيث إن المحكمة، رأس العدالة العالمية، ستبحث لأول مرة في تاريخها في العدالة المناخية. وستعقّب على نتائج قمة باكو الأكثر جدلاً، وربما الأكثر ظلماً لبيئة الأرض ومناخها ومن يعاني في الخطوط الأمامية من بين سكانها، نظراً لاحتدام المخاطر والتحديات.


مبعوث فانواتو الدولي في قضايا المناخ رالف ريجينفانو، وهي الدولة التي تقدمت بالدعوى إلى المحكمة، قال في مستهل الجلسات أودى بصحة وثقافة وحياة كثير من الناس من COP السماعية القضائية ”إن الفشل الممنهج والمماطل فيه لعملية مؤتمر الأطراف بينهم شعب فانواتو.“ فيما شدد على ضرورة عدم الارتكاز إلى ”الراحة السياسية“ عند معالجة ”الحاجة الملحة للاستجابة الجماعية لمخاطر التغير المناخي“ ونادى بالقانون الدولي كركيزة أساسية تحفظ للمجتمعات الأكثر تضرراً حقها في حماية أراضيها وشعوبها ومقدراتها الحضارية والمادية وحقوق أسلافها والقادم من مستقبل أجيالها، من مخاطر التهديد العالمي.


وكانت منظمة ”طلاب جزر المحيط الهادئ المحاربين للتغير المناخي“ قد قادت حملة التوجه الى قصر العدل في لاهاي قبل خمس سنوات. وإلى جانب ستة وعشرين شابة وشاباً من المحامين الدوليين وطلاب القانون الدولي، كانت سينثيا هونيوهي رئيسة المنظمة، قد حشدت دعم نحو 1500 منظمة دولية، وطلبوا من أربع حكومات وهي فانواتو، تونغا، جزر السلمون، وفيجي للتوجه إلى الجمعية
العمومية للأمم المتحدة لطلب استصدار رأي استشاري من المحكمة.

وفي خطاب قيادي آسر قالت سينثيا أمام المحكمة ”إنني أقف اليوم بين أيديكم ليس كفرد وانما كتجسيد حي لصوت شعبنا في الماضي والحاضر والمستقبل“. وهي التي تتحدر نسل ملكي حكم جزر السلمون في الماضي، استشعرت مسؤولية الدفاع عن الذاكرة الجمعية لأجدادها وجداتها. ”تسري في عروقي ذاكرة الأجداد الجمعية. والقانون الإلهي واراتو الذين عمروا أرض جزرنا به، وازدهرت حياتهم بذلك“ قالت سينثيا. وهو القانون الذي يحتم على المختصمين الاحتكام إلى سيد القبيلة في ثقافتها، ويمنع التعرض بالإساءة إلى الأرض ومقدراتها. وكانت سينثيا قد أخبرتني سابقاً بأنها ترى التوجه إلى رأس العدالة الدولية لادانة الظلم المناخي الذي يعاني منه مجتمعها في الخطوط الأمامية لمخاطر التغير المناخي، تمثيلاً عملياً لهذا القانون الإلهي.

وأمام المحكمة انتقدت سينثيا بشدة نتائج قمة باكو وقالت ”إن من يتهيؤ للخسارة هم أجيال المستقبل. ذلك أن مستقبلهم أصبح غير مؤكد، وهو رهينة عملية اتخاذ القرارات القائمة عليها حفنة من الدول ذات الانبعاثات الكربونية الأكبر والمسؤولية التاريخية عن التغير المناخي“ وأبدت بنبرة فيها استغراب وحزن وخيبة أمل من ”تشجيع هذه الدول الاستباقي على استهلاك المزيد من الوقود الاحفوري وتخطيطها للمزيد منه، واستمرارها في ذلك حتى اليوم“ فهل ستنجح محكمة العدل الدولية، المستمرة جلساتها بالانعقاد، بالزام الدول بالتزاماتها القانونية تجاه المناخ، والمشرّعة أصلاً ضمن قوانين الأمم المتحدة المناخية في اتفاقيات وقرارات سابقة؟ أم ستستمر ”عطية الرب“ في النفط واستهلاكه، و”الإهانة العميقة“ للقانون الإلهي، في دمار الكوكب ومستقبل أجياله؟





احدث المنشورات
Dec 07, 2024
النشرة الشهرية لشهر تشرين الثاني/نوفمبر 2024
Dec 03, 2024
الديون السيادية في المنطقة العربية: بين استدامتها وعدالة السياسات الضريبية - أحمد محمد عوض