
زياد عبد الصمد
سقوط
النظام السوري: نهاية عهد أم بداية مرحلة جديدة؟ -زياد عبد الصمد
لم يكن سقوط النظام السوري مفاجئًا بحد ذاته؛ الا ان كلا من التوقيت وطريقة الانهيار الكلي في أيام قليلة تجاوز التوقعات، بما في ذلك القوى التي كانت تحاربه. فمنذ اندلاع الثورة السورية في سياق الربيع العربي، واجه النظام تحديات هائلة كادت أن تؤدي إلى انهياره لولا الدعم العسكري والسياسي الذي تلقاه من إيران وروسيا وحزب الله. هذا التحالف مكّن النظام من الصمود في وجه المدّ الشعبي، وحوّل الصراع من انتفاضة داخلية سلمية، سياسية وشعبية، إلى ساحة لتدخلات إقليمية ودولية.
تدخلات خارجية ومدّ وجزر سياسيين
عندما بدأت الاحتجاجات في سوريا عام 2011، استند النظام إلى إرث قمعي طويل لإخمادها، مستفيدًا من خبرته في السيطرة على المجتمع السوري منذ عهد حافظ الأسد. لكن مع تصاعد المواجهات، اضطر النظام إلى الاستنجاد بحلفائه الإقليميين والدوليين. تدخلت إيران عبر الحرس الثوري، وقدم حزب الله دعمه العسكري المباشر، بينما أرسلت روسيا قواتها الجوية والبرية عام 2015، مما قلب موازين الحرب لصالح الأسد.
إلا ان هذه الديناميات تغيرت بشكل جذري في أواخر عام 2023، مع اندلاع الحرب في غزة وتصاعد المواجهات الإقليمية. وجد حزب الله نفسه في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، في حرب استنزاف لم يكن مستعدًا لها. ومع الضربات الموجعة التي تلقاها في لبنان، تقلص نفوذه العسكري، مما انعكس مباشرة على نفوذ إيران في المنطقة. ومع توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، كان حزب الله قد فقد قدرته على دعم النظام السوري كما كان في السابق.
عزلة الأسد وسقوطه السريع
مع انشغال إيران بوضعها الداخلي والخسائر الإقليمية التي تكبدتها، بدأ الأسد يفقد دعمه الأساسي. في الوقت نفسه، كانت روسيا منهمكة في حربها ضد أوكرانيا، وسعت إلى تحسين علاقاتها مع تركيا، خاصة أن البلدين كانا راعيين لحوار سوري-تركي لحل النزاع. لكن نظام الأسد رفض أي انفتاح على أنقرة، متجاهلًا الضغوط الروسية.
في هذه الأثناء، قدمت السعودية، من خلال جامعة الدول العربية، مبادرة لتسوية سياسية شاملة وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي ينص على تشكيل حكومة انتقالية بمشاركة المعارضة. إلا أن الأسد رفض جميع المبادرات، مما أفقده الغطاء العربي والدعم الروسي، بعدما كان قد خسر دعم إيران وحزب الله، خصوصا ان آخر الفرص العربية تمثلت بمبادرة عمان التي شكلت آخر محاولة عربية لاحتواء الأسد وجعله شريكا في انهاء النفوذ الايراني في سوريا.
مع تراجع هذه التحالفات، وجدت المعارضة السورية المسلحة، المتمركزة في إدلب تحت الرعاية التركية، الفرصة سانحة للتحرك نحو دمشق. وفي غضون أيام، انهار النظام بسرعة غير متوقعة، وسط غياب أي تدخل إيراني أو روسي لإنقاذه.
الأسد ينسحب بصمت
تشير مصادر عدة إلى أن بشار الأسد كان يخطط للمغادرة منذ أسابيع، مفضلًا الانسحاب على خوض معركة خاسرة. إلا أن المفاجأة الأكبر تمثّلت في مغادرته من دون إعلام أقرب مساعديه، بمن فيهم شقيقه ماهر الأسد، قائد الفرقة الرابعة، التي كانت آخر خطوط الدفاع المدعومة من إيران.
رحيل الأسد بهذه الطريقة يعكس حجم التغيير الجذري في المشهد السوري والإقليمي. فبعد أكثر من عقد من الصراع، يبدو أن سقوط النظام لا يمثل مجرد نهاية لعهد الأسد، بل بداية لمرحلة جديدة قد تعيد تشكيل مستقبل سوريا بالكامل.
مرحلة انتقالية معقدة
تمر سوريا بمرحلة انتقالية صعبة ومعقدة. فمن جهة، تواجه البلاد دمارًا واسعًا طال مؤسسات الدولة والخدمات العامة والبنية التحتية، إلى جانب تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية. ومن جهة أخرى، أحدث غياب السلطة فراغًا كبيرًا، مما مكّن الفصائل المسلحة، التي لعبت دورًا رئيسيًا في تحرير دمشق، من تولي زمام السلطة.
إلا أن هذه الفصائل، رغم نجاحها في إنشاء إطار تنسيقي بقيادة أحمد الشرع تحت مسمى "غرفة ردع العدوان"، لم تتمكن من تحقيق وحدة حقيقية فيما بينها، مما يجعل التباينات في معالجة القضايا الأساسية أمرًا متوقعًا، لا سيما فيما يتعلق بمسألة توحيد السلاح تحت مظلة الدولة السورية، وهي إشكالية جوهرية قد تؤثر على وحدة الدولة واستقرارها في المستقبل.
إسرائيل تتدخل
مع سقوط النظام بادرت إسرائيل إلى تدمير الإمكانيات الدفاعية والهجومية للجيش السوري وعمدت إلى التوسع في جنوب سوريا بحجة حماية المستوطنات في شمال إسرائيل، ما يجعل منها لاعبًا إقليميًا مؤثرًا في الداخل. وربما تهدف من وراء هذه التدخلات إلى تحقيق مكاسب سياسية، قد تكون معاهدة سلام مع سوريا إحدى أبرز أهدافها. إن التدخل الإسرائيلي في سوريا قد يساهم في تقسيم البلاد، خاصة بعد التصريحات التي جاءت على لسان قيادات إسرائيلية بأن هدف إسرائيل هو حماية الأقليات، لا سيما الدروز والأكراد، رغم أنهما لم يطلبا أي حماية، بل، على العكس، يعتبر الطرفان نفسيهما جزءًا من النسيج السوري ولا ينفصلان عنه.
من جملة التحديات التي تواجه النظام الجديد هو اعتراف المجتمع الدولي به، وبالتالي استعداده لدعم جهود إعادة الإعمار والتعافي. إلا أن هذا الموضوع يتوقف على أداء السلطة السياسية وقدرتها على إقناع المجتمع الدولي والعربي بأن القوى والفصائل المولجة بإدارة المرحلة الانتقالية منفتحة وتحتكم إلى آليات الديمقراطية والمشاركة، وتعتمد الشفافية والقدرة على إشراك مختلف المكونات بشكل متساوٍ، على أساس احترام الحقوق والحريات وإقامة دولة القانون. ولعل الشرع امام فرصة الآن لإثبات ذلك من خلال تشكيله الحكومة السورية الجديدة التي من المفترض ان تخلف حكومة محمد البشير التي تنتهي ولايتها في الاول من آذار ٢٠٢٥.
ما التالي؟
فتح سقوط النظام الباب أمام أسئلة جوهرية حول مستقبل سوريا:
هل ستنجح المعارضة في إدارة المرحلة الانتقالية؟
كيف سيكون رد فعل الفصائل المختلفة داخل سوريا؟
ما الدور الذي ستلعبه القوى الإقليمية والدولية في تحديد مستقبل البلاد؟
ما هو الدور الذي يمكن للمجتمع السوري بكل مكوناته، بما في ذلك منظمات المجتمع المدني، ان يلعبه؟
الإجابات على هذه الأسئلة ستتضح في الأشهر المقبلة، لكنها بلا شك ستكون جزءًا من إعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة بعد حقبة الأسد.
المساهمات الواردة في هذا الملف، تتضمن وجهات نظر تطل على هذه التطورات، ومحاولات إجابة على بعض هذه الأسئلة.