سجل حقوق الإنسان في الأردن في الاستعراض الدوري الشامل - هلا مراد
للمرة الرابعة، مَثُلَ الأردن لآلية الإستعراض الدوري الشامل في 25 يناير/ كانون ثاني/2024 ضمن دورتها الخامسة والأربعين التي عقدها مجلس حقوق الانسان في جنيف. وقد ترأس الوفد الأردني رئيس البعثة الدائمة لدى الأردن في جنيف مع الوفد المرافق الذي ضم مندوبين عن كل من مكتب المنسق العام الحكومي لحقوق الإنسان في رئاسة الوزراء ووزارة الخارجية، وزارة العمل، وزارة العدل، ممثل عن دائرة قاضي القضاة، وزارة التنمية الاجتماعية، اللجنة الوطنية للمرأة والمركز الوطني لحقوق الانسان، بالإضافة إلى مشاركة واسعة من مؤسسات المجتمع المدني التي شاركت عبر تحالفاتها الثلاثة: (التحالف المدني الأردني للآليات الدولية - حِمى) و(تحالف تطوير) و(التحالف الوطني) وقد إنسحب في وقت سابق تحالف (انسان) عن المشاركة في آلية الاستعراض الدوري الشامل لهذه الدورة احتجاجا على ما سُمي ازدواجية معايير الدول في التعاطي مع الحرب العدوانية على غزة من الناحية الإنسانية والحقوقية.
وقد أكد بيان الوفد الأردني في كلمته الإفتتاحية حِرص الأردن على النهوض بحقوق الإنسان على المستوى الوطني والتزامه بتوصيات مجلس حقوق الإنسان لعام 2018 بشأن تقرير الإستعراض الدوري الشامل الثالث للأردن، الذي قبل منها 149 توصية في حينه -مع العلم أننا في المجتمع المدني نؤكد على أنه ليس هنالك أي طريقة واضحة لقياس التقدم أو رصد تنفيذ التوصيات السابقة- وقد قبل الأردن هذه التوصيات من اصل 226 توصية قدمت له .
كما أشارت الكلمة الافتتاحية إلى مشاركة الأردن النشطة بالآليات الدولية لحقوق الإنسان، حيث قدم تقريره الدوري السادس بشأن اتفاقية حقوق الطفل في عام 2023، وسيقدم التقرير الدوري الرابع إلى لجنة مناهضة التعذيب هذا العام 2024، كما إنه يتفاعل بشكل كبيرة ويبذل اقصى درجات التعاون مع المقررين الخواص مع تقديم دعوة مفتوحة لهم منذ العام 2006. وأكدت كذلك الكلمة الافتتاحية على التقدم التشريعي المحرز في المجال السياسي بعد صدور قانون الأحزاب وقانون الانتخاب واللذان جاءا نتيجة لتوصيات لجنة التحديث السياسي في العام 2021، وذكرت الكلمة الكثير من التطورات على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي ولم تغفل الكلمة أن تؤكد للدول الحاضرة التحديات الكبيرة التي تواجه الأردن جراء أزمة اللجوء واستضافة لأكثر من 4 ملايين لاجئ، أي ما يعادل أكثر من ثلثي سكان البلاد، مع التأكيد على أن المجتمع الدولي لم يدعم هذه الجهود بشكل كاف، مما ينتج عنه ضغوطًا متزايدة على الموارد والبنية التحتية لاسيما أزمة المياه، وإضافة لتأثير اللاجئين، يواجه الأردن تبعات التغيرات المناخية أيضا، وأشارت الكلمة في الختام إلى التحدي المستمر المتعلق بالاحتلال غير المشروع للأراضي الفلسطينية ودعت إلى إنهاء الاحتلال ووقف العدوان على غزة والسعي من أجل الأمن الدائم.
وخلال الجلسة التفاعلية الشفهية تلقى الأردن 279 توصية من 101 دولة وقد تضمنت التوصيات ضرورة تعزيز بيئة ومنظومة حرية الرأي والتعبير واستمرار العمل على حقوق الأقليات وحمايتها وتحسين نظام التعليم والتصدي للعنف الاسري والجنسي وتعزيز حقوق النساء والعمل على مكافحة التميز خاصة للفئات الهشة والاقل حظًا ومواصلة تعزيز حقوق اللاجئين والمهاجرين إضافة إلى توصيات متعلقة بوقف عقوبة الإعدام ومناهضة التعذيب، كما تضمنت كذلك توصيات ذات صلة بالحق بالتنمية والحقوق البيئية.
وفي نظرة تحليلة أكثر عمقًا، يمكن القول ان الثقل الأكبر من التوصيات لهذه الدورة تمركزت حول تعزيز حقوق الفئات الأكثر هشاشة من النساء والأطفال وذوي الإعاقة، بالإضافة إلى حرية الرأي والتعبير، وخاصة بعد صدور قانون الجرائم الالكترونية في آب من العام الماضي 2023 والذي لقي جدلا كبيرا في الشارع الأردني جراء القيود التي فرضها على حرية الرأي والتعبير، فكانت هنالك عدّة توصيات تؤكد على أهمية مراجعة القانون وإيجاد صيغة تتوائم مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها الأردن، بالإضافة إلى التوصيات الخاصة بالحرية الشخصية والحق بالحياة والحماية من التعذيب. وشكلت هذه الحقوق ما نسبته 78% من مجمل التوصيات، فيما كانت 22% لحقوق العمال والمهاجرين واللاجئين بالإضافة إلى الحق بالتنمية والبيئة وتعزيز قدرات السلطة القضائية والقضايا الخاصة بالعنف الأسري والمنزلي إلى جانب حظر جميع أشكال الرق بما في ذلك الإتجار بالبشر وحقوق مؤسسات المجتمع المدني وأخيراً الحق في الصحة الذي لم يتلقَ كحق سوى 3 توصيات شكلت نسبتها ما يقرب من الـ 1% وهذا ما يؤكد غياب قضية كوفيد 19 عن ساحة التأثير في ساحة حقوق الانسان.
وعلى الرغم من الزيادة الملحوظة في عدد الدول الموصية وعدد التوصيات عن الدورات السابقة، ولكن غلب على التوصيات العموم الكبير، مما جعلها فضفاضة ومن الصعب متابعتها ورصد العمل عليها ومتابعة الإجراءات في التنفيذ والمساءلة، ومع ذلك، يمكن النظر إلى التقدم الذي أحرزه المجتمع المدني والذي لعب دورًا حيويًا في هذا الاستعراض، حيث زادت الافادات عن 60 من مؤسسات المجتمع المدني والإعلامي ومن ضمنها 21 إفادة مشتركة.
وفي هذا الصدد، فإن منظمات المجتمع المدني، والتي أخذت بالتوسع نحو إدماج مزيد من العمل الحقوقي على الحقول التنموية والبيئية، قد بدأت تجني ثمارًا واضحة. ففي الدورة السابقة ( الثالثة من UPR)، تلقى الأردن توصيتين فقط تتحدثان عن التنمية المستدامة والتغير المناخي وكانتا عامتين، الأولى تتحدث عن انفاذ أجندة التنمية المستدامة والثانية عن تدابير من شأنها التخفيف من تغيرات المناخ. أما في هذه الدورة فقد تلقت الأردن 13 توصية تنموية وبيئية مباشرة، تمركزت حول العمل المناخي وإدماج النساء والشباب في عمليات صنع القرار بشأن تغير المناخ وحظيت قضية النفايات بإهتمام خاص وجاءت توصية تؤكد على أهمية تعزيز قدرات الدولة في إدارة النفايات من أجل الاستدامة البيئية والحفاظ على الصحة العامة، والتأكد من مراعاة الشواغل الإيكولوجية والبيئية، بجانب اتخاذ تدابير لزيادة فرص العمل في إطار اقتصاد التنمية المستدامة والنظر في تعزيز قدرات الأطفال والشباب ودعم مشاركتهم في عملية صنع القرار المتعلقة بالمسائل ذات الصلة بالبيئة. وهذا يؤكد على أن القضايا البيئة والاستدامة بدأت تأخذ حيزًا واضحًا من الأجندة الحقوقية لدى دول العالم، ولكن يبقى التحدي الأكبر هو بانخراط المزيد من مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة في قضايا البيئة والاستدامة وترجمة التوصيات السابقة إلى توصيات قابلة للقياس والمتابعة والمساءلة ضمن مصفوفة حقوقية بيئية يمكن أن تُشكل لأول مرة وبنهج تشاركي بين الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني والنشطاء، حيث أن التوصيات الواردة في هذه الدورة، ورغم أنها تتحدث عن قضايا واضحة، كنا نأمل ان تكون أكثر تحديدًا وتخاطب تشريعًا واضحًا أو آلية حكومية محددة أو تكون موجهة إلى إحدى السلطات الثلاث، حيث مازالت العدالة البيئية والمناخية تلاقي العديد من العوائق في مستوياتها التشريعية والقضائية والتنفيذية.
وسيواصل المجتمع المدني في الأردن المشاركة في آليات مراقبة حقوق الإنسان لتعزيز المساءلة وسيواصل المناصرة على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية لتعزيز التمتع الكامل بحقوق الإنسان من خلال كل ذلك دون تمييز.
هلا مراد