Jan 27, 2025
سياسة المساعدات الدولية: رمال متحركة ومساحات متقلصة - د. خليل جبارة
د. خليل جبارة
باحث وأكاديمي

الرجاء الضغط هنا لنبذة والمنشورات
د. خليل جبارة

سياسة المساعدات الدولية: رمال متحركة ومساحات متقلصة - د. خليل جبارة


أدت حرب غزة في عام 2023 إلى عدة صدمات عبر المجتمع الدولي، وألقت بظلالها الطويلة على المشهد المعقد أصلًا للمساعدات الدولية. وقد أدى هذا الصراع، ومسارات تطور سياسات المساعدات الخارجية، وتزايد التوترات السياسية إلى إحداث تحول كبير ذو آثار عميقة على منظمات المجتمع المدني حول العالم، وخاصة في المنطقة العربية. تتعمق هذه المقالة في هذه التغييرات، وتستكشف تأثيرها على استدامة وعمليات وفعالية منظمات المجتمع المدني وتفحص العواقب الأوسع نطاقًا على المجتمع المدني وحقوق الإنسان ومشاريع التنمية.



التغيّرات في سياسة المساعدات الخارجية



تطور المشهد العالمي للمساعدات الخارجية في السنوات الأخيرة، حيث انخفضت الميزانية المخصصىة للمنظمات العاملة في مجال تعزيز الديمقراطية والتعليم وتقديم الخدمات والتنمية طويلة الأجل. وخلال السنة المالية 2024، على سبيل المثال، ارتفع الدعم الإنساني من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بمقدار 800 مليون دولار على حساب دعم التنمية، وخاصة في مجال المياه والصرف الصحي والنظافة.


وبعيدًا عن الولايات المتحدة، يتعرض المشهد العالمي للمساعدات الخارجية إلى مزيد من التحولات. فقد أظهرت قمة المناخ التابعة للأمم المتحدة في باكو صعوبة التوصل إلى اتفاقيات بشأن مبادرات تمويل المناخ. وإضافة إلى هذا التعقيد، من المتوقع أن تنخفض النداءات التي تدعمها الأمم المتحدة لعام 2024 مقارنة بالسنوات السابقة، مع التركيز على الأنشطة الأساسية المنقذة للحياة. وقد يؤدي هذا التحول نحو إعطاء الأولوية للاستجابة للطوارئ إلى زيادة الضغط على الموارد المتاحة للتنمية الطويلة الأجل والعمل في مجال حقوق الإنسان الذي تقوم به منظمات المجتمع المدني.


وعلاوة على ذلك، تزداد جاذبية التشكيك في فعالية برامج المساعدات الخارجية من قبل صناع السياسات في البلدان المانحة. وغالبًا ما يكون الافتقار إلى تقييمات التأثير المناسبة لهذه البرامج والمخاوف بشأن استدامة مبادرات المساعدات هذا عائقًا أمام التقييم الجدي لهذه البرامج. وتشير هذه الاتجاهات إلى تحول في سياسات المساعدات الخارجية نحو نهج أكثر تفاعلية، وإعطاء الأولوية للاحتياجات الفورية وربما المساس بالشفافية وأهداف التنمية طويلة الأجل. وهذا التحول له آثار كبيرة على منظمات المجتمع المدني، وخاصة تلك التي تعمل في مجال حقوق الإنسان والتنمية.


لماذا يتقلص التمويل؟


قد تسهم عدة عوامل في الانكماش المحتمل لتمويل منظمات حقوق الإنسان:


قيود الميزانية: قد تؤدي التحديات الاقتصادية في أوروبا والولايات المتحدة إلى خفض ميزانيات المساعدات الإجمالية، مما يؤثر على تمويل منظمات حقوق الإنسان.

تغيير الأولويات: قد تعطي الحكومات الأولوية لمجالات أخرى، مثل الأمن أو الهجرة أو تغير المناخ، على حقوق الإنسان وتعزيز الديمقراطية.

الشعبوية الصاعدة: قد يؤدي صعود الحركات الشعبوية والمشاعر القومية في بعض البلدان إلى خفض دعم التعاون الدولي وحقوق الإنسان.

انتشار الصراعات: قد يؤدي تضاعف عدد الصراعات والأزمات الإنسانية حول العالم إلى إجهاد الموارد وتحويل التمويل بعيدًا عن التنمية الطويلة الأجل وعمل حقوق الإنسان.

تقلّص مساحة المجتمع المدني: تفرض الحكومات في بعض البلدان قيودًا متزايدة على أنشطة منظمات المجتمع المدني، مما يصعّب قدرتها على العمل والحصول على التمويل.



يشكّل تقلّص تمويل منظمات حقوق الإنسان قضية معقدة ذات عوامل متعددة، وتبدو فرص عكس هذا الاتجاه قاتمة. لكنْ، تتطلّب معالجة هذا التحدي مقاربة متعدد الأوجه، بما في ذلك الدعوة إلى زيادة ميزانيات المساعدات، وتعزيز قيمة حقوق الإنسان، ودعم قدرة المجتمع المدني على الصمود.


تأثير حرب غزة ومشروع القانون 9495 على منظمات حقوق الإنسان في المنطقة العربية

كان لحرب غزة عام 2023 تأثير مدمر على المنطقة وشعبها. فإلى جانب الأزمة الإنسانية المباشرة، أثر الصراع بشكل عميق على منظمات حقوق الإنسان والديمقراطية في المنطقة العربية. وأسفرت الحرب عن مقتل وإصابة وتشريد الكثير من موظفي المنظمات غير الحكومية في غزة، مما أعاق عملياتها بشدة.


كما جلبت الحرب مزيد من التدقيق والضغوط على منظمات حقوق الإنسان، حيث واجهت بعضها اتهامات بالتحيز أو حتى الوصم بداعم الإرهاب. وقد خلقت هذه البيئة المعادية عقبات كبيرة أمام تلك المنظمات، بما في ذلك انخفاض دعم المانحين، وفقدان الموظفين، ومناخ الخوف الذي يقوض عملها الحيوي. وقد أعلنت منظمات حقوق الإنسان موقفًا قويًا في أعقاب الحرب، حيث أدانت انتهاكات حقوق الإنسان ودعت إلى المساءلة.


ولقد أضافت موافقة مجلس النواب الأميركي على مشروع القانون رقم 9495، "قانون وقف تمويل الإرهاب والعقوبات الضريبية على الرهائن الأميركيين"، إلى هذه التعقيدات الناشئة. ويمنح هذا القانون وزير الخزانة الأميركي سلطة تصنيف أي منظمة أميركية غير ربحية باعتبارها "منظمة داعمة للإرهاب" وتجريدها من وضعها المعفي من الضرائب إذا وجد الوزير أن هذه المنظمة غير الربحية قدمت دعماً مادياً لجماعة إرهابية.


لذا، أعربت عدّة منظمات معنية بحقوق الإنسان عن مخاوف جدية بشأن التأثير المحتمل لقانون مجلس النواب الأميركي 9495 على عملها. تنبع هذه المخاوف أولّا من اللغة الواسعة والغامضة في مشروع القانون، والتي تمنح وزير الخزانة سلطة تقديرية كبيرة، والافتقار إلى الإجراءات القانونية الواجبة والشفافية في إجراءات مشروع القانون. ولا يتطلب مشروع القانون من وزير الخزانة مشاركة الأدلة الكاملة أو المنطق وراء التصنيف مع المنظمة غير الربحية المتهمة. يثير هذا الافتقار إلى الشفافية مخاوف بشأن إمكانية إساءة الاستخدام والاستهداف السياسي للمنظمات التي تنتقد الحكومة أو تدافع عن قضايا غير شعبية. ولا يقدم الإطار المقترح أي آلية واضحة للمنظمات لمواجهة هذه الاتهامات، مما يجعلها عرضة للتصنيف غير العادل وغير المبرر.



يثير التأثير المحتمل لـ9495 قلقًا خاصًا لدى منظمات حقوق الإنسان العاملة في المنطقة العربية. حيث يمكن أن تؤدي اللغة الغامضة لمشروع القانون والافتقار إلى الإجراءات القانونية الواجبة إلى تفاقم التحديات القائمة وتقييد مساحة العمل في مجال حقوق الإنسان في المنطقة بشكل أكبر، حيث غالبًا ما تكون منظمات حقوق الإنسان في المنطقة العربية هدفًا للاتهامات عندما تنتقد سياسات الحكومة أو توثق انتهاكات حقوق الإنسان. ويمكن أن يوفر مشروع القانون رقم 9495 أداة جديدة للحكومات لاستهداف هذه المنظمات وإسكات أصواتها الناقدة.

ويمكن أن يؤثر فقدان وضع الإعفاء الضريبي بشدة على تمويل وعمليات منظمات حقوق الإنسان في المنطقة العربية، حيث يعتمد الكثير من هذه المنظمات على المانحين الدوليين، وقد يردع هذا القانون المانحين من القطاع الخاص عن تقديم الدعم. وبالتالي، قد تواجه منظمات حقوق الإنسان عدم الاستقرار المالي، مما يعيق قدرتها على القيام بعملها الأساسي.

كما يمكن أن يخلق مشروع القانون رقم 9495 عقبات أمام التعاون الدولي بشأن قضايا حقوق الإنسان. وقد تصعّب أحكام مشروع القانون على منظمات حقوق الإنسان التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها الشراكة مع المنظمات في المنطقة العربية. وقد يعيق هذا تبادل المعلومات وجهود المناصرة وتقديم المساعدة للسكان المعرضين للخطر.

الخلاصة

يفرض المشهد السياسي المتطور للمساعدات الدولية تحديات وفرصًا كبيرة لمنظمات المجتمع المدني، وخاصة تلك التي تركز على حقوق الإنسان والديمقراطية في المنطقة العربية. لقد أدت حرب غزة عام 2023، وإقرار مشروع القانون رقم 9495، وتحول سياسات المساعدات الخارجية، وعوامل أخرى مختلفة إلى خلق بيئة أكثر تعقيدًا وتحديًا لهذه المنظمات.

لكن، ورغم هذه التحديات، يمكن لمنظمات المجتمع المدني الاستفادة من خبراتها وشبكاتها للتكيف والابتكار. ومن خلال تبني التعاون، والدعوة إلى سياسات داعمة، وزيادة الوعي بالدور الحاسم للمجتمع المدني، يمكن لمنظمات المجتمع المدني الاستمرار في تقديم مساهمة حيوية في جهود حقوق الإنسان والتنمية وبناء السلام في جميع أنحاء العالم. ويعتمد مستقبل المساعدات الدولية على قدرة منظمات المجتمع المدني على التنقل في هذا المشهد المتغير والدعوة بفعالية إلى عالم أكثر عدالة وإنصافًا.


احدث المنشورات
Mar 03, 2025
اللبنانيون المفقودون والمخفيون قسرا في سوريا: أي مسار؟ أي مصير؟ - اديب نعمه
Mar 03, 2025
الانقلاب السياسي في سوريا وقضايا النساء - سوسن زكزك