Sep 10, 2024
بعد مرور عشر سنوات على الإبادة الجماعية، هل نحن بحاجة الى حوار وطني بشأن العدالة الانتقالية في العراق؟ - د. سعد سلوم
سعد سلوم
مؤسس منظمة مسارات / أستاذ جامعي

الرجاء الضغط هنا لنبذة والمنشورات
سعد سلوم

بعد مرور عشر سنوات على الإبادة الجماعية، هل نحن بحاجة الى حوار وطني بشأن العدالة الانتقالية في العراق؟ - د. سعد سلوم


بتاريخ 3 آب/أغسطس 2024، أُقيمت مراسم إحياء الذكرى العاشرة للإبادة الجماعية للإيزيديين في النصب التذكاري المُشيَّد لتخليد الضحايا في سنجار شمال غرب العراق، حيث ارتكب تنظيم داعش فظاعات يصعب تخيُّلها. الأرقام يمكن أن تُعطينا صورة تقريبية: كان عدد السكان الإيزيديين قرابة 550 ألف شخص. وفي أعقاب الإبادة الجماعية هُجِّر ما يقرب من 360 ألفاً منهم، وقُتل 1293 شخصاً، ويُتِّم 2745 شخصاً، واختُطف 6417 آخرون (3548 امرأة، و2869 رجلاً).


على الرغم من هذه الصورة القاتمة، ما يزال المجتمع الإيزيدي يكافح من أجل التعافي وإعادة البناء. وبعد أن أعلنت قوات التحالف الدولية هزيمة داعش عام 2017، أصبحت سنجار قابلة لإعادة البناء، لكن منذ ذلك الوقت، لم يحدث سوى عمل محدود التأثير.


في الواقع، فإن مرور الذكرى العاشرة يوضح الحاجة إلى حوار وطني متعدد المسارات بشأن كيفية مواجهة الماضي: حوار أفقي بين المكونات الاجتماعية التي فقدت الثقة ببعضها بسبب الإبادة الجماعية، وحوار عمودي بين هذه المكونات والسلطة التي فشلت في حمايتها من الإبادة الجماعية من جانب آخر. وتربط نخب بين فقدان الثقة الشامل هذا، على مستوى أفقي وعمودي، بالإنكار، أو بعبارة أخرى بعدم الاعتراف بما حدث للإيزيديين والاعتذار عنه، والإخفاق في تحقيق عناصر العدالة الانتقالية المطلوبة. وهو ما يشكل -من وجهة نظري- نقطة شروع بحوار وطني حول عناصر العدالة الانتقالية التي ينبغي معالجتها، والتي يمكن تصنيفها على النحو التالي:


العدالة الجنائية

كان المجتمع الإيزيدي يتطلع إلى ملاحقة المسؤولين عن الإبادة الجماعية ومحاكمتهم علناً في محكمة وطنية أو دولية أو مختلطة. مع ذلك، برزت عوائق قانونية وإجرائية كبيرة حالت دون ذلك، إذ يقصر القانون المحلي العراقي الاتهامات على أعمال الإرهاب راهناً، الأمر الذي يقوض جهود المساءلة الأوسع. بالإضافة إلى ذلك، يفتقر تنفيذ الحكومة العراقية لهذه العمليات إلى الشفافية والكفاءة والتوقيت اللازم لتحقيق العدالة للناجين، مع استبعاد المقاربة التي تقوم على إشراك الضحايا والناجين في تحقيق العدالة الجنائية من خلال مواجهة الضحايا للجناة في جلسات علنية. الأمر الذي قد يعزز الإفلات من العقاب لبعض مرتكبي الجرائم، وكبح مشاركة المجتمع المدني بطرق شتى.
لهذا، يمكن تفهُّم بروز مطالبات إيزيدية بإنشاء محكمة دولية متخصصة بجرائم داعش وتفضيل خيار تدويل القضية الإيزيدية. من جهة ثانية، فإن التقلبات السياسية الداخلية في البلاد وعدم الاستقرار قد تؤدي إلى سياسات ينتج عنها مساواة الجناة بالضحايا أو معادلة الضحية بالجلاد، كما حصل في مناقشة البرلمان الاتحادي قانوناً للعفو العام في تموز/يوليو 2024، مما فجّر اعتراضات واسعة من المجتمع الإيزيدي خوفاً من فكرة أنه سيشمل مرتكبي الإبادة الجماعية.


العدالة التعويضية

كان صدور قانون الناجيات الإيزيديات في 1 آذار/مارس 2021، الذي يعترف بالجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش ضد الإيزيديين وأقليات أخرى، ويقر بنمط من التعويض للضحايا، خطوة مهمة في هذا السياق. لكن وضع الفكرة في سياق يضمن تعويض المجتمع وليس الأفراد فحسب، يحقق ربط التعويضات للضحايا مع الاعتراف العلني بحقِّ أفراد المجتمع جميعاً في الحصول على الإنصاف والاحترام من خلال شكل من أشكال الاستقلال الإداري يحرِّرهم من الصراع الكردي العربيّ على أراضيهم وهويّتهم. لذلك، فإن تحويل قضاء سنجار إلى محافظة مستقلّة، تحظى بميزانية ودعم ضمن عراق موحَّد، يدخل في سياق تعويض المجتمع ككل.


العدالة الوقائية

ما يزال تفجُّر نوبات الكراهية بين آونة وأخرى يُثير ذعر المجتمع الإيزيدي من فكرة تكرار تجربة الإبادة الجماعية. وهناك عدد من الأمثلة المقلقة التي تصاعدت فيها خطابات الكراهية ضد الإيزيديين في الأعوام الماضية، وعلى نحو تم فيه اجترار فكرة نمطية سائدة عنهم: إنهم كفرة يعبدون الشيطان. وهي فكرة استند إليها تنظيم داعش بالأصل في القتل الجماعي الذي مارسه ضد هذه الأقلية المضطهدة.


جميع حالات الكراهية التي يتم فيها استخدام هذه الصور النمطية لشحن خطابات الكراهية بانفعالات دينية تكشف عن إخفاق في تغيير هذه الصور الخاطئة في وسائل الإعلام، وعدم تصدي وزارة التربية لدورها في التعريف بمعتقدات وثقافة المجتمع الإيزيدي على نحو يكفل تغيير الصور الخاطئة عنهم ويحقق مناعة مجتمعية تجاه مغذيات هذه الخطابات.


العدالة التصالحية

يؤدي القصور في مقاربة العدالة الانتقالية على نحو منهجي وحازم، إلى حساسيات عميقة اتجاه السياسات التي تتضمن إغفالاً لبعض عناصرها. ويفسر ذلك الحساسية التي يُبديها أفراد المجتمع الإيزيدي من مصطلحات ومفاهيم: المصالحة، التعايش السلمي، التسامح. ورفضهم لأي جلسات مصالحة من دون معالجة مخاوفهم المتعلقة بالعدالة الجنائية (محاسبة الجناة)، والعدالة التعويضية (التعويض العادل والكريم للمجتمع وليس أفراده فحسب)، والعدالة الوقائية (حمايتهم من خطابات الكراهية ومن حدوث الإبادة الجماعية المقبلة).


لذا ثار الإيزيديون عندما تداولت وسائل الإعلام خبر توقيع وثيقة "الوئام الاجتماعي" في 30 شهر مارس/آذار 2024، بين أطراف قبلية ودينية عربية وإسلامية وإيزيدية والتي تهدف، بحسب القائمين عليها، إلى ترسيخ السلام والتعايش بين المجتمعين الإيزيدي والعربي. وركز الرافضون للوثيقة على أنها تمثل "التفافاً لمنع تقديم الجناة ومن تلطخت أيديهم بدماء الإيزيديين إلى القضاء لنيل جزائهم وليأخذ المجتمع الإيزيدي حقه بذلك". مع أن الوثيقة من وجهة نظر القائمين عليها تمثل دعماً حقيقياً للمنطقة، وتحتوي على مشروع متكامل قُدّم إلى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني يشمل خدمات المناطق المحرومة في غرب نينوى، وخصوصاً أقضية تلعفر وسنجار والبعاج.


نحن بحاجة إلى حوار وطني شامل حول المقاربة الأمثل للعدالة التصالحية، والتي لا تأخذ بمنهج الدولة فحسب، بل تكون نتاج تشاور واسع مع المجتمع من شأنه معالجة الأسباب العميقة للصراع، فما تعرض له الإيزيديون كان بفعل عوامل متراكمة، وأفكار نمطية تم غرسها في الوعي الجمعي خلال عقود طويلة. وأن عدم توفر إرادة سياسية لتغيير مناهج التعليم على نحو يدعم فكرة إعادة بناء الثقة بين مكونات المجتمع والتعريف بالأقليات الدينية على نحو كافٍ يقف حجر عثرة أمام الاستقرار على المدى الطويل.


د. سعد سلوم


احدث المنشورات
Oct 10, 2024
منطقة مشتعلة - العدد ١٤
Oct 09, 2024
منطقة مشتعلة - العدد ١٣
منشورات ذات صلة
Jan 23, 2023
مرصد الفضاء المدني - العراق: التقرير الوطني لراصد الفضاء المدني
Feb 27, 2023
"الاختفاء القسري" - نموذج لرفاهية ان تنشط بيئياً في بلد يحكمه السلاح