مرصد الفضاء المدني
التقارير الوطنية حول الفضاء المدني لعام 2022
مرصد الفضاء المدني - العراق: التقرير الوطني لراصد الفضاء المدني
تشرين الثاني/ نوفمبر 2022
المقدمة - الرجاء الضغط هنا لتحميل التقرير.
كان إجراء انتخابات مجلس النواب المُبكرة في العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر 2021 الحدث المحوَري في العراق، وكان من المؤمل به أن تكون بدايةً للخروج من الواقع السياسي السيئ والانتقال الى أسلوب حكم قائم على أساس الأغلبية السياسية وفقاً لما أعلنت عنه أغلب الأحزاب السياسية في دعايتها الانتخابية، إلّا أن هذا لم يحصل واقعاً وإنما عبّرت نتائج الانتخابات عن انقسامات مُجتمعية ازدادت حدّتها بشكلٍ كبير وقد تنذر بتدهور الوضع القائم الى مُدُيّات لا يُحمد عقباها.
أزمة الواقع السياسي
هذه الانتخابات كانت نتاج الاحتجاجات الشعبية في نهاية العام 2019 (حركة تشرين)، التي دفعت حكومة السيد عادل عبد المهدي للاستقالة في حينها، فكانت الدعوة لإجراء الانتخابات قبل الموعد المحدّد لها، وجرت في ظل قانون انتخاباتٍ جديد اعتمد نظام الصوت الواحد غير المتحوّل والدوائر الانتخابية المتوسطة الحجم بدلاً من التمثيل النسبي والدوائر الكبيرة، وأسفرت عن فوز كتلة التيّار الصدري التي يتزعمها السيّد مقتدى الصدر بأكبر عددٍ من المقاعد داخل المجلس بواقع (73) مقعداً نيابياً، مما دعاه الى طرح رغبته في تشكيل حكومة أغلبية نيابية تضمّ الى جانبه تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني، وتستبعد مشاركة بعض الأحزاب التقليدية. غير أن تنظيمات سياسية لها وزنها العددي داخل مجلس النواب كانت تقف بالضد من فكرة الخروج عن التوافقية السياسية، لذا طرحت فكرة وجوب تمثيل المكوّنات الاجتماعية كافةً داخل الحكومة، واعتبرت أنّ تيّار الصدر لا يملك تمثيل المكوّن الشيعي منفرداً، وأن وجود تأثيرٍ قوّي للمحيط الإقليمي بالدرجة الأولى، بالإضافة الى البُعد الدولي وارتباطات الأحزاب الموجودة في المشهد السياسي لهذا المحيط وتبنّيها التعبير عن مصالحه بشكلٍ أو بآخر، أدّى الى ظهور حالةٍ من الانسداد السياسي بعدم تمكّن التيّار الصدري أو (الإطار التنسيقي/ تكتّل أحزاب إسلامية شيعية) من الائتلاف مع عددٍ كافٍ من الأحزاب (الكردية والسنّية) للوصول لأغلبية مريحة تسمح بعقد جلسة انتخاب الرئيس. هذا الأمر دفع أحزاب الإطار التنسيقي الى العمل على إفشال مشروع حكومة الأغلبية من خلال الامتناع عن حضور جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، بالاعتماد على تفسير المحكمة الاتّحادية العليا الذي اشترط حضور ثلثي أعضاء مجلس النواب للجلسة، حيث كان الاشتراط الأساسيّ لهذه الأحزاب قبل دخول أي جلسة، هو الاتفاق على أن تكون عملية اختيار رئيس الوزراء بالشراكة بينهم وبين التيّار الصدري الذي يتقفّى اشتراطاته في التحالف على مرتكزين أساسيّين: استبعاد الجزء الأقوى في الإطار والأقرب الى إيران المتمثّل (بإتلاف دولة القانون وعصائب أهل الحقّ)، مع الإبقاء على الكاظمي على رأس الوزارة. هذه الاشتراطات تُسهم في إضعاف الإطار بما يمهّد بانفراد التيّار الصدري على الساحة الشيعية، وتطبيق الفكرة عينها في الساحتين الكردية والسنية من خلال خلق إنشطار طولي يضمن انفراد جهة واحدة في تمثيل هذه المكوّنات الاجتماعية دون غيرها. هذه الفكرة لاقت قبولاً في الإطار الإقليمي (العربي) والدولي (الولايات المتحدة)، كونها تُسهم في إضعاف الأحزاب التي تمتلك أجنحةً مسلّحة والقريبة من النفوذ الإيراني، وكذلك تعزّز من الموقف الدوليّ في تعامله مع نظام الحكم في إيران التي تسعى للإبقاء على المعادلة القديمة في مشاركة الجميع في الحكومة دون استبعاد أي طرف عدا الأحزاب التي تشكّلت بعد أحداث تشرين. فالتوافق الدوليّ والإقليمي على تشكيل الحكومة سيُسهم في حلّ الانسداد، وقد يكون لجوء التيّار الصدري الى الأسلوب العُنفي بعد اقتحام مجلس النواب والقصر الجمهوري ومحاصرة السلطة القضائية من قبل أنصاره ودخول جزء من جناحه العسكري في مواجهة غير مدروسة مع أجنحة أحزاب الإطار العسكرية، أحد أسباب التعجيل بهذا التوافق، خصوصاً وأن خروج الصدر من العملية السياسية وإجبار أتباعه على الاستقالة من مجلس النواب، كانا بمثابة سوء تقديرٍ سياسيٍ خطير من شأنه أن يصب في مصلحة خصومه لتشكيل الحكومة المقبلة، إذ أدى ذلك الى حسم موضوع انتخاب رئيس الجمهورية وتكليف مرشّح الإطار التنسيقي بتشكيل الحكومة، بعد زيادة عدد مقاعد الإطار التنسيقي الى 130 مقعداً داخل مجلس النواب نتيجة لاستقالة أنصار الصدر. فكان التعجيل في تشكيل الحكومة واستبعاد أيّ خيار عسكري لحل الانسداد السياسي كونه سيؤدي الى حربٍ أهلية لن تقتصر مُدُياتها على الحدود العراقية، وإنما ستشمل ما هو أبعد من ذلك خصوصاً وإن الأذرع العسكرية لإيران موجودة في أكثر من مكان في المنطقة. فإذا كان هناك توافق في إنتاج الحكومة للولايات المتّحدة شأن فيه، فإن الصدر بانسحابه من العملية السياسية ساهم في التعجيل بهذا التوافق.
وإذا كان قد أريد من هذه الانتخابات المُبكرة الخروج من أزمة سياسية، إلّا أنها أفرزت انسداداً سياسياً سيكون حلّه في أفضل الأحوال العودة الى نظام المحاصصة في تقاسم مغانم السلطة، مع دعوات أخرى لإجراء انتخابات مُبكرة جديدة.
الرجاء الضغط هنا لتحميل التقرير.