Nov 06, 2024
إلى أين تتجه أجندة المرأة والسلام والأمن في المنطقة؟ - منار زعيتر
منار زعيتر
الرجاء الضغط هنا لنبذة والمنشورات
منار زعيتر

 أجندة المرأة والسلام والأمن: بين الفاعلية والإخفاق - منار زعيتر



إلى أين تتجه أجندة المرأة والسلام والأمن في المنطقة؟


في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2000، مهّد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1325 الطريق لتطوير ما بات يُعرف بأجندة المرأة والسلام والأمن.



لأكثر من عقدين، وُصفت الأجندة بأنها ناجحة على المستويين الدولي والوطني، وحقَّق القرار 1325، وما تلاه من قرارات، تغيراً كبيراً في الخطاب العالمي، وأعاد النقاش في شأن الأدوار المختلفة التي يتولاها الرجال والنساء قبل الصراع وخلاله وبعده. ففي حين كانت خلفية الاعتراف بالمساواة بين الجنسين تعترف بالنساء كضحايا، أصبح يُعترف بهنَّ كعوامل فاعلة من أجل السلام والأمن. ولهذه القرارات أهميتها بوصفها ملزمةً للدول، عملا بالمادة 24 من ميثاق الأمم المتحدة، ولكون القرار 1325 الاعتراف الدولي الأوّل بأهمية المرأة في خطاب السلام والأمن، والأداة السياسية والتشغيلية الأولى التي غيرَّت المفهوم الأمني ​​وأعادت صوغ مسألة حقوق المرأة في سياق النزاعات وما يليها.



برغم أهمية هذه الأجندة الدولية، وبرغم الأدلة الداعمة للقوة التحويلية لها، فإن ما تعيشه المنطقة العربية من حروب وأزمات منذ سنوات، وما تعيشه فلسطين اليوم من انتهاك فاضح لكل حقوق الانسان، يستدعي من الحركة النسوية في المنطقة العربية التفكير المعمق والنظر في مقاربة مختلفة للأجندة. مقاربة قائمة على التمسك بمنظومة حقوق النساء الدولية بما هي منظومة القيم والمعايير التي يجب ان تشكل إطار موجها وملزما، بالتوازي مع بدء النقاش والتفكير الإقليمي لهذه المنظومة بغاية تطويرها وإعادة الفعالية لها، في ضوء العديد من الفجوات التي تعتريها، وتحدّ من فاعليتها.


بدايةً، يُقِر القرار 1325 بمشاركة المرأة في بناء السلام وتسوية النزاعات، لكنه يُسكِت الانتقادات النسوية للنزعة العسكرية الهيكلية ويفشل في الاعتراف بالصلات المعقدة بين السلام والمساواة بين الجنسين. فهو لا يدين النزاع نفسه، بل جوانبَ معينة منه. ويترك هياكل الحرب وأنظمتها. لذلك، إن التركيز على إعادة تشكيل الذكورة والأنوثة كاستراتيجية لمقاومة العسكرة أمر ضروري لإعادة الأجندة إلى ما يمكن اعتباره غرضها "الأصلي" المتمثل في منع الحرب. وتساعد هذه المقاربة في إعادة التأكيد على حدود سياسات المرأة والسلام والأمن بوصفها أجندة سياسية ووسيلة لتحقيق هدف نسوي مناهض للنزعة العسكرية. لقد طغت الرؤية الليبرالية للمرأة والسلام والأمن باعتبارها تركز على إضافة النساء إلى الهياكل العسكرية بدلاً من تغيير كيفية فهم الأمن الدولي والسعي لتحقيقه، وعلى "جعل الحرب آمنة للنساء" بدلاً من منعها. وبذلك، تتعارض فكرة النهوض بالمرأة في سياقات شديدة العسكرة مع النقد النسوي المناهض للعسكرة، والذي بدأ حين اجتمعت نساء نصيرات للسلام من شتى أنحاء العالم في المؤتمر الدولي للمرأة في لاهاي في 28 أبريل/نيسان 1915. وبهذا المعنى، يمكن التشكيك في السياق المؤسسي للأجندة، إذ تظهر وكأنها لا تحاول منع الحروب أو التشكيك في شرعيتها، بل تسعى إلى جعل الحروب مساحة أكثر أماناً للنساء وحمايتهن في هذه السياقات. بالتوازي، يبدو واضحاً بعض النمطية الضمنية في القرار 1325، وهو الافتراض بأن زيادة إدراج المرأة سيؤدي إلى تحوّل في كيفية معاملتهنَّ في مناطق الحرب. وهو ما يؤكد القوالب النمطية الجنسانية التي تضع النساء كصانعات سلام. من هنا، تبدو أهمية بلورة الحركة النسوية في منطقتنا موقفها من الحروب وآلة القتل التي تفتك ببلادنا، من منطلقات سياسية وطنية. موقف يرفض الحروب والنزاعات بوصفها أدوات تثبيت الأنظمة ووأد حق الشعوب في تقرير مصيرها والتعبير عن خياراتها. موقف لديه فهم واضح لمسار الصراع في المنطقة.



ثانياً، أخفق القرار 1325 في معالجة الأسباب الهيكلية لعدم المساواة التي تجعل المرأة أكثر الضحايا في مناطق الحروب. فقد أدرجت المرأة في تدابير السلام والأمن كمسألة منفصلة عن قضية عدم المساواة بين الجنسين. إن مخاطبة النساء والفتيات في شأن مصالحهن الاستراتيجية أكثر من ضروري، ولكنه يتطلب معالجة أوسع لعدم المساواة الهيكلية، التي تتفاقم إبّان الحروب وتمنع وصول النساء إلى الحقوق الأساسية. القرار، بهذا المعنى، يشير بشكل صريح إلى النساء، ويترك جانباً هياكل السلطة القائمة التي تتخذ أشكالاً أكثر حدةً خلال النزاعات، ولا يتطرق إلى الأسباب البنيوية التي تُقصي النساء ولا تساعد في حمايتهن. لذلك هو لا يتطرق إلى قضايا بنيوية، كالفقر أو الثقافة، كمكونات حاسمة في مقاربة قضايا النساء. وقد مهدت هذه المقاربة لإزالة الطابع السياسي عن الأجندة، إذ درج التعامل مع أجندة المرأة والسلام والأمن باعتبارها منفصلة عن المشاريع التحررية الأوسع نطاقاً، مما يجعلها أداة لإعادة الإنتاج الأبوي للعلاقات بين الجنسين فحسب، وليست أداة تحررية وسياسية.


ثالثاً، يفتقر القرار 1325 إلى آليات إنفاذ تسهم في فعاليته. إن القيود المفروضة على القرارات الدولية بشكل عام وعدم إنشاء آليات إنفاذ صريحة، تجعل القرارات تعمل كمجموعة من المبادئ التوجيهية فحسب. لا ينصّ القرار على أي إشارات في شأن آليات المساءلة أو التنفيذ لتقدمها، وأي معايير أو أهداف لقياس التقدم الذي تحرزه. لذلك، يجري الحديث وبقوة في أروقة الأمم المتحدة عن تعزيز مجالات التآزر على المستوى الموضوعي والإجرائي بين القرار وباقي ولايات حقوق المرأة. الإشكالية الأكبر في الوقت الراهن هو قدرة مختلف أجهزة الأمم المتحدة وآليّاتها في تحقيق السلام في ظل فقدان ثقة الشعوب بها.


الفجوة الرابعة تتعلق بتوطين الأجندة. لقد كشف أكثر من عقدين من تاريخ الأجندة كيف أن إطارها التنظيمي لا يتكيف مع السياقات المحلية، مما يدل على انعكاس ملامح السياق الذي تنبثق منه، وهو سياق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. هنا، يمكن الحديث عن تضمين الأجندة مفاهيم استعمارية. إن خطط العمل الوطنية لبلدان الجنوب العالمي ليست بالضرورة محلية في مجملها، وذلك بسبب تأثير المنظمات من بلدان الشمال العالمي أو المنظمات الدولية في عملية تطويرها، مما يحوّل جدول أعمال المرأة والسلام والأمن إلى خطة عمل لإدامة الهيمنة من الشمال على الجنوب. ولم تنجح معظم مقاربات التوطين التي تم الترويج لها. ومن الأمثلة على ذلك التسلسلات الهرمية للمعرفة التي يتم إتاجها من جانب مؤسسات تقع داخل الشمال العالمي "الآمن"، وتحاول تأطير العمل في الجنوب العالمي "غير الآمن". وهذا أمرٌ مرتبط بشكل مباشر بديناميّات القوة بين الشمال والجنوب. ما يدعو إلى التفكير في ارتباط الحركة النسوية بسياقها الخاص، بدلاً من تكرار خطاب المنظمات والوكالات الدولية وأجندتها. للأسف، تنعكس الصور النمطية للشرق، التي صنعها الاستعمار، في مناهج عمل العديد من التدخلات الدولية وفى برامجها التي تعاد إلى منظمات المنطقة العربية لتكريسها والتي تتغير ملامحها عقداً بعد آخر ارتباطا بتطور الرؤى الغربية من دون استكشاف إذا ما كانت تلك الرؤى قابلة للتبني والتطبيق في الأرض العربية. ففي العقود الماضية، وفى ظل التمويل المحلى الهزيل أو المنعدم في الدول العربية واعتماد المنظمات النسوية على مؤسسات التمويل الخارجي تراجع العمل النسوي المناهض للهيمنة والأبوية والرأسمالية، وتتبنى معظم المنظمات المحلية- وليس جميعها- هذا النمط وتعيد طواعية إنتاج تلك الرؤى وتعكسها في علاقاتها مع المجتمعات المحلية التي لم ما زال معظمها يتحفّظ على تلك الخطابات، سواء أكان من طريق التجاهل أم النقد المباشر أم التمسك بالقيم التي تميّز بين الجنسين.


أخيراً، ساهمت الأجندة بشكل أو بآخر في تكريس "نسوية الدولة"، مع استحواذ أنظمة غير ديمقراطية على مشروع حقوق النساء ومبادرة الآليات الوطنية المعنية بشؤون المرأة إلى تطوير "الخطط الوطنية الخاصة بالقرار 1325". فبرغم من أهمية هذه الخطط، روضت بشكل أو بآخر الخطاب النسوي الخاص بقضايا المرأة والسلام والأمن. ما ساهم على المدى الاستراتيجي في إفراغ العمل في المنطقة على الأجندة وممن خلفها العمل على مختلف القضايا النسوية من البعد السياسي المطلوب.


في الخلاصة، بين اعتبار أجندة المرأة والسلام والأمن أدوات لا غنى عنها في مجال السلام والأمن، وبين قراءتها بوصفها جزءاً من النظام السياسي والاقتصادي العالمي النيو ليبرالي الحالي، هناك العديد من مجالات التفكير والبحث، وكثير من العمل الذي يقتضي بالحركة النسوية في المنطقة العربية بدء العمل عليه، بغاية تكييف الأجندة من ضمن مشروع نسوي سياسي تحويلي.


دون ذلك تحديات بلا شك. إذ كيف يمكننا على سبيل المثال، العمل من ضمن الاجندات الدولية لحقوق النساء في ظل العجز الدولي عن محاسبة إسرائيل عن كل جرائمها؟ وكيف علينا ان نثق مجددا بعديد النسويات العاملات على قضايا السلام والأمن في العالم في ظل مواقفهن تجاه ما يحدث في فلسطين؟ وكيف يمكن الثقة بالسياسة الخارجية لبعض الجهات المانحة التي تتحدث عن تحرير المرأة الفلسطينية من "العنف والتمييز" من دون الحديث عن حقها في أرض تعيش عليها؟ في العام 2024، تتكرر دورة التاريخ القاتمة. وها هي شرائح واسعة من النسوية الغربية الليبرالية تتبنى مواقف لا تندّد بجريمة الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني. وفيما يذكّر هذا بمواقف نسوية غربيّة من أزمات النساء في العراق وأفغانستان وليبيا وسوريا واليمن وغيرها، يبدو واضحاً الرابط بينها وبين السردية النسوية القائلة إن "النساء في هذه المنطقة يحتجن إلى التحرر والإنقاذ من الاضطهاد الذكوري ومن القوى الدينية المتشددة"، والتي تتجاهل الأسباب البنيوية لواقع النساء. وهكذا، تُختزل محنة النساء الفلسطينيات، على سبيل المثال، بعنف "الرجل الفلسطيني" أو "الأبوية العربية" أو "الأصولية الدينية"، ويُغفَل الاحتلال وغياب السلام والأمن. كأننا إزاء مواقف نسوية قائمة على ازدواجية المعايير والرغبة بمنع النساء في الجنوب من التعاطي والتفاعل مع هوياتهن ووجودهن وحقوقهن بالمشاركة في تقرير مصير بلدانهن. 


منار زعيتر

احدث المنشورات
Dec 03, 2024
الديون السيادية في المنطقة العربية: بين استدامتها وعدالة السياسات الضريبية - أحمد محمد عوض
Dec 02, 2024
فشل الكوب 29 في حشد التمويل كما في الحشد الدولي لانقاذ المناخ - حبيب معلوف