Dec 01, 2025
هل يُعتبر إعلان الدوحة في القمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية إعلانًا استثنائيًا؟ - ميريم جاب الله

هل يُعتبر إعلان الدوحة في القمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية إعلانًا استثنائيًا؟ - ميريم جاب الله


يأتي إعلان الدوحة الصادر عن القمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية في سياق عالمي مضطرب، تتداخل فيه الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وقد كانت التوقعات بشأنه منخفضة، خصوصًا بعد الحروب المتوحشة التي ضربت أسس القانون الدولي، وبعد فشل مؤتمر إشبيلية الأخير وفق تقييم منظمات المجتمع المدني. هذا الواقع جعل السؤال مُلحًّا: هل سيكون الإعلان خطوة متقدمة، أم حلقة إضافية في سلسلة الوعود غير المنجزة؟


في افتتاح القمة، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنّ “إعلان الدوحة السياسي هو دفعة قوية للتنمية، وهو في جوهره خطة من أجل الإنسان”. وشدّد على ضرورة تسريع الجهود لمكافحة الفقر وعدم المساواة، وتعزيز أنظمة الحماية الاجتماعية الشاملة، وعلى أن يكون الإعلان وسيلة لتوحيد الناس بدل تفريقهم — بمن فيهم النساء، والأقليات، والمهاجرون، واللاجئون، وكبار السن، والشعوب الأصلية، وذوو الإعاقة، والشباب. كما دعا إلى إصلاح الهيكل المالي العالمي، وإلى وضع خطة تنفيذية واضحة وممولة بما يكفي، انسجامًا مع التزامات القادة في مؤتمر إشبيلية فيما يتعلق بزيادة التمويل التنموي.


ويبرز من خطاب الأمين العام أنّ جوهر الإعلان هو الإنسان، وهو ما تؤكده بنوده التي تُعيد التشديد على "جميع حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في التنمية، بوصفها حقوقًا عالمية وغير قابلة للتجزئة ومترابطة ومتشابكة". كما يعطي الإعلان مكانة مركزية للفئات الهشّة: الأطفال، كبار السن، الأشخاص ذوي الإعاقة، إضافة إلى قضايا المناخ، والتكنولوجيا، والعمل اللائق.


وتضمّن الإعلان نصوصًا واضحة حول دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في سياسات التنمية:
"ضمان أن سياسات وبرامج التنمية الاجتماعية تدمج الأشخاص ذوي الإعاقة باعتبارهم وكلاء للتنمية ومستفيدين منها، وتضمن وصولهم على قدم المساواة إلى الأرضيات الوطنية للحماية الاجتماعية وشبكات الأمان."


كما التزم الإعلان التزامًا تامًا بأجندة التنمية المستدامة، وإعلان كوبنهاغن 1995، وخطة عمل أديس أبابا، وتوافق إشبيلية، مما جعله يبدو كإطار جامع يتبنّى ما سبق ويعد بتنفيذ أكثر فعالية. وهنا يطرح السؤال نفسه: هل يشكّل هذا ما يُمكن اعتباره استثناءً؟

قد يكون إعلان الدوحة استثنائيًا إذا تُرجمت معاييره ومبادئه إلى سياسات واضحة وملموسة تُحدث أثرًا فعليًا. فالإعلان يؤكد:
"نكرر التزامنا بالتنفيذ الكامل لأجندة التنمية الاجتماعية، من خلال تعزيز إطار التعاون الدولي والإقليمي وفق إعلان كوبنهاغن وبرنامج العمل ومتابعة الإعلان السياسي للقمة الاجتماعية العالمية."

وعليه، تصبح المراجعة الجدية للخطط السابقة ضرورة ملحّة، مع تطوير أدوات الرصد والقياس والمتابعة، وتعزيز آليات المساءلة. فإذا تم تحديد التزامات ملموسة للحكومات، وتوضيح كيفية تقييم مدى التزامها، عندها فقط يمكن الحديث عن إعلان استثنائي.

لكن تبقى المعضلة الأساسية:


هل تكفي خطة تنفيذية جيدة لتحقيق أهداف الإعلان، من دون مراجعة حقيقية للمنظومة الاقتصادية العالمية التي تتعارض في جوهرها مع طموحات العدالة الاجتماعية؟
وكيف يمكن تحقيق تنمية اجتماعية شاملة، في ظل نظام اقتصادي يكرّس الفوارق ويعيق السياسات الاجتماعية الطموحة؟


كما يبرز سؤال آخر:
هل يمكن اعتبار إعلان الدوحة إعلانًا استثنائيًا من دون تغييرات فعلية في السياسات البنيوية الاقتصادية والسياسية عالميًا؟

رغم الخطاب الاحتفالي الذي شهدته قمم كوبنهاغن وإشبيلية والدوحة، ورغم استمرار خطاب "التنمية من أجل الإنسان"، يبقى الأمل بالتغيير قائمًا، ويبقى الرهان على الإرادة السياسية والقدرة على تحويل الوعود إلى واقع.


وكما قال الأمين العام للأمم المتحدة:
"لقد فتحنا الباب، وعلينا الآن جميعًا عبوره. فالأمر لا يتعلق بسماع بعضنا البعض فحسب، بل بالتحرك."



احدث المنشورات
Dec 01, 2025
الشبكة في مؤتمر القمة العالمي الثاني للتنمية الاجتماعية: تقدم مُحرَز، والتزامات غائبة – زهرة بزّي
Nov 30, 2025
هل تجاوز المناخ حدوده؟ لماذا سمعتُ صوت الأرض أعلى صوتًا؟ هالة مراد