في الطريق الى الكوب 29 في باكو: ما هو المنتظر غير المزيد من الكوارث المناخية؟
في الطريق الى الكوب 29 في باكو:
ما هو المنتظر غير المزيد من الكوارث
المناخية؟
ينعقد مؤتمر الأطراف (الكوب 29) على وقع الحروب من جهة وعلى وقع الفيضانات الكارثية وغير الاعتيادية من جهة، لم يكن آخرها تلك الفيضانات التي ضربت أوروبا وخصوصا في اسبانيا. تماما كما كان يحصل في السنوات الماضية.
لقد بات مؤكدا أن كل تلك الفيضانات بسبب زيادة حرارة الأرض التي تزيد من حرارة مياه المتوسط وزيادة التبخر. فكلما ارتفعت درجة حرارة الغلاف الجوي، كلما زادت قدرته على الاحتفاظ بالرطوبة. وهذا يعني فترات جفاف أطول وزيادة الحرائق وهطول أمطار أكثر كثافة وفيضانات. ففي إسبانيا، هطلت أمطار تعادل عاماً كاملاً في أقل من نصف يوم. صحيح أن الأحداث من هذا النوع، كانت تحدث في السابق، ولكن على فترات متباعدة لعدة عقود، وقد أصبحت الآن أكثر تواترا وقدرتها التدميرية أكبر.
لا أحد اليوم يستطيع أن يتذرع بأنه لم يتم تحذيره وانه لم يكن يتوقع. التقارير الدولية للهيئة الحكومية الـ 6 ذات الصلة التي تناولت موضوع تغير المناخ خلال أكثر من ربع قرن (بمعدل تقرير كل خمس سنوات) كانت واضحة والعالم وعلماؤه وحكامه يعرفون وقد أقروا اول اتفاقية دولية لمكافحة تغير المناخ منذ العام 1992. ومنذ ذلك العام كل سنة هناك ارقام قياسية جديدة في ارتفاع درجات حرارة الارض وزيادة في الكوارث وفي حدتها! عقد حتى الآن 28 قمة مناخية، والفجوة بين التعهدات وزيادة حرارة الارض لا تزال تكبر بدل أن ترمم.
بالرغم من كل ذلك، ما الذي يجب رصده وما المتوقع من الكوب 29 هذا العام؟
بالطبع يعتبر موضوع التمويل مركزياً واشكالياً في مفاوضات هذا العام... خصوصا أن موضوع تمويل المرحلة الثانية ما بعد 2025 سيكون صعبا ومحكوما بانهيار الثقة بين البلدان النامية وتلك المتقدمة التي لم تف بوعودها بضخ مئة مليار دولار سنويا ابتداء من العام 2020. لاسيما أن أكلاف الخسائر والاضرار المتوقعة أكبر بثلاثة أضعاف من التقديرات السابقة.
كان كوب دبي العام الماضي قد خرج بإعلان "الذهاب بعيدا عن الوقود الأحفوري"، في حين لم يصدّق أحد هذا التعهد الغامض، وعلى الكوب 29، اذا أراد أن يحرز بعض التقدم، أن يحدد الآليات لتطبيق ذلك مع إجراءات ومواعيد محددة. ولكن يبقى السؤال: اين سيظهر ذلك؟ في برامج التخفيف؟ ام في ما سمي "المساهمات المحددة وطنيا"؟ لقد سبق للدول التي اعتبرت "متقدمة" أنها لم تحترم تعهداتها لاسيما في بروتوكول كيوتو العام 1979 الذي كان ملزما. فكيف ستكون الحال مع مساهمات غير ملزمة؟!
ماذا سيفعل مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين بالنسبة للخسائر والأضرار؟
يفترض أن تشكل باكو محطة كبيرة على هذه الجبهة. شكل هذا الموضوع الانتصار شبه الوحيد في القمتين الماضيتين للبلدان النامية. ويفترض في باكو، أن تستعرض الأطراف "آلية وارسو الدولية" بشأن الخسائر والأضرار، والتي ساهمت حقًا في تعزيز فهمنا العام لماهية الخسائر والأضرار والطرق المختلفة التي يمكن أن تتجسد بها. كما يفترض أن يتم تقديم إرشادات بشأن التشغيل المبكر لـ "شبكة سانتياغو"، التي تهدف إلى تحفيز المساعدة الفنية بشأن الخسائر والأضرار. بالإضافة الى تقديم رؤية حول كيفية إنشاء وتشغيل صندوق الخسائر والأضرار الجديد. كما يفترض مناقشة التقرير الأول للصندوق، والنظر في التقدم المحرز حوله، ووضع معايير الأهلية ومعايير من يجب أن يدفع وعن كيفية توجيه الأموال ولمن. والمهم أن لا يصبح صندوق الخسائر والأضرار صندوقًا قائمًا على المشاريع حيث يستغرق الوصول إلى التمويل وقتًا طويلاً … في حين أن طبيعة الكوارث تتطلب تقديم الدعم السريع للدول المتضررة من الخسائر والأضرار.
فضلا عن كون قائمة البنود على جدول الأعمال التي يجب الانتباه إليها كبيرة. يعلق البعض آمالاً كبيرة على المادة 6 المتعلقة بتطور اسواق الكربون بالرغم من ان المفاوضات حول هذا الموضوع مستمرة منذ فترة طويلة دون جدوى.
ستجري الأطراف أيضًا مناقشات حول الهدف العالمي للتكيف، مع الاستفادة من عمل الخبراء الذين بدأوا في تطوير مؤشرات لقياس التقدم نحو الهدف العالمي للتكيف. بالإضافة الى الكثير من القضايا الأخرى المتعلقة بالزراعة والنوع الاجتماعي. وهناك أيضا عناوين مستجدة عن ما بات يسمى "الانتقال العادل"، وهي العبارة الجديدة الأكثر جاذبية لتسويق تكنولوجيا الطاقة المتجددة التي لم تنجح الدول النامية في جعلها حق من حقوقها، كتعويض مستحق من الدول الصناعية الغنية، على طريق تحقيق العدالة المناخية.
ولمعرفة الاتجاهات الدولية ومدى التزام الدول بقضية تغير المناخ، علينا أن نعرف كيف يمكن للانتخابات الأخيرة التي تجري في نصف القرى الارضية (والسياق الجيوسياسي) أن تؤثر على المناقشات… خصوصا الانتخابات الاميركية التي قد تأتي بمن شكك بقضية تغير المناخ وانسحب من اتفاقية باريس، او بمن التزم بالاتفاقية ولم يلتزم بمضامينها، على جاري عادة معظم الدول الكبرى بمسؤوليتها وانبعاثاتها.
السياق الجيوسياسي العالمي الحالي صعب ومتوتر للغاية. الصراعات والحروب في جميع أنحاء العالم تتزايد، ولدينا موجات مختلفة من الانتخابات في بلدان مختلفة أدت إلى ضبط قوي للميزانيات، مما يجعل التعاون المناخي الدولي أكثر صعوبة.
ثم يجب أن تبحث الأمم المتحدة في كيفية ربط مؤتمر الأطراف التاسع والعشرون للمناخ بالمفاوضات الأخرى والأجندة البيئية الأوسع، لاسيما الاتفاقيات الدولية الثلاثة التي ابرمت في الريو العام 1992(المناخ والتنوع البيولوجي والتصحر) والتي تعقد مؤتمراتها للأطراف هذا العام في الاشهر الثلاثة الاخيرة من هذا العام. فالأمر لا يتعلق فقط بمفاوضات تغير المناخ؛ إذ هناك أيضًا مفاوضات التنوع البيولوجي والتصحر.
تعتبر قضايا تغير المناخ والتنوع البيولوجي خصوصا، وجهان لعملة واحدة، وقد أكد الكوب 16 للتنوع البيولوجي الذي عقد مؤخرا في كولومبيا على التلازم بين المسارين في التفاوض وضرورة دمجهما بشكل او باخر. فقضية تخفيض الانبعاثات العالمية يجب أن تكون مصحوبة بحماية النظم الايكولوجية والطبيعية بشكل عام ايضا، اذ تمتص محيطات هذا الكوكب وغاباته نحو نصف الانبعاثات البشرية العالمية إذا حافظنا عليها من جهة وخفضنا الانبعاثات من جهة اخرى.
وعندما نتحدث عن الانتقال من الطاقة الاحفورية (الناضبة اصلا) الى الطاقة المتجددة، فنحن نغفل أن تقنيات هذه الطاقة المتجددة تحتاج الى أتربة نادرة ايضا. كما لا يغفل أثر التنقيب عنها (وانشاء المناجم) على التنوع البيولوجي. فبالأمس القريب على سبيل المثال، وافق الرئيس الاميركي على تصريح فيدرالي لبناء منجم ليثيوم جديد لمشروع في ولاية نيفادا، على الرغم من تعهدات دعاة الحفاظ على البيئة برفع دعوى قضائية بشأن خطة التنقيب، التي يقولون إنها ستؤدي إلى انقراض زهرة برية مهددة بالانقراض بالإضافة الى تهديد زراعة القمح الاسود النادر… كل ذلك بالرغم من تشديد مؤيدي التنقيب أن هذا الأمر سيساعد في تسريع إنتاج معدن رئيسي في تصنيع البطاريات للسيارات الكهربائية ولتخزين الكهرباء المولدة من الألواح الشمسية والمراوح الهوائية التي تساهم في خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. مع توقع أن ينمو الطلب العالمي على الليثيوم ستة أضعاف بحلول عام 2030 مقارنة بعام 2020. مع العلم أن المطلوب اعتماد نموذج حضاري يحتاج لطاقة أقل، قبل البحث في انتقال الطاقة. وان لا بديل عن الوقود الاحفوري غير الطاقة النووية الخطرة إذا ابقينا على هذا النموذج المستهلك لهذه الكمية الضخمة جدا من الطاقة، خصوصا إذا ارادت او استطاعت البلدان النامية أن تستهلك نفس حجم الطاقة المستهلكة في البلدان الصناعية المتقدمة على مستوى الدول او على المستوى الفردي.
كما يفترض ترقب اجتماع مهم لمفاوضات تغير المناخ في لاهاي في ديسمبر حيث تعقد محكمة العدل الدولية جلسة لإصدار فتوى حول التزامات الدول فيما يتعلق بتغير المناخ بناء على طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة العام الماضي. صحيح أن هذه الفتوى لن تكون ملزمة، الا أنها ستكون ارشادية للمحاكم الدولية والوطنية في كيفية التعامل مع الكوارث الآتية.
يغمز البعض من باب عقد المؤتمرات في السنوات الثلاثة الأخيرة في دول تصنف نفطية ومن باب تأثيرات رئاسة هذه المؤتمرات على المباحثات والاجندات والخلاصات وإعداد مسودات البيان النهائي للقمم…الخ الا أن المتابعين المخضرمين لهذه المؤتمرات، يعرفون أن ذلك ليس بجديد، وان تأثيرات الدول الكبرى (والشركات الكبرى) موجودة في كل المفاوضات واينما عقدت. وقد سبق أن استضافت بولندا أكثر من ثلاث دورات تاريخيا تم وصف إحداها العام 2013 التي عقدت في وارسو بـ "قمة الفحم"، نظرا لاعتماد هذا البلد الأوروبي على الفحم الحجري بشكل كبير. ليست بجديدة إذا هذه السيطرة لدول الوقود الأحفوري على المناخ وقممه، كما لا يمكن اعتبار مجرد ذكر "الذهاب بعيدا عن الوقود الأحفوري" في البيان الختامي لقمة العام الماضي في دبي، بداية الخروج من الوقود الأحفوري. فقد تعلمنا من قمم المناخ منذ أكثر من ربع قرن أن الإعلانات شيء والالتزامات شيء آخر تماما.
اخيرا، كان لافتا أمس (قبل انعقاد قمة باكو
المناخية بأسبوع) رشق الناس المتضررين من الفيضانات ملك اسبانيا بالوحول اثناء
قيامه بزيارة للمدينة التي ضربها فيضان كبير بسبب تغير المناخ. فهل تكون الكوارث
المناخية الناجمة عن الانظمة الانسانية والاقتصادية المسيطرة مدخلا الى وعي عالمي
جديد لتغيير ما يسمى النظام العالمي وارهاصاته؟