Mar 03, 2025
سوريا: التحديات والانتقال السياسي - عالية منصور
عالية منصور
كاتبة

الرجاء الضغط هنا لنبذة والمنشورات
عالية منصور

سوريا: التحديات والانتقال السياسي - عالية منصور

 

تبدو كلمة تحديات وكأنها نزهة أمام ما يواجه سوريا اليوم بعد سقوط نظام الأسد الذي استمر بحكم سوريا بالحديد والنار لأكثر من 54 عاماً، وبعد نحو 14 عاماً على الحرب التي شنها بشارالأسد على السوريين بعد انطلاق ثورتهم.

 

وبغض النظر إن أطلقنا على ما يواجه سوريا الجديدة وصف تحديات أو صعاب أو استحقاقات، يبقى أنه هناك الكثير الذي يحتاج إلى جهود استثنائية على الصعيدين الداخلي والخارجي، وبعض هذه المهام يحتاج سنيناً طويلة بينما بعضها الآخر لا ينتظر التأجيل والمماطلة، وسأركز في مقالي هذا على "التحديات" الداخلية.

 

بعد ساعات قليلة من دخول هيئة تحرير الشام والفصائل المعارضة إلى دمشق كثفت اسرائيل من ضرباتها على مواقع عسكرية مختلفة في أرجاء سوريا، ولم تكتفي بانتهاك السيادة السورية بل قامت بتوغل بري واستولت على أراضٍ جديدة في مناطق جنوب سوريا بالقرب من العاصمة دمشق تحت زعم حماية حدودها، وإن كان البعض لا يعطي الاهتمام الكافي لهذا التطور إلا أنه سيكشل عاملاً ضاغطاً اجتماعياً وسياسياً على السلطة الجديدة التي لا تملك القدرة لا على مواجهة التوغل الاسرائيلي عسكرياً ولا على القبول به كأمر واقع، ولن يكون أمامها سوى اتباع أساليب الضغط الديبلوماسية وهي لا تملك الكثير من أدواته اليوم.

 

التحدي الثاني والأخطر هو التحدي الأمني، فالفراغ الأمني الذي نجم عن الانهيار السريع لقوات نظام الأسد وجهاز الشرطة لم يكن بالإمكان ملؤه بالسرعة المطلوبة بالاعتماد على أجهزة الأمن العاملة في إدلب والشمال السوري. كذلك فإن انتشار السلاح مع "الفصائل العسكرية" الموالية للثورة ذات التوجهات المختلفة، كما انتشار السلاح بين عناصر النظام السابق وميليشياته، كلها تجعل من الوضع الأمني هش، صحيح أن تسوية أوضاع عناصر النظام السابق قد بدأت منذ الأيام الأولى لسقوطه وهروب رئيسه بشار الأسد، ولكن من قام ويقوم بهذه التسويات هم عناصر بأغلبهم ليسوا من أصحاب المناصب الرفيعة ولا ممن يعتبرون أن الثورة قد أنهت حالة الاستقواء على المجتمع والدولة ومواردها التي اعتاشوا عليها عشرات السنوات.

 

وكذلك الحال بالنسبة لعملية تشكيل الجيش الجديد، والتي انطلق عملياً ببدء الفصائل بتسليم سلاحها لوزارة الدفاع والتمهيد لانخراط عناصرها وقادتها بهذا الجيش، إلا أن الأمر ما زال امامها صعاب ومنها وضع المناطق الشرقية وقوات سوريا الديموقراطية التي تتضارب المعلومات حتى كتابة هذه السطور عن قبولها بالانخراط بالجيش كأفراد وليس كفصيل كما كانت تطالب سابقاً، وما ينطبق على "قسد" والمكون الكردي ينطبق أيضاً على السويداء ذات الأغلبية الدرزية وفصائلها التي يرفض بعضهم تسليم السلاح والانخراط بالجيش بذريعة "خصوصية" المحافظة، فيما بعضهم الآخر ينتظر تشكيل حكومة تمثل جميع السوريين بتوجهاتهم السياسية والطائفية. ولا ننسى أيضاً أن الرئيس السوري أحمد الشرع أمامه تحدي بقايا هيئة تحرير الشام التي حلت نفسها في مؤتمر النصر، فخطاب الشرع المعتدل يتعارض مع توجهات البعض، وبعض عناصر الهيئة لازال يؤمن بنهج الجولاني ويرفض نهج وسياسة الشرع.

 

وفي هذه المرحلة الهشة أمنياً، أطلت "داعش" برأسها مجدداً، وإن كانت هذه ال"داعش" مستقلة أم تعمل بإمرة بعض الدول التي لم يناسبها ما حصل في سوريا، إلا أنها تبقى تحدياً أمنياً شديد الخطورة، ويحتاج إل التعاون والتنسيق مع أجهزة استخبارات إقليمية ودولية، وقد بدأ هذا التنسيق مع دول فيما دول أخرى ترفضه بل يمكن القول أنها تستفيد من خلط الأوراق في سوريا.

 

وإذا ما أيقنا أن سقوط نظام الأسد وخسارة محور الممانعة لسوريا هو سقوط لمشروع إيران التوسعي والذي انطلق من لحظة وصول الخميني إلى طهران، بعد خسارتها المدوية في لبنان التي نتجت عن حرب الاسناد التي أطلقها "حزب الله" دعماً لغزة، ندرك أن إيران لن تقبل بهذه الهزيمة ولن تقف متفرجة على ما يحصل، وقد بدأت بالفعل بالتحرك عبر ميليشياتها على الحدود السورية اللبنانية وفي الساحل السوري وحمص حيث التواجد الأكبر للطائفة العلوية.

 

هذه التحديات والصعاب الأمنية إن ما انزلقت الأمور فهي أكثر ما يهدد المرحلة الانتقالية في سوريا، وان كان البعض يرى أن لا مصلحة لأحد بزعزعة الاستقرار في المنطقة اليوم وبدء حروب جديدة، إلا أن للبعض الآخر مصالحه وحساباته مختلفة.

 

التحدي الثالث هو الوضع الاقتصادي السيء جداً، والذي لا يمكن أن يتحسن قبل رفع العقوبات المفروضة على سوريا. تشترط الدول المعنية انطلاق عملية سياسية تشمل جميع السوريين لرفع الجزء الأكبر من هذه العقوبات، ولكن من يضمن أن لا يتحول هذا الاشتراط إلى عملية ابتزاز سياسي؟ وهل يسير الأمر بالتوازي أو بما يعرف خطوة مقابل خطوة؟ سوريا بحاجة إلى ورشة إعادة إعمار ضخمة، ليتمكن السوريون المهجرون في كل أصقاع الأرض من العودة والمشاركة بالعملية السياسية والاعمارية والانمائية، كلها أمور مترابطة وأي خلل أو تقصير بأحدها سيولد المزيد من العراقيل في باقي الملفات.

 

عملية الانتقال إلى سوريا الديموقراطية وإلى دول المواطنة عملية طويلة وستحتاج لجهد ولسنوات من العمل، ولكن هذه العملية لا يمكن أن تنطلق على أسس ثابتة ما لم يلمس المواطن تحسناً بأمور حياته المعيشية وما لم يشعر بالأمن في بلده.

 

عالية منصور

احدث المنشورات
Mar 03, 2025
اللبنانيون المفقودون والمخفيون قسرا في سوريا: أي مسار؟ أي مصير؟ - اديب نعمه
Mar 03, 2025
الانقلاب السياسي في سوريا وقضايا النساء - سوسن زكزك