Dec 16, 2024
حرب السودان: النساء بين سندان سلاح الجوع والعنف الجنسي - نعمات كوكو

حرب السودان: النساء بين سندان سلاح الجوع والعنف الجنسي - نعمات كوكو

 

باب صغير هو كل ما كان يفصل أم عن ابنتها التي تتعرض للاغتصاب وتصرخ طالبة النجدة، والاتهام هنا كان لاثنين من أفراد قوات الدعم السريع السودانية، حيث اعتدى أحدهما جنسيا على الابنة في غرفة بمنزلها، ووقف الآخر خارجها يهدد نساء أخريات يتوسلن لمساعدتها.[1]


ليس هذا مشهداً متخيلاً بل حقيقة مؤلمة في واقع الحرب في السودان التي انفجرت في 15 أبريل 2023م ميدانيا بين الجيش السوداني والدعم السريع والتي أدت الى أكبر أزمة إنسانية في التاريخ الحديث وتزايدت تداعياتها على المستوي الوطني بسبب التدخلات الخارجية والمحاور الاقليمية ذات الارتباط بالمصالح السياسية والاقتصادية. وقد دفع الشعب السوداني ثمناً باهظاً لذلك، حيث تشير تقارير الأمم المتحدة أن هناك أكثر من 11 مليون نازح داخل البلاد وأكثر من 3 مليون لاجئ إلى دول مجاورة نتيجة هذه الحرب الكارثية، منهم %88 نساء وأطفال[2].


وتواجه المرأة السودانية منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023م أشكالا متعددة من المعاناة المستمرة ومصاعب النزوح اليومية جراء تزايد موجة العنف المتواصل في أجزاء واسعة من المدن السودانية بين الطرفين. فلقد تسببت الحرب بواحدة من أسوأ أزمات الجوع في العالم، حيث تواجه أكثر من 1.2 مليون امرأة حامل ومرضع سوء تغذية يهدد صحتهن وحياتهن وحياة أطفالهن.[3] وقد أشارت الوحدة الحكومية السودانية لمكافحة العنف ضد المرأة، في حديث إلى موقع "الحرة" أن "الحرب بحد ذاتها تعتبر انتهاكا لحقوق الإنسان عامة والمرأة خاصة، لأنها تضعف البنية التحتية ولأنها تجعل الحياة صعبة جدا على النساء"[4].


لقد واجهت النساء والفتيات كل هذه البشاعات بصمود، لكن كانت آلة الحرب أعنف من قدراتهن، فقد تم قتل النساء والبنات وتم الاعتداء الجنسي عليهن وتم تشريدهن من ديارهن وفقدن المأوى والأمان، وتعرضت النساء للعنف الجنسي والابتزاز حتى في المعابر والحدود بعد أن فقدن كل أموالهن ومدخراتهن وتمت سرقة ما يمتلكن من ذهب وأموال. وتنوعت التحديات التي تعيشها المرأة ما بين إصابة بعضهنّ بشظايا المدفعية وتحمل أخريات للواجبات المعيشية لأطفالهن، إلى جانب نماذج أخرى من النساء في التعايش مع واقع مغادرة الديار من الخرطوم ومدني وقرى جنوب الجزيرة وسنار والنزوح نحو المجهول لأيام وليال عديدة لمناطق قد يرونها لأول مرة بالأقاليم السودانية الاخري لا سيما بعد توسع القتال بين الجانبين. بالإضافة الى أن النساء في السودان ما زلن يدفعن أثمانا باهظة خلال هذه الحرب الكارثية والتي ما زالت مستمرة، والأمر لا يتعلق فقط بالانتهكات المباشرة كالاغتصاب والتعذيب، فهناك إساءات بالغة مثل الخروج القسري من منازلهن، والنزوح من مكان لاخر لعدة مرات.


سلاح الجوع


يستخدم طرفي الصراع في السودان سلاح الجوع في معاركهم التي شملت أجزاء متعددة من البلاد حيث تتم محاصرة مداخل العمل الانساني وتمنع الوصول الى المستحقين مع صعوبات الممرات الآمنة للعاملين سواء على المستوي العالمي أو الوطني. وعكست تقارير أممية أن 26 مليون شخصا أي حوالي نصف السكان يواجهون خطر المجاعة وأن 18 مليونا منهم يواجهون انعدام الامن الغذائي الحاد ومن بينهم 14 مليون طفل[5] وقد أشار وكيل الامين العام للامم المتحدة الى أن هذه الارقام صادمة ولا يمكن تجاهلها[6]. وعلى الرغم من غياب الإحصاءات الدقيقة حول تأثير الحرب بشكل كامل على النساء في السودان، فإن التقارير تشير إلى تفاقم الوضع الإنساني لهن منذ اندلاع الحرب حيث تشير التقارير إلى أن النساء والأطفال يمثلون أكثر من ثلثي النازحين داخل البلاد، وتعاني النساء والفتيات نقصاً حاداً في الغذاء وأشكالا متعددة من المعاناة المستمرة ومصاعب النزوح اليومية جراء تزايد موجة العنف المتواصل في أجزاء واسعة من البلاد، بالإضافة الي انعدام الأدوية المنقذة لحياة المرضى من كبار السن من النساء او غلائها، وإلى جانب فقدان مصادر الدخل الأساسية لأزواجهن، والقبول بسكن مؤقت لعدد من العائلات داخل فصل مدرسي واحد مما أدى الي زيادة وتائر النزوح اليومية التي تحولت إلى مسلسل معاناة لا ينتهي الا بعد وصول الاسر لمناطق تنخفض فيها وتيرة الاشتباكات.

كما تتفاقم معاناة السودانيات في صعوبة الحصول على الرعاية الصحية الأساسية والغذاء، إذ أظهرت تقارير أممية أن نسبة كبيرة من الحوامل يعانين من انعدام الخدمات الصحية الأساسية، مما أدى إلى ارتفاع معدلات الوفيات بين الأمهات والأطفال حديثي الولادة، كما تعكس التقارير الاممية أن 13 مليون طفل يواجهون مستويات حادة من الامن الغذائي، مع تأكيد المجاعة في معسكر زمزم في شمال دارفور[7].


وتشير بعض التقارير الاقتصادية إلى أن هذه الحرب قد كبدت النساء السودانيات قدرا كبيرا من الخسائر على مستوى الوظائف والممتلكات والمساكن ومصادر الدخل، ما دفعهن إلى طرق أبواب الإغاثة والمساعدات، ما اضطر النساء العاملات إلى ترك أشغالهن الأساسية في المدن، أما الخسارة الاكبر فقد كانت في مناطق الريف حيث يعملن في الزراعة، والرعي والأعمال الحرفية، خاصة وان المرأة السودانية تلعب الدور الاساسي في تحقيق الامن الغذائي من خلال مساهمتها في الاقتصاد الزراعي الانتاجي بشقيه النباتي والحيواني حيث تبلغ مساهمتها أكثر من 80% من أنتاج الغذاء[8]. ومع أستمرار الحرب حدث الانهيار الكامل للقطاع الزراعي مما أدى الى احدى أكبر أزمات المجاعة على المستوى الدولي. 

 

سلاح العنف الجنسي


مع اقتراب هذه الحرب من عامها الثاني دون وجود أي أفق لوقفها، ثمة الكثير من الانتهاكات الجسيمة بحق النساء خاصة الاغتصاب الذي أستخدم كسلاح للهوية في حرب دارفور 2003 م والان  أصبح أداة "حرب إجرامية" لإذلال المجتمعات المحلية المحافظة في القرى والارياف[9]. بالاضافة الى الاعتداءات الجنسية والاختطاف والاسترقاق الجنسي والزواج القسري، الاستعباد والاستغلال الجنسي مقابل الغذاء. وتشير التقارير الاممية الى أن 7 مليون امرأة وفتاة يواجهن في السودان خطر العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي[10] وفق ما أفاد به محمد الأمين ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في السودان، حيث قال إن تلك الجرائم- ومنها الاغتصاب الجماعي- تكررت وإن آثارها على الأفراد والمجتمع ستمتد لسنوات طويلة. وتؤكد التقارير الموثقة الى أن عدد تلك الانتهاكات في ارتفاع مستمر حيث وصلت حالات الاغتصاب منذ بداية الحرب حتى الآن إلى 679 حالة اغتصاب تم نقلهن إلى جميع المرافق الطبية بسبب المضاعفات الصحية والأضرار البالغة. ويعتبر الاغتصاب الجماعي انتهاكا خطيرا للقانون الإنساني[11]. وهنالك حالات كثيره لم ترصد ولم توثق ولم تصل الى المستشفيات بسبب تعفف الاسر وخوفا من المجتمع وثقافة الوصمة الاجتماعية، كما توجد حالات كثيرة في دارفور ومناطق اخرى في السودان اغلبها لم يوثق ولم يسجل في المستشفيات نتيجة للدمار الشامل الذي أصاب القطاع الصحي. وتشير الدراسات الى أن 90% من المستشفيات قد أصبح خارج الخدمة مما يفاقم من معاناة النساء عموما والناجيات من العنف الجنسي والاغتصاب خاصة[12]. لقد تزايدت حالات الاغتصاب وقد تمت الاشارة في بعض التقارير عن تسجيل عدد كبير من حالات الإنتحار َوسط الفتيات المغتصبات، بالإضافة إلى تعرضهن للقتل من قبل رب الأسرة خوفا من وصمة المجتمع الاجتماعية والثقافية. كما تجدر الاشارة الى الأثر الجسدي والنفسي مع الاحتياج للتدخل الطبي السريع واستخدام بروتكول علاج الاصابات ومنع الأمراض المنقولة جنسيا ومنع الحمل وهذه كلها تحتاج لفحوصات وأدويه ومتابعة دورية ونفسية، الا أن تطورات هذه الحرب المأساوية وما نتج منها من انعدام الادويه وخاصه المنقذه للحياة وكذلك الادويه المستعمله للبروتكول وعدم وجود الممرات الآمنة في ظل غياب  وجود العدد الكافي من الكوادر الطبية، أدى الى تعقيدات بالغة في الوضع الصحي للناجيات وخاصة الأطفال مما زاد من خطورة الموقف وأدى لكثير من الوفيات[13].


في سياق متصل، ذكرت المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري، أنه منذ اندلاع الحرب قد تم تسجيل 96 حالة اختفاء قسري بين النساء اللاتي من المرجح أن يكن قد تعرضن للاغتصاب والاستعباد الجنسي أو تم تسخيرهن للأعمال المنزلية[14]، مع الاستغلال الجنسي مقابل الغذاء خاصة في أماكن سيطرة الجيش، ومع عودتهن تزداد تعقيدات الحياة فغالبا ما تطالهن وصمات العار وتوجه إليهن أنواعا متعددة من الانتهاكات اللفظية مع العزل الاجتماعي.


أن استمرار الحرب يعني استمرار الانتهاكات والاعتداءات التي طالت ولا تزال تطال النساء في السودان، ولاسيما في ظل غياب وسائل الحماية، ومن المرجح ألا يتوقف هذا الصراع المسلح بدون تدخل أممي لحماية الحياة في السودان وحتى تتمكن المنظمات الإنسانية الدولية من التدخل لإنقاذ النساء وحمايتهن.



[1]   إسلام الأمين – 8 نوفمبر 2024

[2]  تقارير منظمة الهجرة الدولية 2024 م

[3]  تقارير اممية مختلفة

[4]  سليمي أسحاق، على هامش حملة ال 16 يوم لمناهضة العنف ضد المرأة نوفمبر 2024 م

[5]  وكيل الامين العام للامم المتحدة ديسمبر 2024 م

[6]  المصدر السابق

[7]  بيان مشترك بين مفوضية اللاجئين واليونسيف نوفمبر 2024 م

[8]  الحرب والمرأة الريفية – نعمات كوكو مارس 2023م

[9]  الاغتصاب من سلاح للهوية الي أداة حرب أجرامية – نعمات كوكو نوفمبر 2024 م

[10]  صندوق الأمم المتحدة للسكان في السودان- يوليو 2024 م

[11]  تداعيات الحرب على الوضع الصحي للنساء – د أديبة أبراهيم نوفمبر 2024 م

[12]  المصدر السابق

[13]  المصدر السابق

[14]  من صفحات التواصل الاجتماعي 

احدث المنشورات
Jan 27, 2025
سياسة المساعدات الدولية: رمال متحركة ومساحات متقلصة - د. خليل جبارة
Jan 07, 2025
تقرير تسليط الضوء على التقرير الوطني الطوعي حول التقدم في إحراز أهداف التنمية المستدامة في اليمن - 2024