Jun 05, 2024
المجتمع المدني الأردني: فاعلية يقابلها المزيد من القيود

المجتمع المدني الأردني: فاعلية يقابلها المزيد من القيود
اعداد: مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية - أيار 2024

السياق العام

في الأردن، وبالرغم من مختلف القيود الناظمة لعمله على المستوى التشريعي والسياسي، فإن منظمات المجتمع المدني الحقوقية لعبت خلال السنوات الماضية أدوارا فعالة في العديد من المجالات، سواء على مستوى تكريس عملها في تعزيز مسارات التنمية المستدامة بمختلف أبعادها، وكذلك في مجال الدفاع عن حقوق الانسان باستخدام مختلف الأدوات المتاحة. فمن جانب مازالت العديد منها ترصد الانتهاكات التي تطال حقوق الانسان المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والمشاركة بفاعلية في الاليات الدولية وأهمها الاستعراض الدوري الشامل واعداد وتقديم الافادات الى مجلس حقوق الانسان، وتنفيذ أنشطة المناصرة ذات العلاقة. ومن جانب آخر شارك بعض منظمات المجتمع المدني في اعداد تقارير موازية للتقرير الطوعي لأهداف التنمية المستدامة.


وفي جانب الاستجابة للأزمات، أثبت المجتمع المدني الأردني أنه قادر على تقديم مختلف أوجه الدعم والمساندة الى اللاجئين السوريين خلال السنوات الثلاثة عشر الماضية، حيث دخل الى الأردن ما يقارب 1.3 مليون لاجئ سوري بغض النظر عن التصنيف القانوني لهم من قبل المنظمات الدولية.


ومؤخرا، ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، انخرطت العديد من منظمات المجتمع المدني الأردنية في العمل على عدة مستويات. فمن جانب نشطت العديد من المنظمات في جمع التبرعات وارسالها الى قطاع غزة، والمشاركة في المسيرات التضامنية في مختلف محافظات المملكة، بالإضافة الى تنفيذ أنشطة مناصرة على المستوى المحلي والدولي،  والانخراط في عقد الملتقيات داخل وخارج الأردن لفضح جريمة الإبادة الجماعية التي تمارسها دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، والمشاركة في التوقيع على عشرات العرائض المحلية والإقليمية والدولية ضد استمرار الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، والجرائم التي ترتكبها ضد الفلسطينيين، وضد المعايير المزدوجة التي تمارسها الدول الغربية الكبرى في تعاملها مع قضايا حقوق الانسان والقانون الدولي، ودعمها السياسي والعسكري لاستمرار الحرب على غزة.


وفي خضم تفاقم حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على قطاع غزة، انخرطت العديد من منظمات المجتمع المدني الأردنية في حوارات ومناقشات حادة وساخنة مع البعثات الدولية والدبلوماسية، خاصة تلك التي انحازت حكوماتها الى جانب العدوان الإسرائيلي، حيث عقدت هيئة تنسيق مؤسسات المجتمع المدني – همم وغيرها العديد من الاجتماعات عبرت فيها تنديدها بمواقف بعض المؤسسات الدولية وخاصة المفوض السامي لحقوق الانسان، وبعض سفراء دول الاتحاد الأوروبي المنحازة للعدوان على غزة، بالإضافة الى سفير الاتحاد الأوروبي. والى جانب عقدت أكثر من ملتقى لمناقشة الجوانب الحقوقية للعدوان الإسرائيلي من منظور القانون الدولي، تم فيه استضافة شخصيات دولية فلسطينية ودولية.


انحسار مساحة الحرية

يدرك المجتمع المدني الأردني أهمية دوره كلاعب أساسي في الحراك الاجتماعي وقت الأزمات والحروب، وتشكل المكانة التاريخية والارتباط الوثيق بين الأردن وفلسطين دافع إضافي نحو تصعيد الاحتجاجات واستخدام مختلف أدوات الضغط وكسب التأييد للتأثير على وقف الحرب والإبادة الذي تمارسه دولة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين وخاصة في غزة.


وبالتزامن مع التحديات المستجدة الناشئة، تعمقت الفجوات المتجذرة أمام المجتمع المدني والمرتبطة بتقويض الحريات المدنية، حيث صُنف الأردن وفقا للتقرير العالمي الصادر عن Freedom house عام 2024 على أنه " غير حر" i ، نتيجة التجاوزات التي تتعرض لها مساحة عمل المجتمع المدني على نحو مستمر والتي تفاقمت حدتها في الفترة الأخيرة.


خلال الأشهر الستة الماضية، ازدادت وتيرة التظاهرات والتجمعات السلمية التي جرت في الأردن بطريقة منتظمة وشبه يومية في كافة محافظات المملكة، والتي تركزت على التعبير عن الاحتجاج على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتضامن مع الشعب الفلسطيني، وما زالت الاحتجاجات مستمرة ، حيث كان المجتمع المدني في الصفوف الأمامية المطالبة بشكل أساسي في وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، وإلغاء جميع الاتفاقيات الأردنية مع الاحتلال الإسرائيلي، وانهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.


في السياق ذاته، لم تخل هذه الاحتجاجات مضايقات متنوعة ومنها الاعتقالات التي مارستها الحكومة الأردنية لعشرات النشطاء والناشطات المدنيين والسياسيين ممن شاركوا وقادوا هذه التظاهرات والاحتجاجات، الى جانب الذين شاركوا في التعبير عن رأيهم عبر الانترنت عن تضامنهم مع الفلسطينيين في قطاع غزة، من خلال الكتابة أو التعليق أو إعادة النشر، نتيجة مراقبتهم رقميا من قبل الحكومة. وقد استخدم قانون الجرائم الإلكترونية الجديد، لفرض مزيد من التقييد على مساحة العمل المدني والمجتمعي وعلى حرية الرأي والتعبير. حيث تحظر المادة 17 من القانون استخدام الإنترنت أو الشبكات الاجتماعية لنشر محتوى قد يثير الصراع تحت تهديد غرامات كبيرة أو السجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات. وكان قانون الجرائم الإلكترونية قد واجه انتقادات واسعة أثناء مرحلة اقراره السنة الماضية، لمساسه بحريات وحقوق أساسية كفلها الدستور الأردني ومعاهدات حقوق الإنسان الدولية، وحذروا من خطر إغلاق الفضاء المدني الرقمي كنتيجة لهذا القانون.


وخلال الأشهر القليلة الماضية، مررت الحكومة الأردنية والبرلمان الأردنية قانونا جديدا لوزارة التخطيط والتعاون الدولي زادت فيه القيود على عمل منظمات المجتمع المدني، حيث كرست القيود السابقة المعمول بها في ضرورة الحصول على موافقات مسبقة من رئاسة الوزراء على اية منح تحصل عليها منظمات المجتمع المدني، وتوسعت في ذلك لتضم مؤسسات القطاع الخاص الى جانب منظمات المجتمع في اجبارها على الحصول على موافقات رئاسة الوزراء قبل حصولها على منح مالية أو معنوية ذات طابع تنموي.


والى جانب ذلك، تم إقرار قانون جديد لوزارة التنمية الاجتماعية خلال الأشهر الأولى من العام الجاري 2024، كرس فيه القانون الجديد القيود على عمل الجمعيات، بالإضافة الى فرض قيود جديدة على إمكانية قيام الجمعيات بجمع التبرعات المحلية، الأمر الذي من شأنه الحد من فاعلية عمل هذه الجمعيات.


إعادة ترسيم العلاقات مع الشركاء الدوليين

تسارعت خطوات منظمات المجتمع المدني الأردني نحو إعادة تقييم علاقاتها مع شركائها الدوليين، هذه العلاقة التي ينتابها العديد من الإشكاليات المرتبطة بطيعة العلاقات غير المتوازنة مع بعض الشركاء الدوليين. وكان لانحياز العديد من الدول الغربية الى جانب الحرب الإسرائيلية على غزة وتأييدها لدول الاحتلال سياسيا واقتصاديا وعسكريا. وعلى الرغم من أن القليل من منظمات المجتمع المدني أوقفت حصولها على منح من حكومات هذه الدولة، وغالبيتها ترفض قبل الحرب الأخيرة على غزة عقد شراكات مع حكومة الولايات المتحدة والوكالات التي تمثلها، الا أن حرب الإبادة الجماعية سرعت عملية صياغة علاقات أكثر توازنية بين الشريك المانح ومنظمات المجتمع المدني. وخلال الأسابيع الأولى من الحرب مارست بعض الجهات الغربية المانحة ضغوطا على بعض منظمات المجتمع المدني الأردنية لعدم الانخراط و/أو التوقيع على عرائض تنتقد الموقف الغربية الداعم لإسرائيل، الا أن الغالبية الكبيرة من منظمات المجتمع المدني الأردنية رفضت هذه التدخلات في مواقفها، ما ترتب عليه أيضا وقف العمل ببعض المشاريع المشتركة بينها.


أدى ذلك الى اضطراب العلاقات بين الشركاء الدوليين (الجهات المانحة) ومنظمات المجتمع المدني، ونتج عن ذلك قيام العديد من منظمات المجتمع المدني الغاء الاتفاقيات المشتركة. وفي الجانب الآخر أوقف الشركاء الدوليين التابعين لبعض الحكومات الغربية اتفاقياتهم مع بعض منظمات المجتمع المدني الأردني بسبب التزامها بمواقفها الداعمة لفلسطين وانتقادها لمواقف الدول الغربية. الأمر الذي خلق تحديات اقتصادية أمام بعضها، خاصة وأن فرص الحصول على تمويل محلي لغايات تنفيذ أنشطة حقوقية وتنموية محدودة جدا في الأردن، تشريعيا وسياسيا. وما زالت العلاقة مضطربة بين بعض الشركاء الدوليين وبعض منظمات المجتمع المدني الأردني1.


في الخلاصة، تم تحديد ثلاث مسارات أساسية لتعزيز استقلالية منظمات المجتمع المدني في الأردن في ظل المستجدات السياسية الأخيرة، المسار الأول يتضمن إعادة تعريف العلاقة مع الشركاء الدوليين المانحين من خلال تطوير وثيقة مبادئ حول مواصفات التمويل التي تتوافق مع قيم منظومة حقوق الإنسان وترفض أي تمويل بشروط سياسية، وتعزيز فكرة التشاركية بين أطراف العلاقة، المسار الثاني يركز على التشبيك وتعزيز التحالفات بين منظّمات المجتمع المدني تجاه الشراكات الأفقية، ويتضمن وضع تصور لمنظومة تضامن لمواجهة الضغوط السياسية من الممولين. أما المسار الثالث، فيتمثل في البحث عن بدائل للتمويل تضمن الاستقلالية بعيدا عن مشروطيه التمويل.ii


تفاعل المجتمع المدني مع الآليات الدولية

لم يحل تفاقم الأوضاع الإنسانية والسياسية في فلسطين، من لعب منظمات المجتمع المدني الأردنية لدورها في الانخراط في آلية الاستعراض الدوري الشامل. وقد امتنع تحالف واحد (تحالف انسان)iii من أصل عدة تحالفات من اكمال أنشطة المناصرة داخل الأردن وفي العاصمة السويسرية جنيف احتجاجا على المعايير المزدوجة التي تستخدمها الدول الغربية في تعاملها مع قضايا حقوق الانسان وعلى وجه الخصوص حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير ومقاومة الاحتلال، حيث مثل الأردن في 25 كانون الثاني/يناير 2024، أمام مجلس حقوق الانسان في جنيف. وقد امتنع تحالف (انسان) عن المشاركة في عمليات المناصرة في الاستعراض الدوري الشامل في دورته الرابعة، إلى جانب العديد من ناشطي المجتمع المدني المدافعين والمدافعات عن حقوق الانسان، وذلك اعتراضا على المعايير المزدوجة في تطبيق القانون الدولي الإنساني، ومقاطعة التعامل مع الجهات التي تورطت في جرائم الحرب على قطاع غزة.iv


واتخذ الجزء الأكبر من منظمات المجتمع المدني الأردنية المشاركة في الاستعراض الشامل بكافة مراحلة، بعد ان انتهى من عملية كتابة وتقديم التقارير (الإفادات). حيث كان هناك تواجد لافت لعشرات المنظمات والعديد من التحالفات منها التحالف الوطني، والتحالف المدني الأردني، وتحالف تطوير.


في السياق ذاته كان هناك عقدت هيئة تنسيق مؤسسات المجتمع – همم، بالتعاون مع شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، وجمعية مكافحة التعذيب في سويسرا، ملتقى تحت عنوان: حقوق الإنسان على مفترق طرق: إعادة تقييم الالتزامات العالمية وفعاليته، وجاء عقده لمناقشة المعايير المزدوجة التي تتعامل فيها الحكومات الغربية الكبيرة مع قضايا حقوق الانسان، وخاصة القضية الفلسطينية. جاء الملتقى على هامش جلسة الاستعراض الدوري الرابع للأردن في جنيف، شارك فيها عشرات النشطاء المدنيين والسياسيين والقانونيين والدبلوماسيين وممثلو الأمم المتحدة والجمعيات السويسرية. وقد ركزت المناقشات على الحاجة الملحة إلى إعادة تقييم المبادئ والآليات التي يقوم عليها الإطار الدولي لحقوق الإنسان، وسلطت الضوء على أهمية المساءلة ودور المنظمات القانونية الدولية في دعم العدالة.


الانتقال إلى المحلية في العمل الانساني

ازدادت الدعوات مؤخرا بين أوساط المجتمع المدني الأردني، حول ضرورة تعزيز التوطينLocalization  في العمل الإنساني والتنموي، وترتكز المحلية بنحو أساسي حول إعطاء الشركاء المحليين مزيدًا من الأدوار في مبادرات التنمية وتعزيز حقوق الانسان وتعزيز العمل الانساني، بحيث يُمكن ذلك منظمات المجتمع المدني من قيادة وتصميم وتنفيذ مشاريع فعّالة، ويعتمد ذلك بدوره على وجود بيئة مواتية وداعمة للمجتمع المدني.


ونادت العديد من تحالفات المجتمع المدني وخاصة تحالف (جوناف)v الى التركيز على المحلية في العمل الإنساني والتنموي في الأردن باعتباره خطوة ضرورية لتعزيز استقلالية وفاعلية عمل المجتمع المدني، من خلال تحسين التمثيل الشامل للمجتمع المدني الأردني في صنع القرار وتنفيذ البرامج والمشاريع، مما يضمن تمثيل أوسع وأكثر دقة لاحتياجات السكان المحليين، إلى جانب تحقيق توازن في القوى بين الجهود الدولية والوطنية.



مراجع

1 قام مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية باعداد دراسة حول جودة تمويل منظمات المجتمع المدني، ستظهر نتائجها خلال أسابيع قليلة، وفي سياقها تم تطوير مؤشر INDEX، لغايات تقييم التزام الشركاء الدوليين بمعايير جودة التمويل الذي تقدمه لمنظمات المجتمع المدني، وتعزيز فاعليتها واستقلاليتها. ومن جانب آخر، قامت هيئة تنسيق مؤسسات المجتمع المدني-همم1، بإعداد دراسة حول استقلالية منظمات المجتمع المدني الأردني، وطورت خارطة طريق للخيارات التي يمكن استخدامها لتعزيز استقلاليتها وفاعليتها.
i Freedom house, (2024) freedom in the world country report 2024 Jordan: Freedom in the World 2024 Country Report | Freedom House
ii خزوز، تمارا ومنير، محمود، المجتمع المدني والاستقلالية: مسارات العلاقة مع الجهات المانحة في ضوء العدوان الإسرائيلي على غزة، "مساحات مقيّدة أم فرص جديدة؟"، هيئة تنسيق المجتمع المدني " همم"، 2024
iii  تحالف انسان: تحالف لمنظمات المجتمع المدني تأسس في عام 2012، من مجوعة من منظمات المجتمع المدني والحقوقيين، يتكون حاليا من 25 منظمة مجتمع مدني أردنية متخصص في تقديم تقارير للاستعراض الدوري الشامل.
iv وكالة الأنباء الأردنية، تحالف إنسان: لن نتعامل مع جهات تورطت في جرائم حرب على غزة، 2023 https://petra.gov.jo/Include/InnerPage.jsp?ID=264393&lang=ar&name=news
v  تحالف جوناف يتكون من مجموعة من منظمات المجتمع المدني الأردنية المنخرطة في جانب من أعمالها في تقديم المساعدات الإنسانية الى اللاجئين السوريين.



احدث المنشورات
Jun 21, 2024
تداعيات الحرب على غزة على حرية الرأي والتعبير في المنطقة العربية
Jun 05, 2024
الفضاء المدني في الجزائر في بداية عام 2024: تحديات تشريعية وسياسية تصادر كل الحريات