الحق في المياه في لبنان: أزمات اللامساواة والبيئة والتقشف - رولان رياشي
هذا البحث هو جزء من تقرير الراصد العربي 2025 عن الحق في المياه وتغيّر المناخ.
الحق في المياه في لبنان: أزمات اللامساواة والبيئة والتقشف - رولان رياشي
يمكنم تحميل التقرير كاملًا عبر الضغط هنا.
شهد لبنان أحد أكثر فصول الشتاء جفافًا على الإطلاق في عام 2025، حيث انخفضت مستويات هطول الأمطار بأكثر من 50% مقارنة بالسنوات السابقة. ورغم وجود منصة وطنية لنظام الإنذار المبكر (NEWSP)، لم تُتخذ أي تدابير للسيطرة على الجفاف أو التخفيف من آثاره، مما يُبرز الفجوة المستمرة بين الأطر المؤسسية وتمويل الجهات المانحة والإجراءات المتخذة. فقد وجدت اليونيسف (2022) في عام 2022 أن إمدادات المياه للفرد الواحد من هيئة المياه العامة في لبنان "أقل بشكل مُقلق من 35 لترًا في اليوم، وهي الكمية الدنيا المقبولة" (UNICEF, 2022).
يواجه لبنان أزمة مياه حادة ومتعددة الأوجه، مدفوعة بالتفاعل بين تغيّر المناخ، واستنزاف الموارد، والتلوث، وسوء الإدارة المنهجي، وديناميكيات القوة المتجذرة، وآثار الأزمة الاقتصادية، والحرب.
وفي حين تفاقم وضع القطاع بسبب انهيار النظام النقدي في أكتوبر 2019، إلا أن له جذورًا تاريخية أعمق تعود إلى قوانين الانتداب العثماني والفرنسي والمؤسسات التأسيسية، وسياسات الحرب الباردة، والإصلاحات النيوليبرالية المعاصرة التي قادها المانحون الدوليون. وقد تم تنظيمها جميعًا حول النظام السياسي الطائفي للبلاد. فقد ازداد الوضع سوءًا على الرغم من المساعدات الخارجية الكبيرة والاستثمار في مشاريع البنية التحتية واسعة النطاق على مدى العقود الثلاثة الماضية، مما ينيط اللثام على فجوة جوهرية بين السياسات ومديونية التنمية والحقائق الصعبة.
وفي ظل الظروف المالية الصعبة منذ الانهيار الاقتصادي عام 2019، يكافح القطاع لدفع تكاليف التشغيل، ويفتقر إلى الوقود لتشغيل محطات الضخ، ولا يتوفر الكلور أو قطع الغيار اللازمة للحفاظ على شبكة عاملة. ونتيجة لهذا الفشل، تعتمد معظم الأسر بشكل متزايد منذ بدء الأزمة على مصادر مياه غير رسمية باهظة الثمن وغير آمنة في كثير من الأحيان. وقد أدى الضخ غير المنضبط من الآبار، مقرونًا بإلقاء الملوثات الخطرة غير القانونية، إلى عودة ظهور أمراض مثل الكوليرا، في السنوات القليلة الماضية، والتي كان يُعتقد أنها تحت السيطرة. وجاءت الضربات الإسرائيلية المتكررة على البنية التحتية للمياه المدنية في لبنان، بما في ذلك محطات الضخ وخطوط الأنابيب والخزانات وشبكات الصرف الصحي، لتفاقم هذه الأزمة الهيكلية، وهي تسببت بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 ونوفمبر/تشرين الثاني 2024، في دمار واسع تركّز في محافظتي الجنوب والنبطية. وتشير التقديرات إلى أن 26 منشأة ضخ مياه عامة و28 شبكة أنابيب مياه قد تضررت (Action Against Hunger, 2025). وفقد المزارعون شبكات الري مثل مشروع الليطاني-القاسمية، الذي كان يسقي 6000 هكتار من المحاصيل، مما قوض الأمن الغذائي وسبل العيش. وبحلول مارس/آذار 2025، قدر البنك الدولي أن 64% من خزانات المياه المجتمعية، و58% من محطات الضخ، وما يقرب من ربع محطات المعالجة قد دمرت أو تضررت في المنطقة (Word Bank, 2025). وتشير التقديرات إلى أن القصف قد تسبب في خسائر بلغت 171 مليون دولار أمريكي في قطاع المياه.
وكان قطاع المياه في لبنان قد شهد تحولات هيكلية كبيرة على مدى العقود الماضية، متأثرًا إلى حد كبير بنماذج السياسات العالمية التي يقودها المانحون الدوليون. أما التشرذم داخل الأطر المؤسسية والزعامات الطائفية المتجذرة، إلى جانب السياسات غير الفعالة للمانحين والمفتقرة إلى الصلة بالسياق، فهو يعيق تقديم الخدمة بفعالية. كما يؤدي الاستخدام المكثف لطبقات المياه الجوفية في نموذج زراعي قائم على التصدير إلى تفاقم هذا الوضع الهش. يتطلب تناول الحق في المياه في لبنان التعمق في تلك العوامل الاجتماعية والسياسية والبيئية التي شكلت ولا تزال تشكل تاريخيًا الوصول إلى هذا المورد الأساسي واستخدامه وإساءة استخدامه. وبينما ندرس تطور استخدام المياه وتوزيعها والمؤسسات والأطر القانونية للمياه، يتضح أن التغيير الجذري هو أمر بالغ الأهمية.
يتناول القسم الأول من الفصل التحديات المائية الأكثر إلحاحًا في لبنان، بما في ذلك تغيّر المناخ واستنزاف الموارد والتلوث، لتسليط الضوء على الضغوط البيئية والنظامية. ويستكشف القسم الثاني إنتاج المياه وتوزيعها واستهلاكها، كاشفًا عن تفاوتات عميقة ناجمة عن سوء الإدارة، وقصور البنية التحتية، والتفاوتات الاجتماعية والاقتصادية. ويتناول القسم الثالث، بعد ذلك، بشكل نقدي، التعددية القانونية وإخفاقات الحوكمة في ظل سياسات التقشف. وأخيرًا، يتناول القسم الرابع مقاربات بديلة لضمان حق شامل وغير مشروط في المياه في لبنان.
احدث المنشورات
النشرة الشهرية (تشرين الثاني/نوفمبر) - بين COP30 وإعلان الدوحة: ماذا ينتظر العدالة المناخية والاجتماعية؟