هذا البحث هو جزء من تقرير الراصد العربي ٢٠٢٣ عن الحق في الصحة.
الحقّ في الصحّة في تونس أمام تحدّيات التغطية الصحّية الشاملة - يناس العيادي وعائدة قايد السبسي
يمكنم تحميل التقرير كاملًا عبر الضغط هنا.
المنهجية المُعتمدة
يهدف هذا التقرير إلى تقييم التقدّم نحو إعمال الحقّ في الصحة في تونس حسب معايير: التوافر، إمكانية الوصول، المقبولية، الجودة، المشاركة، الحرّيات، الاستحقاقات، مع اعتماد مقاربة النوع الاجتماعي. بعد تقديم استعراض الحالة الراهنة، سيتمّ تحديد أساس الحقّ في الصحة وتكريسه في القانون التونسي قبل النظر في تجلّيات وتطبيقات الحقّ في الصحة من خلال التثبت من مدى توفّر معايير ومؤشّرات هذا الحقّ.
استعراض الحالة الراهنة
تغيّرات سياسية. شهدت تونس تحولاً سياسياً سنة 2011، عقب التحرّكات الشعبية، بإسقاط النظام القائم وتغييره وانتخاب مجلسٍ تأسيسي في تشرين الأوّل/ أكتوبر 2011. واجه المشهد السياسي التونسي عدّة اضطرابات طوال المرحلة الانتقالية، وتعرّض للعديد من الضغوطات والصعوبات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي أزّمت المشهد وكان لها تأثيرٌ على الحقّ في الصحة. وتمّ عقب ذلك إطلاق حوار وطني لتذليل هذه الصعوبات السياسية ثم وقع إصدار دستور في 2014 أفرز نظاماً سياسياً جديداً وتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية في 2014 و2019. لكنّ تصاعد الأزمة السياسية استمر، وتمّ في 25 تموز/جويلية 2021 تجميد البرلمان وأعلن رئيس الجمهورية عن مسارٍ سياسيٍ جديد أدّى الى إصدار دستور تمّت المصادقة عليه باستفتاء في 25 تموز/جويلية 2022.
وضعية اقتصادية واجتماعية متردّية. يواجه اقتصاد البلاد صعوبات منذ سنوات وخاصّةً المديونية والانكماش حيث أنه استناداً إلى المؤشّرات الأخيرة للبنك المركزي ارتفع الدين العمومي التونسي من 40٪ من الناتج الإجمالي عام 2010 الى حوالي 90٪ عام 2020 ولم يتجاوز معدّل النمو الاقتصادي نسبة 0.6 بالمائة خلال السنوات العشر الماضية، فتفاقمت الفجوة المالية وتقهقر الاستثمار. وأثَّر الوضع السياسي في تأزيم الأحوال الاقتصادية والاجتماعية حيث تُعدّ نسبة العاطلين عن العمل مرتفع وخاصةً لدى النساء (20.5%) ولدى الحاملين لشهاداتٍ علمية عُليا (30.1%) (المعهد الوطني للإحصاء في تونس 2022) ممّا أدّى إلى ازدياد ظاهرة الهجرة غير الشرعية (Forum Tunisien pour les Droits Economiques et Sociaux 2021). كما زاد انتشار الشُغل الهشّ وخاصةً بالنسبة الى النساء في المجال الفلاحي مع عدم التمتّع بالتّغطية الصحّية والاجتماعية اللازمة (السفير العربي 2019)، بالإضافة إلى ظروف التنقّل والعمل غير الآمنة، في ظلِّ عدم التطبيق الفعلي للقانون عدد 51 لسنة 2019. كما تراجعت القدرة الشرائية للمواطنين مع ارتفاع نسبة التضخّم (البنك الدولي 2022) والنقص في بعض المواد الأساسية (الزيت النباتيّ والسميد والسكّر والأرز والأدوية…).
وقد زادت جائحة كوفيد 19 من تعميق الأزمة الاجتماعية حيث تشير تقديرات البنك الدَولي لشهر حزيران/جوان 2021، إلى أن الجائحة تسبّبت في ارتفاع نسبة الفقر إلى 21% من مجموع سكّان تونس مقابل نسبة 15.5% ما قبل الجائحة. وقد أكّدت خريطة الفقر في تونس (Banque mondiale et Statistiques Tunisie 2020) التفاوت المتنامي بين الجهات حيث تتركّز معدّلات الفقر الأعلى في الأرياف، لا سيما تلك الواقعة في الشمال الغربي والجنوب الغربي للبلاد. وقد ســلّطت جائحة كوفيد 19، المُســتمرة، الضوءَ على ضـرورة تعزيز الجهود الرامية الى معالجة المُحَدّدات الاجتماعية للصـحة بوصــفها جزءاً لا يتجزأ من الاســتجابة الوطنية والإقليمية والدولية للأزمات الصحّية الاجتماعية. ورغم تراجع حدّة الجائحة إلّا أن تأثيراتها ما زالت ملموسة وما زال الاقتصاد التونسي، كغيرِه في عديد البلدان، يعاني من مخلّفاتها. كما فاقمت الحرب الروسية الأوكرانية من الأزمة الاقتصادية في تونس وذلك تبعاً للنقص الذي شهدته الاسواق العالمية في المواد الأساسية المستورَدة من منطقة التوتّر الروسية - الأوكرانية (خصوصاً القمح).
من جهةٍ أخرى، يعرف العالم اليوم احتباساً حرارياً وتغيّرات مُناخية تؤثّر على الاقتصاد عموماً وعلى الوضعية الاجتماعية للمواطنين خصوصاً، وتؤثّر أساساً في وضع الأشخاص المُنتمين للطبقة الفقيرة. وليست تونس بمنأى عن هذا التأثير إذ تتسبّب التغييرات المُناخية في شدّة الجفاف وتراجع منسوب المياه ممّا يؤدّي إلى نقص في الماء الصالح للشرب. هذا فضلاً عن الحرائق التي اندلعت في العديد من الجبال وأتت على جزءٍ من الغابات في شمال البلاد. وهو ما يهدّد مصالح ووضعية الكثير من المواطنين.
ويظلُّ الحقّ في الصحة من أوكد الحقوق وأهمّها لذا وجب البحث في أسس إرسائه في القانون التونسي.
يناس العيادي وعائدة قايد السبسي
تحميل التقرير الكامل
هذا البحث هو جزء من تقرير الراصد العربي ٢٠٢٣ عن الحق في الصحة.
