
الآثار المدمرة للحصار والحرب على الحق في المياه في غزة – أيمن رابي

الآثار المدمرة للحصار والحرب على الحق في المياه في غزة – أيمن رابي
تبلغ مساحة قطاع غزة حوالي 365 كيلومترًا مربعًا وعدد سكانه حوالي 2.2 مليون نسمة ويعتبر من أعلى المناطق من حيث الكثافة السكانية في العالم بواقع 5936 فرد لكل كيلومتر مربع. لقد قامت دولة الاحتلال ببناء جدارًا فاصلا على طول قطاع غزة بطول حوالي 65 كيلومتر وبارتفاع يزيد عن 8 أمتار. وقد فرضت حصارًا شاملًا على القطاع منذ عام 2007 وفرضت قيودا صارمة على إدخال المواد اللازمة لتحسين الخدمات ومناحي الحياة والبنية التحتية بما في ذلك تلك المتعلقة بصيانة وتطوير أنظمة المياه والصرف الصحي على مدار خمسة عشر عامًا مما تسبب بحرمان المواطنين فيه من التمتع بحقهم في الحصول على كميات مياه كافية وخدمات مياه وصرف صحي ملائمة بالإضافة الى حرمانهم من التمتع بالحقوق الأخرى في كافة مناحي الحياة. وقد أشار تقرير مكتب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية إلى تسبب الحصار بعجز في قدرة أنظمة الصرف الصحي على احتواء ومعالجة الكميات المنتجة مما أدى الى تصريف ما يقرب من 90 ألف متر مكعب من مياه الصرف الصحي غير المعالجة أو المعالجة جزئيا إلى البحر يوميًا خلال عام 2016 (مكتب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية 2016). إضافة الى ذلك، فقد قامت دولة الاحتلال بشن ستة حروب واعتداءات مدمرة منذ عام 2008 وكان آخرها الحرب الحالية التي تشنها منذ الثامن من تشرين الأول 2023 حتى الآن وقد تسببت كلها في خسارة آلاف أرواح المدنيين من النساء والأطفال ودمار هائل في البنايات السكنية والبنية التحتية للمياه والصرف الصحي والطاقة والقطاعات ذات الصلة والخدمات الصحية وترك كميات هائلة من الركام والدمار، مما أثر بشكل كبير على البيئة وعلى كافة الخدمات الأساسية بما فيها خدمات الصرف الصحي وخدمات النفايات الصلبة والصحة لسكان قطاع غزة، وكذلك تسبب في تلويث الأراضي والمياه الجوفية ومياه البحر.
وقد أفادت بعض التقارير أن عدوان عام 2021 على قطاع غزة أدى الى تلويث هائل للبيئة، لا سيما بسبب النفايات الصلبة والخطرة، وتلوث الشاطئ والأراضي والتربة والهواء، حيث بلغت كمية الركام التي خلفها هذا العدوان حوالي 275,000 طن كما تسبّب العدوان في تلوث كبير للشاطئ بنسبة 85%، إذ تم تصريف نحو 70 ألف متر مكعب يوميًا من المياه غير المعالجة إلى الشاطئ أثناء 2021 حسب (المركز الفلسطيني للإعلام، 2021). وفي تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي عام 2017 فقد أشار الى أن الاعتداءات التي شنتها دولة الاحتلال على غزة بين 2008 و2014 قامت بتدمير حوالي 94% من إجمالي رأس المال في غزة، وبلغت تكلفة هذه الاعتداءات على غزة لذات الفترة ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لغزة على الأقل، (IMF, 2017).
وتجدر الإشارة إلى أن الحرب الحالية التي تشنها دولة الاحتلال على قطاع غزة هي الأعنف، حيث راح ضحيتها ما يزيد عن ستة وخمسون ألف شهيد وأكثر من مئة وثلاثين الف جريح من المدنيين خاصة من النساء والأطفال وتم تدمير أكثر من 90% من المباني السكنية ومعظم المباني العامة والمؤسسات التعليمية حيث تم تدمير 60 مبنى للجامعات الفلسطينية في غزة وتدمير 53 % من المستشفيات بشكل كلي أو إخراجها عن الخدمة و47% من تلك المتبقية تعمل بشكل جزئي ناهيك عن تدمير دور العبادة والبنى التحتية المتعلقة بالمياه والصرف الصحي حيث تم تدمير حوالي 89% منها وتسيطر على 74% مما تبقى من بنية تحتية ومنشآت مائية ضمن المناطق التي تسيطر عليها في قطاع غزة إضافة إلى التسبب في انعدام الأمن الغذائي بشكل حاد لحوالي 2.1 مليون فلسطيني في غزة (OCHA, 2025). وعلى صعيد آخر فقد تم تدمير حوالي 80.8% من الأراضي الزراعية والمحاصيل في قطاع غزة ولم يتبقى سوى 4.6% من الأراضي القابلة للزراعة (FAO 2025). بالإضافة الى ذلك فقد تعرض الفلسطينيين في قطاع غزة (وما زالوا حتى اللحظة) الى التهجير القسري الداخلي حيث تم إجبار أكثر من 1.9 مليون شخص من النزوح من منازلهم واللجوء إلى مراكز الإيواء والى العراء دون وجود أدنى مقومات الحياة. هذا وارتكبت دولة الاحتلال جرائم حرب كما فرضت سياسة عقاب جماعي على كافة سكان قطاع غزة حيث حرمتهم من الحصول على الغذاء والماء والدواء والوقود وكافة الاحتياجات الأساسية اللازمة لاستمرار الحياة (Al Haq, 2023). وتجدر الإشارة إلى أن الوضع الإنساني ازداد سوءًا بعد منع إدخال المساعدات الإنسانية منذ 18 آذار 2025.
وقد قامت دولة الاحتلال خلال الحرب الحالية بقطع المياه عن المواطنين الفلسطينيين في القطاع ودمرت البنية التحتية المتعلقة بها ومنعت وصول المساعدات الخارجية مما تسبب في نقص كميات المياه المتاحة للفرد بحوالي 94% حيث أن الفرد في القطاع يحصل على 4.5 لتر في اليوم حاليًا وهو تقريبًا نصف الكمية الموصى بها لاستمرار الحياة في حالات الطوارئ (منظمة اوكسفام 2024).
وتشكل هذه الأعمال الممنهجة من قبل دولة الاحتلال انتهاكًا مباشرًا للقوانين الدولية وخاصة القانون الدولي الإنساني ومواثيق حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في الحياة والحق في المياه والبيئة الامنة والخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة وحرية العبادة والوصول للمياه والطعام والدواء والحماية. وبصفتها القوة القائمة بالاحتلال، فإن على دولة الاحتلال التزامًات محددًة بوضوح بموجب القانون الدولي الإنساني وهي في نهاية المطاف مسؤولة عن ضمان أمن وسلامة الشعب الواقع تحت احتلالها وضمان حقه في بيئة سليمة وامنة وتوفير كافة الخدمات الأساسية من مسكن وطعام وماء ونظافة صحية وعلاج.
المراجع
● مكتب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية – اوتشا 2016.
● المركز الفلسطيني للإعلام، 2021.
● IMF, 2017
● Al Haq, 2023
● اوكسفام 2024
● OCHA, 2025
● FAO 2025