Nov 30, 2022
هل يعد الإعتراف الرسمي بالأقليات الدينية كافيًا؟ ‪-‬ سعد سلوم
سعد سلوم
مؤسس منظمة مسارات / أستاذ جامعي

الرجاء الضغط هنا لنبذة والمنشورات
سعد سلوم

هل يعد الإعتراف الرسمي بالأقليات الدينية كافيًا؟ ‪-‬ سعد سلوم



تسعى الأقليات الدينية غير المعترف بها رسميًا للمطالبة بذكرها في الدساتير أو على الأقل في التشريعات التي تصدر مستقبلا وتنظم حقوق الأقليات أو حرياتها الدينية. لكن سؤالا يُطرح في هذا السياق: هل يعد مجرد ذكر الأقليات في الدستور ضمانة لحقوق الأقليات ويشكل حماية لها؟



وإذا كان الإعتراف، بمعنى الاحترام الواجب لوضع جميع البشر بوصفهم اصحاب حقوق في حرية الدين او المعتقد،  ينبع من الكرامة المتأصلة في جميع افراد الاسرة البشرية. فإن ذلك يبدو صعب المنال في معظم بلدان الشرق الاوسط، اذ إن نطاق فهم حرية الدين والمعتقد يكون ضيقًا وحصريًا، ولا يتطابق مع الفهم الواسع لحرية الدين والمعتقد من جهة. كما إنه يتطلب تحقيق مستويات أخرى من الإعتراف لا تقل أهمية عن الإعتراف الرسمي.



الإعتراف الرسمي  ليس سوى خطوة أولى 



على الرغم من إن المادة 3 من الدستور العراقي لعام 2005 أشارت الى ان "العراق بلدٌ متعدد القوميات والأديان والمذاهب"، بالتالي أعتراف بالتعددية الدينية والقومية والمذهبية للمجتمع العراقي، الإ إن المادة المادة (2) ثانيا عادت لتؤسس وضعًا حصريًا لبعض الأقليات الدينية دون غيرها، إذ ذكرت بإن هذا الدستور يضمن "الحفاظ على الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي، كما ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية، كالمسيحيين، والايزيديين، والصابئة المندائيين".



يعد ذكر أقليات بعينها في الدستور تحديدا حصريا للإقليات المعترف بها رسميا، على نحو يثير مخاوف الاقليات غير المذكورة في المادة الدستورية. لذا، كانت هناك مطالبات لذكرها في التعديلات الدستورية مثل: الزرداشتيين، البهائيين والكاكائيين.  ومع إن أهمية  هذا المستوى من الإعتراف تكمن في ضمانه إعتراف الدولة بوضع الشخصية القانونية للطوائف الدينية على نحو تكون فيه قادرة على اتخاذ اجراءات قانونية جماعية. فإنه يزداد أهمية في حال حظر بعض الاديان كما هو حال البهائية التي تواجه حظرا تشريعيًا منذ زمن نظام البعث (قانون تحريم النشاط البهائي لعام 1970)، أو في حال وجود تحديات تخص طوائف دينية غير معترف بها، من قبل، مثل الزرداشتيين والكاكائيين، بل حتى في حالة وجود فيتو من قبل بعض الطوائف الدينية الرسمية ضد طوائف أخرى توصف بكونها "وافدة" أو غير معترف بها (الكنائس الانجيلية التي ترفض وجودها الطوائف المسيحية المعترف بها رسميا). 



وعلى صعيد مقارن، يبدو الاعتراف بالاقليات الدينية في اقليم كردستان العراق، اشمل نطاقا، إذ نص "قانون رقم 5 لسنة 2015 حول حماية حقوق المكونات في  اقليم كوردستان – العراق"  في المادة 1 الفقرة ثانيا على الاعتراف بالمجموعات الدينية والطائفية (المسيحية والايزيدية والصابئة المندائية والكاكائية والشبك والفيليين والزرادشتية وغيرها) بوصفهم من مواطني كردستان العراق. وهو ما يترك أملا للأقليات التي لم يتم ذكرها في الدستور، في أن لا يتم أغفالها في حال صدور تشريع مماثل من قبل البرلمان الإتحادي.




إعتراف المؤسسة الدينية لا يقل اهمية


ترى الأقليات الدينية بأن الاعتراف الرسمي لا يزال منقوصا دون اعتراف المؤسسة الدينية الاسلامية بديانتهم على قدم المساواة، كما هو حال المندائيين (أتباع يوحنا المعمدان) في العراق الذين يطالبون بالإعتراف بهم  كدين توحيدي. وكان هذا احد الدوافع الاساسية لترجمتهم كتابهم المقدس "كنزا ربا" الى اللغة العربية ونشره في العام 2000 م. على حد ما أخبرني به أحد اعضاء اللجنة المشرفة على ترجمة الكتاب. وأضاف إن  المندائيين  قد شعروا بضرورة ترجمة كتابهم المقدس بلغة يفهمها الآخر لكي يتم الرد على كل الاسئلة ذات الطابع الاتهامي والتصدي للصور النمطية الخاطئة عن المندائيين. وقد اصبح لترجمة الكتاب المقدس تأثير ايجابي في موقف المرجعيات الدينية الاسلامية من معتقداتهم في الأعوام اللاحقة، وأسهمت في توضيح معتقداتها التوحيدية، وقد ارسلوا نسخا من  الكتاب المقدس إلى العديد من المرجعيات الروحية الإسلامية في العراق وأيران ومصر، إذ تم إيصال نسخ من الكتاب إلى شيخ الأزهر الشريف في القاهرة الشيخ "محمد طنطاوي"، وحتى أنهم أهدوا نسخاً إلى رؤساء الدول العربية، والشخصيات الثقافية على مستوى العالم العربي.



كذلك حاول الأيزيديون الحصول على الحد الادنى من انتباه المؤسسة الدينية الاسلامية من خلال أدانة افعال تنظيم داعش  ضد الأيزيديين، اذ نجحت الناجية الأيزيدية  والتي حازت على جائزة نوبل للسلام (نادية مراد) في مقابلة شيخ الازهر الامام (احمد الطيب)، لكن مطالب الإيزيديين كانت  تتجه بإتجاه رفع ادانة المرجعيات الإسلامية لسلوك داعش الإجرامي إتجاه الأقليات الدينية غير المسلمة الى مرتبة فتوى للإعتراف بالديانة الأيزيدية كديانة توحيدية.  فقد كانوا يشعرون بإن مجرد ذكرهم في الدستور لا يشكل حماية كافية لهم. 



الإعتراف الاجتماعي ومواجهة خطابات الكراهية 

 

 لا يمكن اختصار نظام الاعتراف بالمستوى الرسمي القانوني في الدستور او التشريعات او بمستواه السياسي من خلال منح كوتا في البرلمان، إذ يتطلب الاعتراف لكي يؤكد المساواة وانعدام التمييز على المستوى الاجتماعي الاوسع تصحيح الصورة النمطية والمشوهة عن بقية الأقليات الدينية. لذا، يتطلب الاعتراف على المستوى الاجتماعي، بما يعزز القبول الشعبي، الشروع بإزالة طبقات من الأحكام المسبقة والأفكار الخاطئة، فالجهل بمعتقدات  الاقليات الدينية واستمرار الصور النمطية وتشويه الآخر يستعمل  مبررا للتمييز ضدهم واستهدافهم وانتهاك حقوقهم، وسلبهم إنسانيتهم.



على سبيل المثال تتمحور مجموعة من الأساطير والأوهام عن طبيعة معتقدات المسيحين الدينية ومكانة التوحيد في اللاهوت المسيحي، وتنسج أوهام حول طبيعة علاقتهم بالغرب المسيحي. وتبدو خطورة النتائج  المترتبة على بعض هذه الصور النمطية  من ربطها بما يحدث من تحولات سياسية في البلاد، مثل محاولة تحميل مسيحيي العراق جزءا من مسؤولية الاحتلال الأميركي، واستهدافهم كونهم يعتنقون دين المحتل، وذلك من دون النظر إلى طبيعة الاختلافات بين المسيحية الشرقية والغربية، والتوظيف السياسي للدين في الصراع بين الغرب والشرق.



وكثيرا ما يساء فهم معتقدات الأيزيديين وتوضع تحت مرصد التشكيك، وتبرز طبقات من الصور النمطية والأحكام الجاهزة على هذه الجماعة الدينية  المنكوبة. ولعل أشهر الصور النمطية عن الأيزيديين وأخطرها، هي كونهم ديانة تقوم على عبادة الشيطان، وتقع عند هذه الظاهرة مصدر جميع الأوهام والأخطاء الشائعة عن معتقدات الأيزيديين بوصفهم يعبدون إله الشر. 



يشكل التصدي لهذه الصور النمطية عن طريق تعديل المناهج الدراسية العامة والتعريف بالمعتقدات الدينية، فضلا عن توفير منصات عن طريق وسائل الاعلام العامة، احدى المهام الملقاة على عاتق الدولة من اجل مقاومة التمييز  ضد الأقليات الدينية وترسيخ القبول الاجتماعي.  وبغية إزالة هذه الصور النمطية لا بد من حراك ثقافي واسع لتصحيح هذه الصور، فتحسين التمثيل والمشاركة السياسية ليس كافيا من دون العمل على إزالة الأفكار الخاطئة والمشوهة عن الأقليات من خلال إصلاح المناهج الدراسية على نحو يعرف بالأقليات ودورها، وبما يمثل شكلا من الاعتراف من جهة، ومحاولة لإزالة اللبس وتصحيح الأفكار الخاطئة والصور النمطية.



يتضح مما تقدم، بإن تكامل المستويات الثلاث للإعتراف: المستوى الرسمي، ومستوى الإعتراف من قبل المؤسسة الدينية الإسلامية، وأخيرا مستوى الإعتراف الإجتماعي، كفيل بتحقيق قدر من المساواة  والإنصاف، ناهيك عن مقاومة  الصور النمطية واحتواء خطابات الكراهية ضد الأخر المختلف دينيا.



سعد سلوم



روابط ذات صلة:


قانون تحريم النشاط البهائي رقم (105) لسنة 1970  ‪-‬ رابط


قانون رقم (5) لسنة 2015 (حماية حقوق المكونات في كوردستان-العراق)، الصادر بقرار رئاسة اقليم اقليم كوردستان-العراق، رقم 9 لسنة 2015. ‪-‬رابط


مقابلة نادية مراد مع شيخ الازهر ‪-‬رابط


التعرف بالاقليات الدينية من خلال المناهج الدراسية وعلاقته بالاعتراف ‪-‬ رابط


تأخر الاعتراف الرسمي بالأقليات في العراق... تعزيز لمشاعر الخوف والهويات المذهبية ‪-‬ رابط


بعض الصور النمطية عن المندائيين ‪-‬ رابط




احدث المنشورات
Dec 16, 2024
الأوضاع في السودان بعد اندلاع الحرب: مقدمة
Dec 16, 2024
تأثير الحرب على الأوضاع السياسية ومسار التحول الديمقراطي في السودان - د. محمد إبراهيم الحسن