Feb 28, 2023
قضية تغير المناخ بين تعويضات الكوارث وتمويلات الحروب
حبيب معلوف
كاتب وصحافي بيئي

الرجاء الضغط هنا لنبذة والمنشورات
حبيب معلوف

قضية تغير المناخ بين تعويضات الكوارث وتمويلات الحروب - حبيب معلوف


لم يعد مصطلح "تغير المناخ" كافيا ووافيا للتعبير عن أكبر قضية تواجه البشرية في تاريخها. لقد انتقل العالم في السنوات الأخيرة من قضية "تغير المناخ" العالمية، الى "الكوارث المناخية" الفعلية. في التقارير الدولية الصادرة عن "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" والتي وصل عددها الى 6 تقارير خلال أكثر ربع قرن، بمعدل إنتاج تقرير كل خمس سنوات تقريبا، كان واضحا الاتجاه التحذيري من عواقب تغير المناخ، بوضع السيناريوهات التي كانت تنبه من زيادة حرارة الأرض وحرائق الغابات والجفاف وزيادة الأعاصير والفيضانات وذوبان الجليد وارتفاع منسوب مياه البحار وتهديد بلدان جزرية وشواطئ مدن عريقة … بالإضافة الى زيادة شراسة الفيروسات وخلق امراض جديدة… بالإضافة الى تأكيد هذه التقارير على مسؤولية الحضارة الانسانية وتمييز الكوارث المناخية الانسانية عن تلك الكوارث الطبيعية التي عرفتها البشرية. كثيرة هي الاتفاقيات والمؤتمرات الدولية التي عقدت من اجل مقاربة تغير المناخ، الا أن هذه القضية لا تزال حتى الرقم 27 من الجولات الدولية للمفاوضات برعاية الامم المتحدة التي عقدت نهاية العام الماضي في شرم الشيخ، لا تزال بحالة تراجع مستمر لناحية ضبط زيادة الانبعاثات او لناحية زيادة الكوارث المناخية. فكيف يمكن تقييم ما حصل في شرم الشيخ، واي افق للكوب 28 الذي سيعقد مرة اخرى في المنطقة العربية في الإمارات العربية نهاية هذا العام.


لتقييم اي من الاجتماعات السنوية للدول الأطراف الملتزمة بالاتفاقية الإطارية لتغير المناخ العام 1992 واتفاقية باريس العام 2015، لا بد اولا من رصد مدى الالتزام بهذه الاتفاقيات، بالاضافة الى رصد السياسات الحقيقية للدول.


عادة يتم تقييم 4 محاور اساسية لقياس مدى الالتزام فيها. المحور الأول هو "التخفيف"، اي قياس مدى تعهد والتزام وتنفيذ الدول للإجراءات المخففة من الانبعاثات المسببة بقضية تغير المناخ. وقد بينت قمة شرم الشيخ أن هناك تراجع بدل التقدم عن تعهدات الكوب 26 الذي عقد قبل عام في غلاسكو، اذ زاد الاعتماد على الفحم الحجري على سبيل المثال بدل أن ينخفض، بسبب الحرب الروسية الاوكرانية وتعثر نقل الغاز الروسي الى أوروبا بشكل او بآخر، مما يعني زيادة الانبعاثات ايضا بدل تراجعها. وهذا ما اكدته تقارير الامم المتحدة المتعلقة بـ "فجوة الانبعاثات" التي عرضت في القمة. اما المحور الثاني المتعلق بـ "التكيف"، والذي يعتبر الرهان رقم واحد عند البلدان النامية من اجل تجنب الآثار المدمرة لتغير المناخ، والمطالبة بان تكون حصة التمويل مناصفة بين التخفيف والتكيف من البلدان الصناعية المتقدمة (بدل أن يكون حصة التكيف الربع) فلم تنجح البلدان النامية في مسعاها هذا في المفاوضات. اما في المحور الثالث المتعلق بـ "التمويل"، فقد تبين أن الدول المتقدمة لم تف بالتزاماتها (منذ العام 2009 في قمة كوبنهاغن) لدفع مئة مليار دولار للدول النامية ابتدأ من العام 2020، وقد تبين في شرم الشيخ، حسب تقرير "اوكسفام" الدولية أن حجم التمويل المقدم منذ العام 2020 يقارب 70 مليار دولار فقط (بدل مئة مليار كل سنة بعد العام 2020) وهو في معظمه قروض وليس هبات، يزيد من ديون البلدان النامية بدل إعفائها منها ايضا. اما المحور الرابع الذي كان يعنى بنقل التكنولوجيا الصديقة للبيئة من الدول المتقدمة الى الدول النامية من دون قيود ترفضها منظمة التجارة العالمية ومن دون حماية حقوق الملكية الفكرية، فلم يعد مدرجا على جدول الأعمال، بعد أن ترك الأمر للقطاع الخاص وليس للدول!


كما لم يتم التوافق في قمة شرم الشيخ على متابعة ما اقرته قمة غلاسكو قبل عام لاسيما حول وضع أسس التخفيض التدريجي للوقود الأحفوري بكل أشكاله ولا حصل اي تقدم في موضوع تمويل الحفاظ على الغابات وضبط التوسع في إزالتها، ولا زيادة الالتزامات لتحقيق هدف البقاء على درجة حرارة الأرض بحدود درجة ونصف.


اما "الانجاز" الذي تحقق من قمة شرم الشيخ، والذي اعتبر من اهم مقررات هذه القمة، فهو في الموافقة على إنشاء صندوق "الخسائر والاضرار" لمساعدة الدول النامية على معالجة آثار التغيرات المناخية، وقد جاء هذا "الانجاز" تحت ضغط اول تقييم من نوعه لخسائر واضرار الفيضانات التي ضربت باكستان (قبيل انعقاد قمة شرم الشيخ) والتي تم تقدير كلفة خسائرها وأضرارها بين 30 و40 مليار دولار اميركي. مع العلم أن تحديد الخسائر الكوارث المناخية يشمل عادة الخسائر الاقتصادية مثل المنازل والاراضي والمزارع والشركات، والخسائر غير الاقتصادية كخسارة الارواح او خسارة المواقع الثقافية والتراثية او فقدان التنوع البيولوجي… ولا يشمل مسألة انقراض الأنواع التي لا تقدر بثمن.


ليست المرة الأولى التي طرح فيها موضوع الخسائر والاضرار، فبعد الإعصار الكبير الذي ضرب الفلبين قبيل انعقاد قمة وارسو المناخية ال19 العام 2013، طرح موضوع الخسائر والأضرار بقوة. في تلك القمة تم تبني آلية وارسو الدولية لمواجهة الخسائر والأضرار التي تصيب البشرية والبيئة على الرغم من الخلافات الكبيرة بين بلدان الشمال والجنوب حول الطبيعة القانونية لهذه الآلية. إلا أن الموقف الأميركي آنذاك الذي احال هذا الملف الى شركات التامين العالمية، قطع الطريق على استمرار النقاش الذي كان يهدف في نهايته إلى تحديد من يتحمل المسؤوليات التاريخية عن تغير المناخ، كون هذه الانبعاثات في طبيعتها متراكمة في الغلاف الجوي.


كان الهدف من قمة شرم الشيخ أن تكون "قمة التنفيذ". وهو الشعار الذي رفعته القيادة المصرية التي كانت ترأس القمة للدفع باتجاه تنفيذ الدول التزاماتها. انطلاقا من هذا المقياس، يمكن أيضا القول أن القمة قد فشلت في ان تكون تنفيذية، او حتى متابعة لما تم التأسيس له في الكوب ٢٦ في غلاسكو قبل عام، لاسيما لناحية البدء التدريجي بخفض تمويل الاستثمار في الوقود الأحفوري والتراجع عن الفحم الحجري تحديدا. صحيح أن ذلك كان ناجما عن الحرب الروسية الاوكرانية وعودة أوروبا الفحم الحجري تعويضا عن الغاز الروسي، الا أن ما سمي تقدم او انجاز بوضع موضوع الخسائر والأضرار على جدول الأعمال اسس لمشكلة جديدة او أعاد تجديد الجدل الذي كان مؤجلا من قمم سابقة، بين البلدان المتقدمة وتلك النامية عن كيفية ترجمة مسؤوليتها التاريخية، التي باتت تعني تحمل البلدان المتقدمة مسؤولية التعويض عن الخسائر والأضرار التي تسببت بها أثناء تقدمها.


هذه المشاكل تبدأ حول كيفية تصنيف الكوارث وكيفية التمييز بين تلك "المناخية" من جهة و"الطبيعية" من جهة أخرى. ثم مشكلة كيفية تقديرها ومن سيقوم بهذه التقديرات. ومن ثم تحديد المسؤوليات والجواب على سؤال: من يجب أن يدفع التعويضات؟ واي إطار قانوني او مرجعية قضائية يفترض اللجوء إليها عندما تتمنع الدول المسؤولة عن دفع هذه التعويضات الضخمة؟ ثم كيف سيتم التمييز والاحتساب بين المسؤوليات التاريخية وتلك المستجدة؟ فإذا تم اعتماد معيار المسؤولية التاريخية عن الانبعاثات على اساس انها متراكمة في الجو منذ الثورة الصناعية، كسنة معيارية، تكون الولايات المتحدة الأميركية هي اولا (مع الاتحاد الأوروبي واليابان)، وهي الحالة التي تغيرت بعد العام 2007 حين أصبحت الصين هي الأولى في العالم في مستويات انبعاثاتها المتسببة بتغير المناخ. فمن سيعوض الكوارث المناخية والتي قدرتها "جمعية الخسائر والأضرار" الدولية بتريليونات الدولارات؟ وكيف ستتابع قمة دبي هذه القضايا نهاية هذا العام في ظل أجواء الحروب شبه العالمية المستمرة التي تصرف فيها "تعويضات المناخ" على التسلح وإعادة الإعمار لاحقا؟!


حبيب معلوف

احدث المنشورات
Dec 07, 2024
النشرة الشهرية لشهر تشرين الثاني/نوفمبر 2024
Dec 03, 2024
الديون السيادية في المنطقة العربية: بين استدامتها وعدالة السياسات الضريبية - أحمد محمد عوض
منشورات ذات صلة
Nov 30, 2022
التمويل في كوب 27: انتصار ينتظر تغييرًا نظاميًا، فلننتزع جهود التغير المناخي من براثن الممولين - وائل جمال
Apr 03, 2023
ضعف تمويل التكيف والتخفيف فاقم الخسائر والاضرار - لنصوب المسار - هلا مراد