زيادة مقلقة في الهجرة اللانظامية عن طريق البحر من لبنان![i] - إبراهيم الجوهري
أدت الاضطرابات الحالية في الشرق الأوسط والعالم إلى توسّع الهجرة اللانظامية حول الكوكب، لتصل إلى 200000 مهاجر/ة لانظامي/ة في عام 2021 ، وهو أعلى مستوى منذ 2017. وفي ذات الوقت، تسببت الأزمة المستمرة في لبنان والدول المجاورة في زيادة موازية، وأكثر حدة، في الهجرة اللانظامية إلى أوروبا من الشواطئ اللبنانية. هذه الزيادة في التنقل أدّت إلى زيادة كراهية الأجانب في بلدان مقصد وعبور المهاجرين، مما سمح بتسييس قضية الهجرة، ضمن الحاجة الملحة لبيانات دقيقة وموثوقة حول الظاهرة لإيجاد الحلول المناسبة التي يمكن أن تترجم إلى سياسات مناسبة.
للإسهام في هذا المجال، كتب السيد إبراهيم الجوهري والدكتورة ياسمين ليليان دياب ورقة بحثية شاملة حول الموضوع، بتمويل من مؤسسة فريدريش ناومان مدريد ومجموعة سياسات الهجرة التابعة لها.يهدف التقرير بشكل أساسي لمسح وتتبع مجمل محاولات الهجرة البحرية اللانظامية التي تبدأ من لبنان باتجاه أوروبا بالاعتماد على البيانات الرسمية الدقيقة وتقديمها بنسق شفاف، وسهل الاستخدام يسهل الوصول إليه وقابل للنشر للعموم.[ii]
كما قارنت ورقة البحث هذه بياناتها مع معلومات أخرى من مصادر دولية مثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة وفرونتكس لتحليلها بشكل مأمون واستخلاص الاستنتاجات اللازمة وتأكيد الاتجاهات المتغيرة لتوفير معلومات موثوقة للمنظمات غير الحكومية الدولية والمؤسسات العامة ووسائل الإعلام ومراكز الفكر والرأي والجمهور بشكل عام. ويكتسب هذا الجهد أهمية حاسمة في الوصول إلى استنتاجات منطقية وعقلانية وإيجاد الحلول المناسبة لمشكلة دولية متنامية تهدد حماية حقوق الإنسان باستمرار.
نزوح جماعي بسبب الأزمة الاقتصادية المستمرة
كشف هذا البحث عن ارتفاع كبير في وتيرة الهجرة اللانظامية من لبنان عن طريق البحر، مدفوعة بالأزمة الاقتصادية والمالية والمصرفية الحادة المستمرة في البلد، والتي وصفها البنك الدولي بأنها "من المُرجّح أن تُصنّف هذه الأزمة الاقتصادية والمالية ضمن أشد ثلاث أزمات على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر."[iii] وفعلًا، فقدت العملة اللبنانية أكثر من 90٪ من قيمتها، وانخفضت من 1500 إلى 80.000 ليرة لبنانية للدولار الأمريكي، وفي عام 2022، كان التضخم قد بلغ 40٪،[iv] مما جعل أجور الناس بلا قيمة تقريبًا. ووفقًا للبنك الدولي ، تقلص الاقتصاد اللبناني خلال هذه الأزمة المستمرة بنسبة 10.5 في عام 2021، و25.9 في عام 2020 و6.9 في 2019. وقد أدت الأزمة الاقتصادية المطولة إلى انخفاض ملحوظ في الدخل المتاح، حيث انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 36.5٪ بين عامي 2019 و 2021، وأعاد البنك الدولي تصنيف لبنان كدولة ذات دخل متوسط منخفض، متراجعًا من فئة الدخل المتوسط الأعلى الذي وصله في تموز/يوليو 2022.[v]
في غضون ذلك ، وقع أكثر من 45٪ من اللبنانيين تحت خط الفقر، حيث يحصلون على أقل من 3.1 دولار أمريكي في اليوم. كما يعيش 22٪ من سكان البلد تحت خط الفقر المدقع مع تحليق معدلات البطالة. وقد تضررت طرابلس وشمال لبنان أكثر من جراء الأزمة: حيث يعيش 74٪ من الأسر تحت خط الفقر في عاصمة الشمال.[vi] ونتيجة لذلك، ازدادت الهجرة بشكل كبير بسبب تدهور الوضع، ونقص فرص العمل، وقلة الآفاق الاقتصادية. ووفقًا لإحصاءات البنك الدولي، شهد لبنان صافي هجرة سلبي منذ عام 2015 ، حيث يفقد أكثر من 200 ألف مقيم سنويًا.[vii]
أثرت هذه الأزمة الممتدة أيضًا على معدل النمو السكاني، الذي أصبح سلبيًا منذ عام 2015 وتراوح بين -2٪ سنويًا في ذلك العام و-2.8٪ في عام 2019 مع بداية الأزمة. هكذا دفعت تلك العوامل اللبنانيين إلى مغادرة بلدهم بحثًا عن فرص أفضل. وفي استطلاع حديث نظمته LKA Lebanon، رأى 94٪ من اللبنانيين أن البلد يسير في الاتجاه الخاطئ.[viii] وعبّر 61٪ من العينة التمثيلية عن نية الهجرة في السنوات الثلاث المقبلة.
ارتفاع في عدد المحاولات والضحايا
بالنتيجة، ليس من المستغرب أن يزداد عدد محاولات الهجرة اللانظامية بشكل كبير. حيث تُظهر البيانات بشكل لا لبس فيه زيادة سنوية كبيرة في أعداد السفن والأفراد الذين يحاولون الهجرة من شواطئ لبنان، الاتجاه الذي ينعكس في جميع مجموعات البيانات والمصادر المتاحة.
للأسف، ومع زيادة عدد محاولات الهجرة، يتزايد عدد الضحايا بشكل ملحوظ لأن الطلب على الهجرة يزداد باستمرار ويميل المهربون إلى وضع أعداد أكبر على القوارب، حيث ارتفعت الأعداد من 6 ضحايا في 2019 إلى 28 في 2020 لتصل إلى 157 في 2022.[ix]
من ناحية أخرى، أظهرت البيانات التي جمعها مشروع البحث زيادة كبيرة في عدد المهاجرين اللبنانيين بالأرقام المطلقة وكنسبة من جميع المهاجرين الذين يغادرون الشواطئ اللبنانية. فقد كان معظم المهاجرين من السوريين في السنوات السابقة، باالإضافة إلى عدد محدود من الفلسطينيين. إنما في أعقاب الأزمة الاقتصادية في لبنان التي بدأت في أواخر عام 2019، ارتفع عدد ونسبة المهاجرين اللبنانيين على القوارب المتجهة من لبنان بشكل سنوي. وبحسب أرقام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين العام الماضي، فإن 62٪ من المهاجرين اللانظاميين من لبنان هم سوريون، و11٪ فلسطينيون، و28٪ لبنانيون. وكان هذا الرقم قد ارتفع سنة بعد سنة: في عام 2021، كان المهاجرون اللبنانيون يشكلون 11٪ (186 من 1570)، وأصبحوا 18٪ (148 من 794) في عام 2020.[x]
التوجه إلى إيطاليا
كشفت هذه الدراسة أيضًا عن تغيّر في نمط الهجرة اللانظامية إلى خارج لبنان. وأظهرت بياناتنا، المدعومة ببيانات فرونتكس، أنه منذ عام 2020، حاول المهاجرون الوصول إلى شواطئ أبعد، وإلى إيطاليا بوتيرة متزايدة. والسبب الرئيسي هو توقيع قبرص ولبنان اتفاقية هجرة في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2020، تسمح لقبرص بإعادة جميع المهاجرين على متن القوارب التي تحاول الوصول إلى قبرص من لبنان. وتعكس بيانات فرونتكس هذه النتيجة من خلال إظهار زيادة حادة في المهاجرين اللبنانيين الذين يصلون إلى إيطاليا عبر الطريق المركزي اعتبارًا من عام 2020 متجاوزين أرقام الوافدين من الطريق الشرقي (اليونان وقبرص) في عامي 2021 و2022.[xi]
تكلفة المحاولات
وبحسب البيانات التي جمعها المشروع، تراوحت تكلفة محاولات الهجرة السرية من لبنان بين 3000 دولارًا و7000 دولارًا أمريكيًا، بمتوسط يبلغ حوالي 4500 دولارًأ. وكانت عدة تقارير صحافية، أبرزها في المفكرة القانونية ومحطة الحرة، قد تحدثت عن أرقام مماثلة، حيث تحدث تقرير المفكرة القانونية عن متوسط تكلفة يبلغ 5000 دولارًا وعدّد التكاليف الأخرى المرتبطة بمحاولة الرحيل. وذكر التقرير أن "القارب يمكن أن يكلف حوالي 35000 دولار أمريكي إلى 50000 دولار أمريكي للقوارب الكبيرة. وتبلغ رسوم القبطان 30000 دولارًأ أمريكيًا، والتي تكلف 25000 دولارًا أمريكيًا لرشوة قوات الأمن ومشغلي الرادار، و15000 دولارًا أمريكيًا للوقود والمياه".[xii]
خاتمة
مع استمرار المأزق السياسي وغياب الإصلاحات الجادة، من المتوقع أن تتفاقم الأزمة على المدى القصير وحتى على المدى المتوسط. وبالتالي، فإننا نتطلع إلى زيادة مطردة في عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين يغادرون لبنان. قد تصل الأرقام، للأسف، إلى 10000 مهاجر مسجل يحاولون مغادرة لبنان في عام 2023 باستخدام أكثر من 50 قارباً!
بالإضافة إلى ذلك، ستتجه معظم المحاولات نحو الشواطئ البعيدة لإيطاليا لأنها توفر أفضل الفرص لدخول أوروبا مع احتمالات منخفضة للرد والعودة. ومع الزيادة الحادة في المحاولات وتوجه معظمها نحو إيطاليا، سيرتفع، للأسف، عدد الضحايا كذلك، متجاوزًا 157 قتيلًا في عام 2022.
إنها أزمة ناشئة خطيرة يجب البحث عنها ومناقشتها ولفت انتباه المنظمات غير الحكومية المحلية والإقليمية والدولية والمؤسسات العامة والجامعات ومراكز الفكر والجمهور عامة! في محاولة لإيجاد التوصيات السياسة المناسبة والحلول اللاحقة.
المصادر
[i] تستند هذه المقالة إلى ورقة بحثية أكبر حول الهجرة، وقد تم تعديلها للإيجاز والوضوح.
[ii] يمكن الاطلاع على التقرير هنا: https://www.freiheit.org/publikation/conflict-crisis-and-migration.
[iii] https://www.albankaldawli.org/ar/news/press-release/2021/05/01/lebanon-sinking-into-one-of-the-most-severe-global-crises-episodes.
[iv] https://blog.blominvestbank.com/43040/lebanons-inflation-rate-reached-239-68-by-january-2022/.
[v] https://www.worldbank.org/en/country/lebanon/overview.
[vi] https://www.refugeesintowns.org/all-reports/tripoli.
[vii] https://www.worldbank.org/en/country/lebanon/overview.
[viii] أجري هذا الإحصاء في أيلول/سبتمبر 2022 من قبل ELKA Lebanon، وهي شركة إحصائية جديدة، بناءً على عينة تمثيلية وطنية من 800. لمزيد من المعلومات: http://elka-lebanon.com.
[ix] https://today.lorientlejour.com/article/1312253/the-new-routes-and-rising-numbers-of-would-be-migrants-leaving-lebanon.html.
[x] https://www.ansamed.info/ansamed/en/news/sections/generalnews/2023/01/09/irregular-migrants-from-lebanon-176-in-2022-un_1a6388a4-cf03-40cd-b420-111071012d09.html
[xi] https://www.annahar.com/english/section/830-in-the-news/06102020061341531.
[xii] https://www.annahar.com/english/section/830-in-the-news/06102020061341531