Nov 19, 2025
تعزيز التعددية من أجل التنمية: نحو مراجعة لدور مؤسسات بريتون وودز في عالم يتصاعد فيه الاستقطاب - حسن شرّي
حسن شرّي
أستاذ مساعد

الرجاء الضغط هنا لنبذة والمنشورات
حسن شرّي

تعزيز التعددية من أجل التنمية: نحو مراجعة لدور مؤسسات بريتون وودز في عالم يتصاعد فيه الاستقطاب - حسن شرّي


انعقدت الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لعام 2025 في واشنطن العاصمة في الفترة من 13 إلى 18 أكتوبر/تشرين الأول، في ظل استمرار حالة عدم الاستقرار الاقتصادي والجيوسياسي العالمي، بما في ذلك تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وارتفاع مستويات الدين العام (المتوقع أن يتجاوز الدين العام العالمي 100% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2029)، وتقلص الحيز المالي للدول النامية، إلى جانب الانخفاض الحاد في المساعدات الإنمائية الرسمية والإقراض الميسّر في ظل تصاعد النزعة العسكرية عالميًا، مما يزيد من صعوبة تمويل الاستثمار العام وتلبية احتياجات التنمية المستدامة والخدمات الأساسية.


في هذا السياق، يقدّم صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي حلولًا من خلال نهجهما الثلاثي الركائز (Three-Pillar Approach)، الذي طُرح قبل عام في أكتوبر/تشرين الأول 2024، وهو نهجٌ يُعد وسيلة لمواجهة التحديات المرتبطة بانخفاض النمو، وضعف خلق فرص العمل، وارتفاع مستويات الدين، ولا سيما في البلدان النامية.


ينص هذا النهج على أن تحقيق الأهداف المنشودة يتم من خلال التمويل الخاص وتعبئة الموارد المحلية. وبشكل عام، ينظر البنك الدولي إلى خلق فرص العمل بوصفه السبيل الأمثل نحو عالم خالٍ من الفقر على كوكب صالح للعيش، في حين يظل صندوق النقد الدولي متمسكًا بوصفاته التقليدية القائمة على التقشف وتعبئة رأس المال الخاص لسد فجوات التمويل، والتي طُرحت مجددًا كحلٍ لتدهور التوقعات الاقتصادية العالمية، وارتفاع مستويات الديون، وتزايد "عدم اليقين"، وضعف النمو.


قد تبدو هذه الوصفات ضرورية من منظور استقرار الاقتصاد الكلي، لكنها غالبًا ما تُخفي تداعيات مهمة؛ إذ تُخاطر دول المنطقة بالتخلف عن الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالتنمية المستدامة، كما تُظهر التقارير التالية:

·       اليونيسف (2022): تنفق سبع دول عربية على خدمة الدين أكثر مما تنفقه على الصحة والتعليم مجتمعين (جيبوتي، مصر، لبنان، المغرب، السودان، تونس، اليمن).

·       المنتدى الاقتصادي العالمي (2024): لم تحقق 14 دولة عربية أيًّا من أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2022.

·       الإسكوا (2024): بالوتيرة الحالية، تحتاج المنطقة إلى ستين عامًا إضافية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.


اللافت أن صندوق النقد الدولي نفسه يُقر ضمنيًا بالآثار السلبية للتقشف غير القائم على التمييز بين الإنفاق الجيد والإنفاق غير الضروري؛ إذ يدعو تقرير الراصد المالي بعنوان "الإنفاق بشكل أذكى: كيف تؤدي كفاءة الإنفاق العام وحسن تخصيصه إلى دفع عجلة النمو الاقتصادي" إلى زيادة تمويل التعليم من أجل بناء "رأس مال بشري" طويل الأجل.


من هنا، تتزايد التناقضات بالنسبة لصندوق النقد الدولي، الذي تستند ولايته إلى ضمان النمو والاستقرار الاقتصادي العالمي، غير أن نصائحه لا تزال تدعم النهج ذاته. ويُثار هنا سؤال جوهري: ألا توجد خيارات أخرى أمام الصندوق غير التقشف الصارم؟ وهل يمكن لحكومات المنطقة التمييز بوضوح بين التقشف "الجيد" الذي يحد من الإنفاق غير المنتج الناتج عن المحسوبية والسعي وراء الريع، والتقشف "السيئ" الذي يمسّ مباشرة قدرة الناس على الحصول على تعليم لائق، وخدمات صحية، وبنية تحتية أساسية؟


أما فيما يتعلق بارتفاع الدين العام وصعوبة التنسيق مع الدائنين من القطاع الخاص، وهو أحد أبرز التحديات التي تواجه عمليات إعادة هيكلة الديون في دول الجنوب، فهل يعجز صندوق النقد الدولي عن دعم إنشاء آلية لإعادة هيكلة الديون السيادية تحت إشراف الأمم المتحدة؟

وفي ما يخص تعبئة الموارد المحلية (الضرائب)، ألا يمكن للصندوق دعم التوصل إلى اتفاقية إطارية للأمم المتحدة بشأن التعاون الضريبي الدولي تُسهم فعليًا في تحقيق التنمية؟

الفكرة بسيطة: لمؤسسات بريتون وودز دور محوري في جعل التنمية المستدامة هدفًا قابلاً للتحقيق، ويمكن جعل قروضها متوافقة مع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والتنمية.


فبعد مؤتمر الأمم المتحدة الرابع لتمويل التنمية في إشبيلية، لم ينفّذ صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بعدُ المسؤوليات الموكلة إليهما بموجب التزام إشبيلية. وفي هذا الصدد، تُدعى المؤسسات الدولية، ومن ورائها كبار صناع القرار في النظام المالي العالمي الحالي، إلى تقديم حلولٍ دائمةٍ، عادلةٍ، وشاملة.


إن مواجهة التحديات التنموية المشتركة على المستويات المحلي والإقليمي والدولي تتطلب التزامًا سياسيًا مشتركًا يرتكز على مبادئ الانفتاح والتشاور والتضامن بين الدول. وفي عالمٍ تتخذ فيه المشكلات طابعًا عالميًا، يصبح التعاون الدولي ضرورة لا غنى عنها. ومن هذا المنطلق، يغدو تجديد التعددية (Multilateralism) في مواجهة الاستقطاب (Polarisation) أمرًا لا بدّ منه. فتعزيز الحوكمة الاقتصادية العالمية الديمقراطية لا يمكن أن يتحقق إلا ضمن نظامٍ متعدد الأطراف يعكس قراراته أصوات ومصالح جميع الدول، لا مصالح قلةٍ محدودة.

 

احدث المنشورات
Nov 17, 2025
التضامن النسوي: دعوة إلى النقاش - منار زعيتر
Nov 17, 2025
في رمزية تعيين أول رئيسة حكومة عربية في تونس - اعتدال مجبري