
المشهد المتغير لأزمة اللاجئين السوريين: تداعيات التغيرات الأخيرة وسبل العودة المنظمة - خليل جبارة

المشهد المتغير لأزمة
اللاجئين السوريين: تداعيات التغيرات الأخيرة وسبل العودة المنظمة - خليل جبارة
تجدر الإشارة إلى أن
النزوح في سوريا لم يكن نتيجة الحرب وحسب، بل كان أيضاً نتيجة استراتيجية متعمدة.
لقد استخدم نظام الأسد الهندسة الديموغرافية كأداة لإعادة تشكيل كل من السكان والمشهد في سوريا. ونتيجة لذلك، فإن
الاضطرابات السياسية الأخيرة - التي تميزت بسقوط نظام الأسد بعد سنوات من الصراع
الوحشي - قد أطلقت حقبة جديدة من القلق والفرص لملايين السوريين، سواء كانوا داخل
البلاد أو مشتّتين في جميع أنحاء العالم. لقد أعاد هذا التحول الكبير في المشهد
السياسي إشعال النقاشات حول هيكلية ووظائف المؤسسات السياسية، والاقتصاد، والقطاع العام، وإطار الدستور الجديد،
وأشكال مختلفة من التعددية والتمثيل. في الوقت نفسه، أثار تساؤلات حول إمكانية
تحقيق حل إيجابي لقضية اللاجئين من خلال تسهيل عودة السوريين إلى وطنهم. وفقًا
لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لقد تم إجبار أكثر من 14 مليون شخص على
الفرار من منازلهم خلال الحرب الأهلية السورية، مع وجود حوالي 7.4 مليون نازح
داخليًا، بينما يسعى الباقون للجوء في الدول المجاورة والمحيطة لها، من بينهم 5.5
مليون في تركيا ولبنان والأردن1. تتناول هذه المقالة تداعيات هذه
التغيرات، حيث تستعرض الديناميات المتطورة لعودة اللاجئين، وتحلل العوامل المؤثرة
في قرارات العودة، وتستكشف استراتيجيات تأسيس عملية عودة منظمة - مع التركيز بشكل
خاص على لبنان.
متى تنتهي أزمات
اللاجئين؟
على الرغم من أن
النزاعات الحالية تأخذ أشكالًا وديناميات مختلفة، ونتيجة لذلك، قد لا يتم حل بعض
النزاعات أبدًا، فإن الحل الأمثل لنزوح اللاجئين كان ولا يزال العودة بأمان وكرامة
إلى وطنهم مقارنةً بخيارات أخرى مثل إعادة توطينهم في دول ثالثة أو إقامتهم لفترة
غير محددة في الدول المضيفة. فعلى سبيل المثال لقد
استحصل ما يقل عن 1% من اللاجئين حول العالم على الجنسية في البلد المضيف خلال
السنوات الاخيرة، كما تمّ إعادة توطين 1 الى 2% منهم2.
إنّ أكثر أنواع العودة
شيوعًا هي العودة الطوعية المدعومة، والتي تعني العودة الطوعية للاجئين بأمان
وكرامة، والتي تنظمها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبمساندة الدعم
الدولي. هذه العودة المنظمة معقدة لوجستيًا وعمليًا. في معظم الحالات، تتطلب اتفاقيات
ثلاثية بين المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبلد المضيف وبلد
المنشأ. يتأثر قرار اللاجئين بالعودة إلى الوطن بتفاعل معقد من العوامل الدافعة
والجاذبة. تختلف هذه العوامل حسب الظروف الفردية، والروابط الأسرية، وظروف بلد
المضيف وبلد المنشأ. وفقًا للتجارب الدولية، فإن محددات العودة هي4:
1- السلام
والأمن والحماية،
2- سبل العيش
والحصول
على فرص العمل،
3- الإسكان
والأرض والممتلكات،
4- البنية
التحتية والخدمات،
5- ودور المساعدات
الدولية.
لقد قدم النظام السوري في ظلّ حكم الأسد العديد من العقبات والعوامل التي دفعت اللاجئين الى الإبتعاد عن التفكير في العودة إلى مدنهم وقراهم. وكانت التدابير والسياسات الرئيسية كالآتي:
•
القانون رقم 10: صدرعام 2018، وسمح هذا القانون للحكومة
بمصادرة الممتلكات الخاصة من أجل التنمية الحضرية، مما يتطلب من مالكي العقارات
إثبات ملكيتهم خلال فترة زمنية قصيرة أو المخاطرة بفقدانها.لقد شهد العديد من
اللاجئين، الذين لم يتمكنوا من تأمين حقوق ملكيتهم من الخارج، احتمال فقدان
منازلهم وأراضيهم، مما أدى إلى تثبيط عودتهم.
•
التصاريح الأمنية: كان يُطلب من اللاجئين العائدين الحصول على
تصاريح أمنية. كانت هذه العملية التعسفية تمنع العودة بسبب مخاوف من الاعتقال أو
الاحتجاز أو التجنيد الإجباري. ظهرت العديد من التقارير عن احتجاز اللاجئين أو
اختفائهم بعد عودتهم.
•
الخدمة العسكرية
الإلزامية: كان الرجال
في سن التجنيد يواجهون خطر التجنيد في الخدمة العسكرية عند العودة، مما شكل رادعًا
كبيرًا نظرًا للظروف القاسية والصراع المستمر داخل صفوف الجيش.
• المراقبة والقيود: حافظ النظام على قبضة محكمة على المناطق المعادة، وغالبًا ما فرض رقابة وسيطرة صارمة، مما حدّ من حرية الحركة وخلق جو من الخوف والقمع.
• رسوم الـ 100
دولار: فرض نظام الأسد رسومًا قدرها 100 دولار وطالب المواطنين السوريين، بما في ذلك اللاجئين العائدين
إلى البلاد، دفعها عند إعادة الدخول.
لقد تلاشت جميع هذه العقبات والقيود مع إسقاط نظام الأسد. ومع ذلك، لا تزال التحديات هائلة. وتقدر تكلفة إعادة إعمار سوريا وحدها بما يتراوح بين 250 مليار دولار و400 مليار دولار. ووفقًا لدراسة حديثة أجرتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)، انكمش الناتج المحلي الإجمالي السوري بنسبة 64 في المائة منذ بدء الحرب في عام 2011. وفقدت الليرة السورية ما حوالي ثلثي قيمتها مقابل الدولار في عام 2023، مما دفع التضخم إلى ما يقدر بنحو 40.2 في المائة في عام 2024. وفي الوقت نفسه، لا تزال البلاد تحت وطأة عقوبات شديدة، مدرجة في القائمة السوداء مالياً، وتعتمد على المساعدات، حيث يحتاج 16.7 مليون سوري إلى المساعدة - أكثر من نصفهم يواجهون انعدام الأمن الغذائي5
يستضيف لبنان حوالي
1,479,000 لاجئ مسجل وموثّق إعتبارا" من 31 ديسمبر 62024. واليوم،
يمكن تلخيص العوامل الدافعة والجاذبة التي تؤثر على قرارهم بالعودة إلى سوريا في
الجدول التالي:
العوامل الدافعة |
العوامل الجاذبة |
الصعوبات الاقتصادية: محدودية الوصول إلى فرص العمل، وانخفاض الأجور،
وارتفاع تكاليف المعيشة. |
تحسن الأمن: تصورات زيادة الأمان والاستقرار في مناطق معينة من
سوريا.
|
الإقصاء الاجتماعي: تجارب التمييز والإقصاء الاجتماعي. |
الروابط الأسرية: الرغبة القوية في لم شمل أفراد الأسرة في سوريا. |
الافتقار إلى الوضع القانوني: يؤدي الافتقار إلى الوضع القانوني الآمن والإقامة إلى
زيادة الضعف. |
الحنين إلى الوطن والانتماء: الشعور بالانتماء والرغبة في العودة إلى الجذور. |
محدودية الحصول على الخدمات: التحديات في الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الرعاية
الصحية والتعليم. |
استعادة الممتلكات وسبل العيش: الرغبة في استعادة الممتلكات أو الأعمال التجارية في
سوريا. |
الضغط السياسي: التشجيع أو الضغط النشط للعودة. |
إعادة بناء سوريا: الشعور بالمسؤولية للمساهمة في إعادة إعمار البلاد |
المعلومات المضللة وإنعدام الثقة: عدم اليقين ونقص المعلومات الموثوقة حول الوضع في سوريا |
الفرص الاقتصادية: إهتمام الحكومة السورية بعودة المهنيين المهرة والطلاب للمساهمة في إعادة إعمار البلاد |
متى يعود اللاجئون السوريون؟
وفقًا للنتائج الأخيرة، تلعب الظروف في سوريا دورًا أكثر أهمية في تشكيل نوايا عودة اللاجئين مقارنة بالظروف في لبنان. تشير النتائج أيضًا إلى أن السلامة والأمن هما الدافعان الأكثر أهمية للعودة7. وفقًا لاستطلاع إقليمي سريع اجرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حول تصورات ونوايا اللاجئين السوريين بشأن العودة إلى سوريا، فإن 27% من اللاجئين في مصر والعراق والأردن ولبنان يعتزمون العودة إلى سوريا في الأشهر الـ 12 المقبلة، بينما كانت النسبة 1.7% في عام 2024. وفقًا لنفس الاستطلاع، يفضل 60% من اللاجئين القيام بزيارة "للرؤية والاطلاع" قبلاتخاذ قرار العودة. في المقابل، فإن الحواجز الرئيسية أمام العودة هي الظروف الاقتصادية، ونقص الخدمات الأساسية، وحالة المساكن المتاحة.8.
وفقًا لتقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، عاد 270,000 سوري إلى وطنهم بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024. إذا ما نظرنا إلى العدد الكبير من اللاجئين السوريين المنتشرين في مختلف انحاء العالم، قد تصبح هذه العودة واحدة من أكبر عمليات الإعادة في العقود الأخيرة. لذلك، يجب تنظيم وهيكلة هذه العودة بدقة من اجل ضمان سلامة العائدين وضمان عدم تدهور ظروف السوريين الذين بقوا. يمكننا اعتبار ما يلي أولويات سياسية رئيسية من أجل ضمان عملية عودة اللاجئين السوريين من لبنان:
• توقيع اتفاق ثلاثي: يجب توقيع اتفاق ثلاثي بين المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ولبنان والسلطات الجديدة في سوريا. يجب أن يحدد هذا الاتفاق بوضوح أدوار الأطراف المختلفة، ويعالج القضايا القانونية المعلقة، ويعزز التنسيق والتعاون بين الأطراف المعنية. إن الإشارة في البيان الوزاري للحكومة اللبنانية الجديدة إلى الحاجة لبدء حوار مع السلطات السورية الجديدة لحل أزمة اللاجئين هي خطوة واعدة إلى الأمام.
• ترتيب زيارات تفقدية: يعتمد معظم اللاجئين على تنظيم زيارات تفقدية لاتخاذ قراراتهم بشأن العودة. تسهم هذه الزيارات في تقييم الوضع الأمني، وتوافر الخدمات، والبنية التحتية، وسبل العيش، مما يساعد اللاجئين في اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن عودتهم.
•
زيادة فرص التمويل: تعتبر المشاركة الفعّالة للمجتمع الدولي
اساس دعم العودة الآمنة والمستدامة للاجئين السوريين. يشمل هذا الدعم تقديم
المساعدة المالية والفنية، وتعزيز التعاون الإقليمي، وتخفيف العقوبات مثل القرارات
الأخيرة التي اصدرها الاتحاد الأوروبي والإعفاء المؤقت من الإدارة الأمريكية،
والدعوة لحماية اللاجئين. ومن المجالات الرئيسية التي تتطلب دعمًا دوليًا هي أولوية التمويل
لبرامج الإسكان والتعليم والصحة في المناطق التي ينحدر منها العائدون.
الخاتمة
لقد أدّى سقوط نظام
الأسد الى خلق واقع جديد ومعقد بشأن عودة اللاجئين السوريين. على الرغم من زيادة
إحتمالات العودة، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه هذه العملية. من الضروري إعطاء
الأولوية للعودة الآمنة والمنظمة للاجئين مع مراعاة التحديات الأمنية المستمرة، والاقتصاد
المدمر، ومحدودية الحصول على الخدمات
الأساسية في سوريا.
بصفته بلد مضيف رئيسي، يواجه
لبنان تحديات كبيرة في إدارة عودة اللاجئين، بما في ذلك شحّ الموارد وغياب إطار قانوني واضح لإدارة أزمة اللاجئين. وبالرغم
من ذلك، قد يتمكن لبنان من المساهمة بشكل ايجابي في واحدة من أكبر حملات العودة في
العقود الأخيرة، وذلك من خلال تنفيذ استراتيجيات مختلفة مثل تنظيم زيارات تفقديّة، وتعزيز
التعاون والتنسيق بعد توقيع اتفاق ثلاثي مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون
اللاجئين والسلطات السورية الجديدة، والدعوة لإعطاء الأولوية لتمويل المناطق التي
ينحدر منها اللاجئون.
خليل جبارة
1 https://www.middleeasteye.net/news/over-million-syrians-return-home-challenges-lie-ahead
2 Alrababah, A., Masterson, D., Casalis, M., Hangartner, D., &
Weinstein, J. (2023).
دينامييات عودة اللاجئين: اللاجئون السوريون
ونواياهم في الهجرة. المجلة البريطانية للعلوم السياسية، 53، 1108-1131، ص 1109.
3
https://www.unhcr.org/what-we-do/build-better-futures/long-term-solutions/voluntary-repatriation
4
البنك
الدولي. 2020. تنقل النازحين السوريين: تحليل اقتصادي واجتماعي. واشنطن العاصمة:
البنك الدولي، ص 54.
5 https://english.alarabiya.net/views/2025/02/04/toward-a-marshall-plan-for-the-levant
6 https://data.unhcr.org/en/documents/details/114221
7
Alrababah, A., Masterson, D., Casalis, M.,
Hangartner, D., & Weinstein, J. (2023).
1112 دينامييات عودة اللاجئين: اللاجئون السوريون ونواياهم في الهجرة. المجلة البريطانية
للعلوم السياسية، 53، 1108-1131، ص
8 https://data.unhcr.org/en/documents/details/114221
احدث المنشورات
