Jul 30, 2024
الأمن المائي في الأردن وأجيال المستقبل
احمد بالي
ناشط بيئي

الرجاء الضغط هنا لنبذة والمنشورات
احمد بالي

الأمن المائي في الأردن وأجيال المستقبل - احمد بالي 



منذ نشأة الحضارة البشرية استوطن الإنسان المناطق ذات المناخ المعتدل والتي تتميز بقربها من مصادر المياه، فقد كانت المياه والظروف المناخية الملائمة هي الدافع الرئيس لاستقراره وتطوره، ويعتبر كل من توفر المياه والمناخ المناسب والمعتدل أساس حياة الانسان وسبيلاً لتسهيل عيشه ورخاءه على وجه الأرض.



رغم التطور الذي شهدته البشرية على مر العصور من ثورات صناعية وتكنولوجية هائلة وتقدم في العلوم ، إلا أن هذا التقدم لم يحدث دون التسبب بآثار سلبية على جوانب كثيرة من الحياة وخاصة المرتبطة منها بتغير المناخ وما يصاحبه من آثار تدميرية على الموائل الطبيعية والحياة البشرية ككل، وتعتبر هذه التغيرات أحد أبرز تحديات العصر ومن تأثيراتها السلبية على مختلف قطاعات الحياة الفيضانات المفاجئة والتغيرات المتكررة في أنماط الطقس التي تهدد الأمن المائي والغذائي في آن واحد، مما سيكون سبباً رئيساً في زيادة الهجرة ونشوب النزاعات حول المصادر الطبيعية.



لذا، كان من الواجب على الحكومات المتعاقبة في الدول الالتفات لهذه المشاكل وحلها بشكل مشترك للتصدي لها والحد من آثارها، وقد تبلورت جهود دول العالم لحل هذه المشكلات من خلال مسارات عدة، من بينها اتفاقية باريس لتغير المناخ إذ تبّنت 197 دولة اتفاق باريس عام 2015 ودخل حيز التنفيذ في أقل من عام واحد.

 


على المستوى المحلي، إن القضية الأكثر إثارة للقلق هي النقص الكبير في مصادر المياه المتاحة (الأمن المائي) والتي تعد المحرك الأساسي لمختلف مناحي الحياة في الأردن وهي حلقة الوصل الجوهرية في سلسلة الالتزامات العالمية نحو مستقبل مستدام من خلال تحقيق خطة التنمية المستدامة 2030 ومبدأها "عدم ترك أي أحد خلف الركب" وأهدافها السبعة عشر التي حددتها الأمم المتحدة لإرساء السلام وتحقيق الأمن في جميع أنحاء العالم. 



 تعد المملكة الأردنية الهاشمية من أكثر دول العالم شحاً في المياه ويُنذر الوضع المستقبلي في المستوى القريب على الأقل، بتفاقم الحالة، حيث أدت التغييرات المتتالية في البيئة المحيطة من حيث العوامل الطبيعية والسكانية والتطور العمراني والاقتصادي والعوامل الجيوسياسية والاجتماعية والتقنية إلى زيادة الضغط على الموارد المائية مما أدى إلى خفض حصة الفرد السنوية من المياه العذبة المتجددة المتاحة إلى 61 متر مكعب سنويًا، وهذا أقل بكثير من خط الفقر المائي المطلق المعترف به دوليًا والمقدر ب 500 متر مكعب للفرد سنويًا، حيث من المتوقع أن تصل حصة الفرد الى 35 متر مكعب سنويًا بحلول عام 2040 إذا لم تتبنى الدولة حلاً استراتيجياً يوفر مصادر مياه بديلة ومستدامة لضمان توافر المياه لأجيال المستقبل.



تلعب إدارة مصادر المياه المتكاملة دورًا أساسيًا في التعامل مع التحديات التي تواجه قطاع المياه بشكل عام، لما لها من دور في الحفاظ على الموارد المحلية المرتبطة بها من طاقة وغذاء وبيئة، إضافة إلى آثارها الإيجابية على القطاعات المختلفة، الزراعية والصناعية والتجارية والمنزلية وغيرها وصولاً إلى الأمن المائي وتحقيق جدول أعمال) أجندة2030) التنمية المستدامة وضمان توافر المورد لأجيال المستقبل.



تعتبر وزارة المياه والري في الأردن الجهة صاحبة الولاية المسؤولة عن تخطيط وإدارة جميع الأمور المرتبطة بقطاع المياه،  وتعمل الوزارة على تبنّي حلول مبتكرة تحقق الإدارة المتكاملة لموارد المياه من خلال وضع خطة وطنية للمحافظة على المياه وتطبيق الأهداف التي تم توضيحها في الاستراتيجية الوطنية للمياه (2023-2040 (التي سلطت الضوء على أهمية وضع اجراءات محددة تهدف إلى معالجة قضايا شاملة ومفصلية لإدارة قطاع المياه، بما فيها الأداء المالي والاستدامة، وآلية صنع القرار المبني على البيانات، والابتكار والتكنولوجيا، وكفاءة استخدام الطاقة، ورفع كفاءة استخدام المياه، والتكيف مع التغير المناخي وتبني السلوكيات الرشيدة.



تركّز الجهات الحكومية المسؤولة كوزارة المياه والري بسلطتيها على البحث عن حلول فورية ومتوسطة وطويلة الأجل لتلبية الاحتياجات ضمن نهج مؤسسي منظم بالشراكة مع مختلف القطاعات وأصحاب المصلحة لتلبية الاحتياجات المتزايدة للمياه من خلال تحقيق التوازن بين العرض والطلب والتركيز على تعزيز أهمية إدارة الطلب على المياه ودوره كرافد إضافي لوفرة المياه، حيث أن معظم البرامج المؤسسية الحالية تركز على إدارة التزويد المائي، من حيث زيادة الاستثمارات في المصادر الجديدة للمياه وتحسين البنية التحتية وتقليل الفاقد وقلما يتم الأخذ بعين الاعتبار إدارة الطلب على المياه باعتبارها مصدراً مهماً يساعد على تحقيق الأمن المائي.



وبناءً على ما سبق ومن وجهة نظري كشاب أردني ناشط ومختص في مجال المياه محلياً واقليمياً، يوجد لدي العديد من الهواجس بالإضافة الى حلولها لضمان مستقبل آمن ومستدام للأجيال القادمة. أحد الهواجس الجيوسياسية هي أن26% من مصادر المياه التقليدية مشتركة مع الدول المجاورة للأحواض السطحية والجوفي؛ وهذا يؤكد على أهمية العمل على مراجعة الاتفاقيات مع دول الجوار للحصول على الحصص المنصوص عليها في تلك الاتفاقيات ومذكرات التفاهم لضمان هذا المورد للأجيال المستقبلية، حيث أن زيادة التوترات الإقليمية بشأن السيطرة على مصادر المياه خصوصاً في حال زيادة الجفاف وقلة هطول الأمطار وعدم انتظامها سيفاقم الصراع على الماء مما سيؤدي إلى صراعات بين الدول إقليمياً، وسيكون الصراع اشد ضراوة مع زيادة الشح في مصادر المياه. لذا وجب العمل على خطط وطنية وإقليمية للمحافظة على المياه ورفع كفاءة استخدامها لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من موارد المياه واعتبار الأمن المائي الوطني مسؤولية مشتركة لكافة القطاعات ضمن مؤشرات واضحة لتحقيق استدامة الإجراءات والممارسات الكفيلة برفع كفاءة استخدام المياه في جميع القطاعات، والهاجس الآخر ألا وهو الاستمرار في استنزاف مصادر المياه المتجددة، فإن زيادة التزويد المائي عبر مصادر مياه غير تقليدية أصبحت ضرورة قصوى يجب العمل على تطويرها ما أمكن، ويعتبر مشروع الناقل الوطني الجديد لتحلية مياه البحر التي تبحث الحكومة عن تمويل ودعم له، بالإضافة إلى التوسع الكبير في معالجة مياه الصرف الصحي بمواصفات عالية الجودة لإعادة استخدامها في الري، من أهم هذه المصادر الحيوية. لسد الفجوة بين العرض والطلب وضمان مسقبل مائي آمن من داخل حدود المملكة لمواطنيها.




. هذا المقال يرد ضمن الاصدار الخاص للنشرة الشهرية لشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية لشهر تموز/يوليو 2024.  شارك في اعداده شباب وشابات من الشبكة العربية للشباب. الآراء والأفكار المطروحة في هذه المقالات تعبر عن وجهات نظر الكتاب ولا تعكس بالضرورة السياسة أو الموقف الرسمي للشبكة العربية.

حول الشبكة العربية للشباب:
تسعى الشبكة الشبابية الى توفير منصة اقليمية للشباب والشابات من مختلف دول المنطقة لسماع أصواتهم ، وتعزيز تفاعلهم مع مختلف قضايا التنمية وحقوق الانسان، وانخراطهم في التأثير على السياسات العامة.


احدث المنشورات
Dec 07, 2024
النشرة الشهرية لشهر تشرين الثاني/نوفمبر 2024
Dec 03, 2024
الديون السيادية في المنطقة العربية: بين استدامتها وعدالة السياسات الضريبية - أحمد محمد عوض