صفقة القرن: تطبيع عربي- اسرائيلي وحصار فلسطين
منذ العام 2017، وإدارة ترامب تركّز؛ في إطار السياسية الخارجية فيما يخص المنطقة العربية، على مسارات متشابهة ومتعددة: الأول؛ النهب الاقتصادي العلني المنظم لأموال دول الخليج، والثاني؛ ربط دول الخليج بمسار التطبيع مع الاحتلال الصهيوني في فلسطين والثالث؛ سحق الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
في هذه اللحظات، يطغى على الفلسطينيين شعور الوحدة والخذلان، بعد أن التحق عدد من الدول العربية ركب التطبيع مجبر، ومن لم تلتحق من الدول قد يُمارس عليها أشكال من العزل والحصار ومختلف الضغوطات في المستقبل لتطبع علاقاتها مع دولة الاحتلال" اسرائيل".
وعلى قدر سوء مسألة تطبيع الامارات والبحرين سياسيًا إلّا أن تطبيع السودان محزن لما حمل للشعب السوداني من وعود التنمية والسلام، التي يروج لها بعض المسؤولين السودانيين، والتي يمكن تخيّل إمكانية تحقيقها من خلال مراجعة التجربة الأردنية والفلسطينية في وهم التطبيع، وفق اتفاقية أوسلو[1] وخطاب اتفاق وادي عربة[2]، اللذين لم ينتج عنهما ازدهار الاقتصاد في الأردن أو فلسطين بل على العكس تماما أصبح الفلسطينيون أكثر فقرا واعتمادا على المساعدات الخارجية، وأكثر تبعية وارتهانا لاقتصاد دولة الاحتلال. بالإضافة إلى خسارة الفلسطينيين ومناصري القضية الفلسطينية الدعم المالي والسياسي في بعض المحافل العربية والدولية.
لقد أضافت اتفاقيات التطبيع الإماراتي- البحريني – السوداني وما سيتبعها من دول أخرى تحديات جديدة أمام المناضلين العرب وتحديدًا في دول الخليج مثل مخاطر الملاحقات الأمنية مستقبلا، ومؤشرات ذلك بدأت بإزالة المحتوى المتعلق بالقضية الفلسطينية عن بعض القنوات الفضائية العربية، والتي طالت أغان ومسلسلات تؤرخ للقضية الفلسطينية. [3]
نتائج ورشة المنامة (حصار الفلسطينيين ماليا)
سبق ذلك؛ انطلاق ورشة "عمل السلام من أجل الازدهار" في المنامة، حزيران 2019، في إطار صفقة القرن تحت شعار "التنمية والازدهار الاقتصادي للشعب الفلسطيني" الذي لم يُستشار بها، فقد تم استخدام اسم فلسطين فقط لتبرير الانفتاح الخليجي العلني على دولة الاحتلال، وبدل الإعلان عن أي مشروع تنموي موجه للفلسطينيين، جرى وبصورة متزايدة تضييق الخناق عليهم وحصارهم ماليا، فمنذ شهور عدّة لم يجد الفلسطينيون عاصمة عربية واحدة تمنحهم أو حتّى تقرضهم لمواجهة الأزمة المالية. هذا ما عبر عنه رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية "أن الأزمة المالية، التي تعيشها السلطة الفلسطينية هي نتيجة لحرب مالية هدفها الابتزاز، مضيفا أنه لم تتم استشارة الفلسطينيين حول خطة "ورشة العمل"، التي تستضيفها البحرين مؤكدا أن السلطة الفلسطينية والقيادة لا تتحدثان عن شروط تحسين حياة تحت الاحتلال الإسرائيلي."
تزامن كل هذا مع احتجاز "اسرائيل" أموال ضريبة المقاصّة[4]، فارتفع الطلب الحكومي الفلسطيني على الاقتراض المحلي مع عجز عن سداد رواتب العاملين في القطاع الحكومي أو تسديد الديون المستحقة للموردين من القطاع الخاص. إنّ استمرار الحصار المالي سيدفع الحكومة للاقتراض مجددا من القطاع البنكي في فلسطين، وعند استنفاذ هذا الخيار سيكون قبول استلام أموال المقاصة وفق الاشتراطات السابقة التي رفضها الفلسطينيون أمرا حتميا ما لم تجرِ تغييرات واسعة على السلطة الفلسطينية بما يشمل عدد وزاراتها، وعدد الأجهزة الامنية التي يحتاج الناس إليها بشكل فعلي. أي إدخال تغييرات جدية على وظيفتها وعلاقاتها وتحالفاتها الاقليمية والدولية. هذا على صعيد الأزمة الاقتصادية؛ أما سياسيا فإن تواطئا كهذا سيضع الحقوق الفلسطينية موضع نقاش مجددا، وستظهر نتائج ذلك مستقبلا عند إجراء أي تصويت في الأمم المتحدة وأي منصة دولية يلجأ إليها الفلسطينيون. حتى في الهياكل الضعيفة كالجامعة العربية؛ لم يحدث أن استصعب الفلسطينيون استصدار قرارات ضد التطبيع في الماضي، لكن هذا الأمر أصبح صعب المنال مع نفوذ وسيطرة بعض دول الخليج على الجامعة العربية. فقد وصلت الرسالة للفلسطينيين بأنه لم يعد هناك إجماع عربي رسمي حول القضية الفلسطينية، وأن البعض ذهب إلى حد التحالف والتآمر العلني على قضيتهم وهم ذاهبون إلى ما هو أبعد من ذلك. مثال ذلك؛ تسخير آلة إعلام قوية ليس فقط لمناهضة الفلسطينيين بل لتبرير جرائم الاحتلال ضدهم.
التطبيع ليس من أجل فلسطين
نفى رئيس "الحكومة الإسرائيلية: بنيامين نتنياهو كل الدعاية الامارتية التي سبقت التوقيع في البيت الأبيض قائلا: "هذا سلام مقابل سلام" وتحقق ذلك بقوة اسرائيل[5]، لذا مسألة ربط التطبيع بوقف ضم الضفة الغربية هي أيضا مزايدة على الشعب الفلسطيني وادعاء كاذب بمساعدتهم، وهذا ما تم نفيه لاحقا من كلا الفريقين الأمريكي والإسرائيلي، وتلاه إعلان اسرائيلي ببناء آلاف الوحدات السكنية في مستعمرات وجبال الضفة الغربية.
وسواء أدرج ذلك في إطار الخداع الاسرائيلي المعهود أو مجرد تبريرات إماراتية، فذلك لم يؤثر على المضي قدما في عملية التطبيع بما فيها الاستثمار في مشاريع استعمارية في القدس المحتلة[6].
ضرر الإقدام على هذا الاتفاق (التطبيع مع الاحتلال) على القضية الفلسطينية لن يتوقف عند هذا الحد، بل ما سيتم الاقدام عليه بعد هذه الخطوة هو الأخطر، وهذا ما بدأت تدركه الأطراف الداخلية لتوحيد صفوفها بوجود خطر قادم تتم تغذيته ضمن محاور علنية أصحبت اسرائيل طرفا علنيا فيها.
إذا لم يتخذ الفلسطينيون اجراءات واضحة وسريعة لترتيب وضعهم الداخلي سيضطرون لدفع ثمن داخلي باهظ، حيث أن هذه القوى ستلعب دورا في إثارة الخلافات الداخلية، وهي التي تحتفظ بأشد معارضي الرئيس محمود عباس تحضيرا لخلافته. صحيح أن الانتخابات لن تحل مشاكل الفلسطينيين لكن الانتخابات الحاسمة والمبكرة يمكن أن تقطع الطريق أمام هذا السيناريو المدمر.
إياد الرياحي
|4| ضريبة المقاصة (الفاتورة الموحدة): وهي عبارة عن ضريبة القيمة المضافة التي تحصلها السلطات الضريبية من القطاع الخاص الفلسطيني نتيجة قيامه بالشراء من إسرائيل أو المستوردة من الخارج عبر منافذها الحدودية، حيث تدفع لدى الجانب الإسرائيلي والذي يقوم بدوره بتحويلها إلى وزارة المالية في نهاية كل شهر عبر آلية المقاصة المتفق عليها.