Dec 01, 2025
هل يختزل التغير المناخي كل الازمات البيئية؟ - أديب نعمه
اديب نعمه
خبير ومستشار في التنمية والسياسات الاجتماعية ومكافحة الفقر

الرجاء الضغط هنا لنبذة والمنشورات
اديب نعمه


 هل يختزل التغير المناخي كل الازمات البيئية؟ - أديب نعمه

مقدمة


الجواب المختصر والمباشر على هذا السؤال هو "نعم" و"لا".

يمثل البعد البيئي أحد المكونات البالغة الأهمية في التنمية بما هي سياسات ومسارات متحققة بالفعل، وبما هي تنظير وأدوات فهم وتحليل، وموجّهات للسياسات والممارسة. وعلينا الاعتراف بطابعه المعقد، وبكونه يتطلب قاعدة معرفية علمية متعدد الاختصاصات، من ضمنها معرفة التاريخ الاجتماعي - الاقتصادي للمجتمعات وتحولاته منذ بداية الحضارة البشرية، مع تركيز خاص على الحقبة الممتدة من الثورة الصناعية الأولى حتى اليوم.


يعود ذلك من جهة أولى الى تعدد العوامل المتسببة بالتدهور البيئي من تلوث واستنفاذ للموارد الطبيعية وتعدد مصادره. كما يعود من جهة ثانية الى كون الأثر البيئي للتحولات الطبيعية قد يكون مباشرا وآنيا في حالات الكوارث والاحداث الطبيعية الكبرى سواء كانت ثورات بركانية، او زلازل قوية مدمرة، او اصطدام كويكب بالأرض أدى الى انقراض الديناصورات واشكال الحياة التي سادت منذ ملايين السينين على كوكب الأرض. ومثل هذه الحوادث غيرت وجه الحياة على كوكب الأرض، وغيرت من جغرافيته، وشكلت قاراته ومحيطاته التي نعرفها اليوم.

الا ان ذلك لم يعد الشكل الأبرز الذي تتوقف عنده الأبحاث والدراسات المعاصرة، حيث انتقل مركز الثقل مع الثورة الصناعية منذ 300 سنة تقريبا الى مسؤولية الانسان والنشاط البشري عن الاشكال المستجدة للتدهور البيئي، لاسيما الازمة الأكثر خطورة التي يمثلها التغير المناخي، الذي هو من صنع البشر مباشرة، دون ان ينفي ذلك أثر العوامل غير البشرية كليا. وبسبب طبيعته التراكمية، فإن التدهور البيئي، ولاسيما التغير المناخي، لا يمكن فهمه خارج سياقه التاريخي وتطور أنماط الإنتاج والاستهلاك؛ كما توقع المآلات التي يمكن ان يؤدي اليها تقع في سياق الاستشراف المستقبلي. 


يشعر الناس العاديون في كل مكان ويعيشون نتائج التراكم السابق على هذا الصعيد، لاسيما من خلال التقلبات المناخية، وندرة المياه، والكوارث الطبيعية التي تتخذ اشكالا غير مسبوقة في بلدان لم تعهدها، ليس اقلها تغير الفصول والفيضانات والاعاصير وموجات الجفاف المتواصلة والمتكررة...الخ. مع ذلك، فإن الأثر المباشر الجزئي لهذا العامل او ذاك يبقى صعبا على الادراك او الفهم بالنسبة لعموم الناس بحكم الطابع التراكمي لهذه الظاهرة. ويتطلب ذلك توفر معارف ومهارات متخصصة لتحديد كيفية التصدي لها للحد من آثارها، والتصدي لأسبابها من اجل التمكن من عكس المسار الانحداري، الكارثي في رأي كثيرين من العلماء الجادين، للبيئة الطبيعية كما للبيئة البشرية التي صنعتها الحضارة البشرية والتي تتمثل بشكل جلي في العمران وفي المدن لاسيما العملاقة منها، وفي مجمل النشاط الاقتصادي الذي يشكل خلفية التغير المناخي والتدهور البيئي بشكل عام.

يستطيع العلماء والباحثون المتخصصون والنشطاء البيئيون وجمعياتهم توفير كثير من المعارف والمهارات والحلول والبدائل التي تخفف من الازمات البيئية او تعالج أسبابها، وان كانت تتطلب سنوات غير قليلة كي تأتي ثمارها. وكاتب هذه السطور ليس من هذه الفئة، ومضمون هذه المقالة لا يقع ضمن نطاق البحث البيئي المتخصص بقدر ما هو مقاربة من منظور تنموي – حقوقي، يقع في مستوى اكثر عمومية، يخاطب غير المتخصصين ومكتوب من منظورهم، وهو بالتأكيد يتسند الى جهود هؤلاء ويتكامل معها.

 


بين الاختزال والتكثيف

اعود الى السؤال الذي شكل عنوان هذه المقالة. تمكن الإجابة بالإيجاب (نعم) دون تردد إذا استبدلنا مفردة اختزال بمفردة تكثيف. فواقع الحال ان التغير المناخي الذي يشكل العنوان الأبرز للأزمة البيئية في أيامنا هذه، بشبه النهر الجارف الذي تكوّن من التقاء روافد كثيرة ومتنوعة. فالتغير المناخي الناتج عن الاحتباس الحراري تساهم فيه بشكل رئيسي ثلاث غازات هي ثاني أوكسيد الكربون وهو اكثرها اهمية، والميتان، واوكسيد النيتروز. وهي انبعاثات تصدر عن أنواع متعددة من النشاط الاقتصادي والطبيعي، من صناعة وزراعة وانبعاثات طبيعية. ولا شك ان اكثرها أهمية هو انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون الناجمة عن استخدام الوقود الاحفوري (نفط وغاز) في الصناعة (لاسيما صناعة الحديد، والاسمنت، والمصنوعات البلاستيكية، إضافة الى استخراج النفط والغاز)، كما يصدر أيضا عن استخدام الوقود في وسائل النقل على اختلافها وعن الاستهلاك الشخصي للوقود والطاقة في الحياة اليومية. في حين ان الغازات الأخرى تصدر عن الزراعة واستخدام الأسمدة وتربية الماشية، إضافة الى العمليات الكيميائية الطبيعية وتراجع الغطاء الغابي وذوبان الكتل الجليدية. وتجدر الإشارة الى ان العمليات المتسببة بهذه الانبعاثات تتراكم منذ بشكل حاد منذ الثورة الصناعية منتصف القرن الثامن عشر كما سبقت الإشارة الى ذلك.


بهذا المعنى تشكل كل أنواع الأنشطة الاقتصادية والمعيشية، والعمليات الطبيعية، الروافد التي تكون ظاهرة التغير المناخي والتي تعتبر تكثيفا لها بمعنيين: فهي تكثيف عمودي لكونها تعبر عن المسار التراكمي التاريخي الممتدة منذ قرون؛ وتكثيف افقي لكونها تتشكل من الأثر التجميعي لكل فئات الأنشطة التي المشار اليها أعلاه. والتكثيف غير الاختزال، ذلك ان هذا الأخير يمحو المسارات المتعددة ويدفع نحو فهم احادي مصمم من قبل من يهمين على الخطاب البيئي على حساب المسارات الأخرى. كما انه يهمش الأولويات وتعدد السياسات المطلوبة للتعامل مع الروافد المتعددة المكونة للتغير المناخي، والتي تختلف في كل بلد ومنطقة، بل في وكل مرحلة زمنية. كما من شأن الاختزال والاقتصار على حصر التحليل بمفردة التغير المناخي في تعميمها الاختزالي من شأنه ان يزيد غموض هذه الظاهرة ويقربها من كونها قدرا او فعلا صادرا عن قوة عليا، طبيعية او إنسانية، لا يمكن التعامل معها او مع أسبابها بشكل ملموس في الزمان والمكان. في حين ان مفهوم التكثيف ينبه الفاعلين الى التلازم الضروري بين الفعل المحدد في الزمان والمكان وفقا للأوليات الحقيقية التي تتعامل مع أسباب هذه الظاهرة ومكوناتها، وبين الترابط الافقي والعمودي الذي يجعل من تلازم الفعلين الوطني والكوني في ائتلافات عالمية أكثر من ضرورة لتحقيق النتائج المرجوة. وهو ما يفسر الاهتمام المتزايد على مختلف المستويات باجتماعات "الكوب" السنوية سواء كان الأمر يعلق بشركة عملاقة منتجة للنفط، او جمعية بيئة تنشط وطينا من اجل مكافحة حرائق الغابات.

 

 

 

الاستحواذ الاقتصادي على المسار البيئي

نتذكر معا ان الاهتمام بالشأن البيئي اثناء صياغة الاجندة العالمية لعام 2030 أدى الى تضمين أهدافها السبعة عشر، 6 اهداف بيئية حصرية وعدد اخر من الأهداف التي تتضمن مكونا بيئيا قويا. أي ان حضور البعد البيئي كان طاغيا على الأجندة التنموية العالمية. ونتذكر بشكل خاص ان الهدف 13 نص على "اتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي لتغيّر المناخ وآثاره"، وصفة العجلة هنا دليل على خطورة الموضوع وأثره الخطير والعميق في آن. الا ان هذه الهدف المرقم 13 اتى بعد الهدف المرقم 12 والذي نص على ضرورة "ضمان وجود أنماط استهلاك وإنتاج مستدامة"، وهذا التسلسل في الترتيب وتتابع الهدفين ليسا صدفة اذ ان واضعي الاجندة أرادوا لفت النظر الى ان الترابط العضوي السببي بين الهدفين، اذ ان التغير المناخي هو بالدرجة الأولى نتيجة أنماط الاستهلاك والإنتاج غير المستدامة. وهذه الحقيقة اكدها تقرير برونتلاند عام 1987، وقمة الأرض في ريو دي جانيرو عام 1992، وكل الدراسات ومخرجات المؤتمرات والأبحاث والاجندات المتعلقة بالأزمات البيئية منذ ذاك الحين.  


ولكن ما الذي حصل في الممارسة التي تمثلها المواقف والسياسات المعتمدة لاسيما من قبل الدول المؤثرة؟ وكيف نفسر جوهر الفشل المتكرر في تحقيق تقدم حقيقي لكبح مسار الاحتباس الحراري على رغم انعقاد القمم البيئة، والمؤتمرات السنوية للتصدي للتغير المناخي والتي كانت دورتها الثلاثين في بيليم في البرازيل في شهر نوفمبر 2025، والتي انتهت بدورها الى الفشل الذريع؟[1] يمكن كتابة صفحات كثيرة في تفسير ذلك، وما يأتي فيها عموما صحيح. لكن يمكن تكثيف معظم الإجابات على تعقيدها المحتمل في تفسير بسيط نسبيا: ان أصحاب القرار في هذا الشأن يزعمون انهم يريدون تحقيق الهدف 13 من اهداف التنمية المستدامة (كبح مسار التغير المناخي) دون ان يلتزموا بالموجبات التي ينص عليها الهدف 12 للتنمية المستدامة، أي التحول الى أنماط انتاج واستهلاك مستدامة. أي ببساطة إحداث تحول هيكلي في النظام الاقتصادي العالمي وضبطه ضمن منظومة قيم تتضمن العدالة الاجتماعية والحفاظ على البيئة، وهو ما يشكل جوهر الاستدامة التي تتحول معهم الى صدى لا معنى له.


واقع الحال، ان الأنماط الاقتصادية السائدة هي بمثابة القسم غير المرئي من جبل الجليد الذي يمثله التغير المناخي. أي ان تسعة اعشار هذه الازمة تجد أساسها في الاقتصاد لا في أي مكان اخر. لذلك يستحيل كبح التغير المناخي ما لم تتخلى الشركات والدول الكبرى عن خياراتها الحالية؛ كما يستحيل تحقيق التنمية وانفاذ حقوق الانسان؛ وكما يستحيل تحقيق الأهداف التنموية التي تتضمنها الاجندات العالمية ومنها اجندة 2030. ولا غرابة في ذلك اذ ان رئيس الدولة الأقوى في العالم، أي الولايات المتحدة الأميركية، يصرح علنا مدعوما بكبار أصحاب المليارات في العالم، ان الالتزام بمتطلبات الاستدامة يعني فقدان دورهم القيادي للاقتصاد العالمي. والدول الأخرى الكبرى او الأقل حجما وقوة، تسير على الدرب نفسها وتنافس الولايات المتحدة والشركات العملاقة الملوثة والمدمرة للبيئية في اتباع أنماط الإنتاج والاستهلاك عينها معظم الأحيان.


تخضير الاقتصاد اليابس

إصرار كبار الملوثين والمدمرين للبيئة في العالم على الفصل القطعي بين الهدفين الـ 12 والـ 13 للتنمية المستدامة، أي فك الارتباط بين الاقتصاد النيوليبرالي الراهن وبين التدهور البيئي والتغير المناخي، يؤكد الترابط السببي بين الاثنين بدل ان ينفيه. فقد تدرج الخطاب الاقتصادي السائد في تناوله للأزمة البيئية من تجاهل وتهميش في البدايات، الى اتهام العلماء والباحثين والناشطين الذين نبهوا الى خطورة التدهور البيئي بانهم يتحدثون عن كوابيس لا سند علميا لها، الى محاولة انتاج خطاب مضاد متكامل. الا ان كرة الثلج المنذرة بالكارثة المحتملة كبرت الى درجة لم يعد بالإمكان انكارها، لاسيما بعد استشعار دول كثيرة هذا الخطر، فكان لا بد من استراتيجية مختلفة تقوم على الاحتواء والتضليل الديماغوجي، والتحكم في خيارات الحلول والبدائل الممكنة بما يضمن الحفاظ على مصالحهم.


لهذه الغاية كان لا بد ضمان استحواذ الاقتصاد النيوليبرالي على قضية البيئة بكل الوسائل الممكنة، وإعادة انتاج خطاب بيئي معقم يقطع الطريق على المعالجات الجذرية للأزمة البيئية ويعيد الاعتبار الى العلاقة الحقيقية بين الاقتصاد والتدهور البيئي بما هي علاقة سبب – نتيجة. هكذا تبدل الموقف من تجاهل البعد البيئي الى التركيز عليه في ما يسمى الاجندات التنموية. هذا التركيز مهّد الطريق امام معركة إعلامية لإعادة انتاج الخطاب التنموي والبيئي بما يرسخ فهما تبسيطيا وعقيديا للتنمية بتحوليها الى وصفة جزئية تحت مسمى "تنمية مستدامة" تعبّر في جوهرها عن استتباع البعد البيئي للبعد الاقتصادي في صيغته النيوليبرالية مستخدمين كل أنواع الأدوات والصياغات لإقناع حسني النية بخطابهم. أي جرى فعليا استخدام الخطاب البيئي ومفرداته من الاقتصاد الأخضر، او الأزرق، والتحول الطاقي، والطاقة النظيفة، والتكنولوجيا النظيفة...الخ، من اجل تبييض الاقتصاد النيوليبرالية وإظهار حرصه على "الاستدامة" التي جرت من مضمونها المركب والعميق. أي جرى فعليا "تخضير" الاقتصاد النيوليبرالي المسؤول الأول عن اليباس الذي يصيب الأرض والناس.


تحول الخطاب الاقتصادي – البيئي النيوليبرالي الى خطاب مضلل لكنه قادر على استقطاب المؤيدين من البلدان الصناعية او النامية على حد سواء، بما في ذلك ممن انضموا عن غير قصد او معرفة الى مسار ينحرف بالتدرج التصاعدي عن مسار إيجاد الحلول العلمية الحقيقية لأزمة التغير المناخي والتدهور البيئي، الى مسار يجعل من الحصول على فتات التمويل والتكيف مع التغير المناخي وآثاره والتعامل مع النتائج لا الأسباب محورا للسياسات والحلول المتداولة. وكم يلفت النظر ان تكون بعض أنظمة الاستبداد في العالم والمنطقة، ممن يجاهرون باهتمامهم بالتغير المناخي وبكونها من ابطال السياسات المستدامة والحرص على حقوق الأجيال المستقبلية، في حين انها تنتهك حقوق الأجيال الحالية. فمعظم هذه الأنظمة تستخدم المدخل البيئي للزعم بانضمامها الى مسار تحقيق الاجندات التنموية! كما تتحول القضية البيئية الى مشروطية جديدة، وفرصة للمزيد من الاستثمارات الاقتصادية للشركات العملاقة، وتنسج حول ذلك هالة من "الرطانة" الاقتصادية والبيئية المضللة.

 


مخاطر الاختزال أيضا وأيضا

سبق ان اوضحنا ان التغير المناخي لا يختزل مجمل مكونات وتجليات ازمة التدهور البيئي، وإن كان يكثف جوانب كثيرة منها مترابطة بأنماط الإنتاج والاستهلاك. مع ذلك فإن الخطاب السائد، او المتأثرين به عن حسن نية، ينزلقون أحيانا الى مسار اختزالي يهمش القضايا البيئية الأخرى بما فيها ما لا يرتبط مباشرة بالتغير المناخي، او تغييب الأولويات الخاصة ببعض الأقاليم والبلدان حتى ان كانت مرتبطة به الا انها تتعلق بمكونات ومسارات وروافد تتطلب سياسات لا يمكن اشتقاقها من تكرار الخطاب البيئي العالمي واولوياته، بل من خلال انتاج خطاب بيئية صادر من الإقليم او البلد المعين باعتباره تخصيصا للخطاب الكوني واولوياته. فالمدخل الى الفعل التغييري قد يكون محليا او وطنيا او إقليميا، دون ان يعني ذلك الانغلاق والانعزال على المسار العالمي، ففي المسار البيئي الترابط بين المستويات شديد الوضوح، لكنه ليس ذريعة للتقليد والاستنساخ.


لو نظرنا الى بلدان العالم العربي على سبيل المثل، مشكلة التصحر وندرة المياه لا يمكن اختزالها بكونها من تبعات التغير المناخي حصرا، اذ ثمة مشكلة هيكلية في الأنماط الزراعية المعتمدة في بلدان المنطقة من ابرز تجلياتها فرض زراعة الفواكه والخضار كثيفة الاستهلاك للمياه من اجل تصديرها الى الخارج على الرغم من شح المياه في هذه البلدان. كما ان الاستحواذ الخارجي على الأراضي الخصبة من قبل دول خارجية او شركات خاصة، أدى الى تدمير ممنهج للزراعات التقليدية لصالح انتاج الاعلاف او منتجات معدة للتصدير وبما يزيد التبعية الغذائية للدول، أضافة الى تدميرها مساحات كبيرة ومصادر عيش آلاف العائلات. وفي موضوع المياه أيضا، فإن التوترات المتعلقة بالأنهار او الاحواض المائية المشتركة بين عدد من الدول هي مصدر تهديد حقيقي للسلم في المنطقة، وتستخدم أيضا في ممارسة الضغوط المائية بين الدول او حتى ضمن الجماعات المتنازعة ضمن الدولة الواحدة.


من جهة أخرى، فإن الصناعات الاستخراجية للنفط والغاز، والمعادن والمواد الخام الأخرى، سواء كانت تتم من قبل الشركات الحديثة، او بالوسائل البدائية هي من مصادر التدمير الممنهج للبيئة الطبيعية واستنفاد الموارد النادرة. وفي حالات كثيرة فإن استغلال هذه الموارد يتم في ظروف عبودية حقيقية مع استغلال واسع لعمل النساء والأطفال. ولا تعطى لهذه الأنشطة الأهمية التي تستحقها من المنظور البيئي او الاجتماعي. اما مشكلات النمو المديني العشوائي، والتلوث الشامل لكل أنواع الملوثات والنفايات...الخ، فحدث بلا حرج عنها، وعن الفشل الكبير في ادارتها، دون ان ننسى أيضا ان الحروب العنيفة هي بدورها كوارث بيئية واجتماعية واقتصادية متدحرجة على امتداد بلداننا.

 

خلاصة

ما نريد قوله من هذا العرض هو ان الخطاب البيئي السائد عالميا والذي يؤثر على خيارات الفاعلين بما في ذلك بعض نشطاء منظمات المجتمع المدني ليس الخطاب التنموي الذي تضمنه تقرير برونتلاند لعام 1987، ولا ما قالت به قمة الأرض في ريو دي جانيرو عام 1992، ولا ما يقصده العلماء الجادون والحركات البيئية العالمية. فما هو سائد هو التأويل الاقتصادي النيوليبرالي للأزمة البيئية الوجودية بعد ان استحوذ الاقتصاد على البعد البيئي كان سبق له ان استحوذ بطريقة مختلفة على البعد الاجتماعي والثقافي للتنمية. وفي هذا السياق، فإن المهمة تكمن هنا أيضا في تحرير الدائرة البيئة من الهيمنة الدائرة الاقتصادية التي تتحكم بها كما بالدائرة الاجتماعية وغيرها من دوائر الحياة الفردية والاجتماعية.


ومن الناحية العملية، فإن الخطاب الذي يختزل كل الازمات البيئة في التغير المناخي ويستنسخ أولوياته العالمية، يقوم على فك الارتباط بين أنماط الإنتاج والاستهلاك غير المستدامة السائدة من جهة أولى، وبين التغير المناخي والتدهور البيئي من جهة ثانية. كما ان هذا الخطاب يحجب مشكلات بيئة – اجتماعية - اقتصادية مركبة في بلداننا يجب ان نعطيها الأولوية في بلداننا ومجتمعاتنا معتمدين استراتيجية تقوم على تعدد المداخل لمعالجة الازمة البيئية في تجلياتها الملموسة في بلداننا وترابطها مع الابعاد الأخرى للعملية التنموية.

         



احدث المنشورات
Dec 01, 2025
الشبكة في مؤتمر القمة العالمي الثاني للتنمية الاجتماعية: تقدم مُحرَز، والتزامات غائبة – زهرة بزّي
Dec 01, 2025
هل يُعتبر إعلان الدوحة في القمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية إعلانًا استثنائيًا؟ - ميريم جاب الله