هذا البحث هو جزء من تقرير الراصد العربي ٢٠٢٣ عن الحق في الصحة.
هدر الحق في الصحة خلال النزاع السوري - المركز السوري لبحوث السياسات
الرجاء الضغط هنا لتحميل النسخة الكاملة
المقدمة
يقع القطاع الصحي في صميم كل نظام سياسي واجتماعي واقتصادي في أي بلد، ويتألف من مكوّنَين رئيسيين مترابطَين هما النظام الصحي والنتائج الصحية أو صحة السكان (منظمة الصحة العالمية 2008). يُشكّل تحسين صحة السكان والحفاظ على الفعالية، والكفاءة، والعدالة، والمساءلة في النظام الصحي هدفَين حيويّين لنموذج التنمية المستدامة القائم على تعزيز قدرات الأشخاص ووظائفهم. يعتمد النظام الصحي ونتائجه على محدِّدات رئيسية (منظمة الصحة العالمية 2008) تُضاف إلى العوامل الخارجية كالوضع الجيوسياسي، وتشمل هذه المحددات: هيكل السلطة والنظام السياسي؛ والعلاقات والأعراف الاجتماعية؛ والأداء الاقتصادي والظروف المعيشية؛ والظروف البيئية والخصائص الديموغرافية.
صيغت هذه الورقة البحثية كجزء من تقرير الراصد العربي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية 2023 – الحق في الصحة، وتهدف إلى تقييم الحق في الصحة خلال فترة النزاع في سوريا. تستخدم هذه الدراسة نهج الاقتصاد السياسي (كوهن وهيرا 2020) لتعميق فهم علاقات القوة خلال النزاع من خلال تحليل سياق الحرب، ورسم خارطة الجهات الفاعلة الرئيسية، وتحليل السياسات والتدخلات، وتقييم أثر العوامل المختلفة على قدرات السكان (وفقًا لنهج القدرات، الذي طوّره سين عام 1999). تدمج الدراسة المجالات السياسي والاجتماعي والاقتصادي في زمن الحرب لتشخيص ديناميات النزاع المعقّدة.
تلخّص هذه الورقة البحثية النتائج الصحية الكارثية، وتحدّد الجهات الفاعلة الرئيسية وسياساتها التي تؤثّر على صحة السكان والنظام الصحي، وتشخّص المحدِّدات الاجتماعية للصحة في سياق النزاع حيث تولّد سياسات الأطراف المتحاربة ديناميات لتوظيف المؤسسات في النزاع وتحويل الأنظمة الصحية إلى أسلحة للسيطرة على السلطة وإخضاع الأفراد والمجتمع. وأخيرًا، تقدّم التوصيات لمواجهة ديناميات النزاع وتخفيف آثارها السلبية على الصحة العامة.
يعتمد هذا التقرير على عدّة مسوحات أجراها المركز السوري لبحوث السياسات وشملت كافة المناطق السورية، وهي مسح حالة السكان لعام 2014، والمسوحات الاجتماعية والاقتصادية لعامَي 2020 و2021، ومسح المواطنة لعام 2022. اعتمدت هذه المسوحات نُهُجًا تشاركية مع المجتمع المحلي وشملت مقابلات معمقة مع الأشخاص المفتاحيين. تستخدم هذه الورقة أيضًا مسوحات المركز الشهرية لأسعار المستهلك للأعوام 2020-2022؛ ونتائج مشاركة المركز في ذا لانست-الجامعة الأمريكية في بيروت المعنية بسوريا؛ وورقة خلفية عن النزاع والقدرات في المجال الصحي في سوريا، كما تم استخدام البيانات الثانوية والأدبيات ذات الصلة من مصادر مختلفة مذكورة في التقرير.
يعكس النزاع الكارثي والمستعصي في سوريا الفشل الخطير للآليات الدولية، والوطنية، والمحلية في إنفاذ الحق في الحماية، حيث تعرض ملايين السوريين للقتل، والإصابة، والخطف، والتعذيب، والحرمان من الحقوق الأساسية. واستنزف النزاع حقوق الأفراد، وقدراتهم، وخياراتهم، واقترن ذلك باختلال حادّ في عمل المؤسسات والأنظمة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. ويعود النزاع أيضًا بآثار خطيرة على المنطقة والعالم وذلك من خلال مفاقمة اقتصاديات النزاع، وسياسات الهوية والتطرف، وتفشي القمع والقوى السياسية غير الخاضعة للمساءلة، وتطبيع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والصراعات في مجلس الأمن.
تسبّب النزاع المسلّح بتجزئة الجغرافية السورية وتقسيمها بين عدّة جهات محلية، وإقليمية، ودولية، ما أدّى إلى قيام مؤسسات مرتكزة إلى العنف إلى حدّ كبير؛ وذلك بعد أن أصبح النزاع مصدرًا للقوة والموارد والحوافز. وأثّرت هذه المؤسسات سلبًا على النظام الصحي العام؛ فأعاقت الوصول إلى الخدمات والأدوية؛ وتسببت باستمرار انتشار التمييز؛ وأضعفت الطاقة الاستيعابية في مجال الرعاية الصحية؛ وتسببت في تدمير البنية التحتية للصحة، بما يشمل استهداف المستشفيات والعاملين في مجال الرعاية الصحية (HCWs)؛ كما تسبّبت في تدهور صناعة الأدوية في سوريا (فؤاد وآخرون 2017؛ المجلس السوري لبحوث السياسات 2020).
وبرزت جائحة كوفيد-19 كعامل جديد ألحقَ الضرر المباشر بالصحة العامة نتيجة التزايد الكبير في الحالات المؤكدة والوفيات ذات الصلة، وتسبّبَ بمزيد من التدهور في الوضع الاجتماعي والاقتصادي للسوريين في كافة أنحاء البلاد. وأتى الزلزال الذي وقع في فبراير/شباط 2023، ليضيف إلى معاناة السوريين، حيث أنّ آثاره الكارثية لم تقتصر على الخسائر المادية والبشرية فحسب بل امتدت أيضًا إلى الهياكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية السورية.
الرجاء الضغط هنا لتحميل النسخة الكاملة
هذا البحث هو جزء من تقرير الراصد العربي ٢٠٢٣ عن الحق في الصحة.