المساعدات في اليمن بين الحاجة الملحة والمخاطر طويلة الأمد!
من يوم لأخر يشهد الريال اليمني تدهورًا متسارعًا في قيمته مقابل الدولار والعملات الصعبة الاخرى وهو مؤشر على مستوى التردي الاقتصادي الذين تعيشه اليمن وهي تدلف نحو سنة حرب سابعة في ظل أسوأ ازمة إنسانية في العالم!
فقد الريال اليمني أكثر من ثلثي قيمته منذ بدء الحرب، في حين يعيش ٥٠ ألف شخص فيما يشبه المجاعة؛ أكثر من ٢١ مليون يمني بحاجة إلى المساعدة والحماية وهم يشكلون ٦٦ بالمئة من السكان وفقا لتقارير الأمم المتحدة.
المؤسف ان هكذا وضع مأساوي مستمر بالتفاقم مع استمرار الحرب وتعثر مشاورات السلام المستمرة في عواصم الدول المجاورة والتي تملك السلطة الفعلية المؤثرة في قرارات الحرب اليمنية الراهنة.
تؤكد تقارير وكالات الامم المتحدة ان قدرتها على تقديم مساعدات إنسانية منقذة للحياة كالغذاء والماء والرعاية الصحية قد تراجعت بصورة ملفتة من ١٤ مليون شخص شهريًا إلى عشرة ملايين شخص فقط بسبب عدم توفر التمويل، علما بأن تلك التغطية هي في حدها الأدنى، على سبيل المثال 2.3 مليون طفل تحت سن الخامسة في اليمن يعانون من سوء التغذية الوخيم ومن بين هؤلاء الأطفال، 400 ألف طفل قد يموتون إذا لم يتلقوا العلاج بصورة عاجلة!
ورغم تأكيدات الامم المتحدة بأنها ومن خلال وكالات الاغاثة قامت بأكبر وأسرع عمليات المساعدة في التاريخ الحديث في ٢٠١٨م اذ وصلت إلى ما يقارب ١٤ مليون شخص شهريا، وأنها حالت دون وقوع مجاعة واسعة النطاق ودون تفشي أمراضًا مميته كالكوليرا وغيرها؛ الا أن ملف الاغاثة والمساعدات الانسانية هي أحد القضايا الساخنة والشائكة في ذات الوقت.
وتشكل المساعدات الاغاثية أهمية كبيرة للاقتصاد اليمني في المرحلة الراهنة اذ بات حجمها الكلي يوازي تقريبا حجم الموازنة العامة للدولة، وأصبحت تشكل اقتصادا موازيا للاقتصاد الرسمي مع ما يحمله ذلك من مخاطر كبيرة مستقبلية، لعل أبرز مظاهرها يتمثل في خلق مجتمع واسع من الأشخاص المعتمدين على الاغاثة العاجلة في حال لم يتم تغيير استراتيجية التعاطي مع هذا الملف من كافة الأطراف.
التحديات التي تواجه مسار المساعدات في اليمن
خلال السنوات الماضية عقدت العديد من مؤتمرات المانحين من أجل اليمن كان اخرها المؤتمر الرابع في مارس/اذار ٢٠٢١م تعهد فيه المانحون بتقديم 1,7 مليار دولار، واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش حينها بأن المبلغ "مخيب للآمال" حيث كانت الامم المتحدة تتطلع إلى جمع 3,85 مليارات دولار، الا انه اعتبرها كدفعة أولى مناشدًا الدول المانحة للتبرع بسخاء لتجنب مجاعة واسعة النطاق في اليمن.
ورغم أهمية استمرار الاغاثة الانسانية في اليمن للتخفيف من تدهور الاوضاع الانسانية وحماية الفئات الأكثر عرضة لمخاطر الجوع والمرض، الا أن إدارة وتوزيع الاغاثة تواجه انتقادات عديدة تتمثل في ضعف الشفافية لدى وكالات الامم المتحدة والمنظمات الدولية العاملة في قطاع الاغاثة ووكلاءها المحليين وتأثيرات القوى السياسية والعسكرية المسيطرة على الأرض على طريقة إدارة وتوزيع تلك المواد الاغاثية والمساعدات.
وفي حين تتجاوز حجم النفقات التشغيلية لوكالات الاغاثة العاملة في اليمن ٤٠ بالمئة من إجمالي المنح المخصصة لليمن فإن الكثير من تلك الاموال تركز على العمل الاغاثي اليومي المؤقت وغير المستدام ناهيك عن العجز في الوصول إلى الفئات الأكثر احتياجا نظرا للعديد من التأثيرات السلبية وتعقيدات الوضع السياسي والأمني والعسكري.
وذلك يفسر بطريقة او بأخرى عجز تلك الجهود عن إيقاف حالة التدهور المتسارع في كل المؤشرات السلبية على كافة الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية.
وفي حقيقة الامر فإن شركاء العمل الإنساني في اليمن يبذلون جهودًا كبيرة لاحتواء الازمة الانسانية لكن الازمة تبدو أكثر استفحالا مع استمرار مسبباتها وتضييق الفرص امام اليمنيين في استئناف حياتهم الطبيعية.
يواجه اليمنيون حربا محلية وإقليمية على حد سواء فعلى المستوى المحلي تواجه عمليات الاغاثة الانسانية تحديات كبيرة تتمثل في محاولة تجيير عمليات الاغاثة الانسانية لصالح أطراف النزاع فعلى سبيل المثال فقد كشف تحقيق أجرته اسشويتد برس الامريكية عن قيام نافذين في جماعة الحوثي باستغلال وتوجيه المساعدات الانسانية.
وتتعدد أوجه السيطرة والنفوذ المؤثر على سير العمليات الانسانية في اليمن من قبل الجماعة سواء من خلال فرض نسبة 2 في المائة من نفقات جميع المشاريع الإنسانية لصالحها وتحديد المشروعات المسموح بها، وضرورة اخذ الاذن بعمليات التوزيع من قبل مسئوليها التنفيذيين في كافة المناطق التي تسيطر عليها في البلاد، وهو ما دفع برنامج الغذاء العالمي لإعلان توقيف انشطته في اليمن في وقت سابق.
وفي أواخر العام ٢٠١٩ جرى الإعلان عن تشكيل هيئة جديدة باسم المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الانسانية والتعاون الدولي خلفًا للهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعافي من الكوارث وتم منحها إشرافًا ماليًا موسعًا من خلال التنسيق المباشر مع المانحين الإنسانيين الدوليين، وأصبحت تمتلك اليد الطولى في كافة الشؤون الاغاثية والإنسانية.
وهناك وجه آخر للمشكلة يتمثل في عدم الاستفادة من تمويلات المانحين في تعزيز قدرة الريال اليمني على الصمود نظرا لإنفاق جزء كبير من تلك الاموال خارج اليمن.
إعادة نظر في المقاربات المتبعة
وفي هذا السياق من المهم إعادة النظر في استراتيجية عمل وكالات ومنظمات الاغاثة العاملة في اليمن بما يضمن استقلاليتها وقدرتها على الوصول إلى المحتاجين بصورة مباشرة، وبحيث تتبع منهجية تبنى على الاستمرارية والتمكين الاقتصادي للمجتمعات المحلية.
إن ما يخصص للدعم الاغاثي والإنساني من موارد لابد وان يتحول جزء منها لدعم الحلول المستدامة، فاليمن بحاجة ماسة لإعادة تنشيط المشاريع الريادة المتعثرة ودعم المشاريع الابتكارية الجديدة وذلك من خلال حزمة من السياسات والإجراءات التي تهدف الي دعم وتشجيع المبادرات الريادية اثناء الصراع وعبر شراكة فاعلة بين رواد الاعمال والحكومة والمنظمات الدولية الداعمة والقطاع الخاص.
مصطفى نصر
رئيس مركز الدراسات والاعلام الاقتصادي