قراءة موجزة حول الفضاء المدني في البحرين في ظل الحرب على غزة - أبريل 2024
أزداد التضييق على حركة المجتمع المدني في البحرين خلال الأشهر الستة الأخيرة وخاصة بعد المجرزة الصهيونية على غزة سواء، كانت تتعلق باستمرار التدقيق الأمني ورفض بعض المرشحين لانتخابات مجالس ادارات مؤسسات المجتمع المدني أو استمرار التضييق على تمويل الجمعيات سواء أكان التمويل من الداخل أو الخارج، أو حل بعض مجالس ادارات الجمعيات أو الاستيلاء على مقار الجمعيات الشبابية التي تفاجئت بهذا الاجراء من الوزارة دون علم الجمعيات الشبابية أو مجالس اداراتها، أو تحويل بعض الجمعيات للنيابة العامة والتحقيق مع رؤساء مجالس اداراتها بتهمة جمع مال عام بدون تصريح أو التأخير في منح بعض الجمعيات التصريح في عقد جمعياتها العمومية بدون ذكر اسباب التأخير أو بتهم ادارية أخرى. وفي نجاح للجهود التي بذلتها بعض الجمعيات وبعض نشطاء المجتمع المدني من خلال التواصل مع بعض أعضاء مجلس النواب من أجل الحد من التضييق على مؤسسات المجتمع المدني كما يرد في المرسوم بقانون 21 لسنة 1989 الخاص بالجمعيات الأهلية والتعديلات التي أجريت عليه وبهدف التخفيف من البيئة الضاغطة على هذه المؤسسات، ناقش مجلس النواب مقترح بقانون لتعديل المادة 43 لألغاء البند الخاص بشرط التمتع بالحقوق المدنية والسياسية الذي ادخل على المرسوم في العام 2018 الذي بموجبه حرم الكثير من قيادات المجتمع المدني ذوي الخبرة والكفاءة من الترشح لمجالس ادارات هذه المؤسسات.
وعلى مستوى تأثير الحرب الصهيونية على غزة، سمح للجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني بإقامة فعاليات شبه اسبوعية سواء مسيرات أو وقفة تضامنية، وبنفس الوقت منعت الجهات الرسمية منح جمعيات اخرى القيام بأية فعاليات رسمية مصرح بها لدعم صمود الشعب الفلسطيني في غزة والمطالبة بوقف اطلاق النار فوراً حيث لم تمنح الجهات الرسمية تصاريح لجمعيات أخرى إلا واحدة، كما وتطلب من الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع تحديد الشعارات في المسيرات لما يتعلق بالقضية الفلسطينية مسبقاً دون رفع شعارات عن الوضع المحلي أو مهاجمة أو الاشارة الى أي دولة أخرى واتهامها بالتقصير في دعم القضية الفلسطينية. فيما تعرض بعض الشباب للتوقيف أو التحقيق الأمني، بسبب المشاركة في مسيرات ليلية دعما للقضية الفلسطينية. وسبق ذلك الحكم على 6 من الشباب البحرينيين بالسجن 3 أشهر بسبب مشاركتهم في تظاهرة للتضامن مع الشعب الفلسطيني والمطالبة بطرد السفير الصهيوني من البحرين، وما تتعرض له غزة من إبادة جماعية، وقد كانت الاتهامات الموجهة لهم، "المشاركة في مظاهرات غير مرخصة"، في تضييق على حرية التجمهر. كما أستمر تحالف المبادرة الوطنية المكون من 27 – 32 جمعية في اصدار البيانات المتعلقة بالقضية الفلسطينية والمطالبة المستمرة بقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني وسحب السفراء. ويأتي على رأس هذه البيانات ما طالبت به المبادرة في بلاغ للنائب العام في البحرين بتحريك الإجراءات القانونية ضد تواجد أي مسؤول من حكومة الكيان الصهيوني على أرض البحرين وفي مياهها الإقليمية.
وفي مؤشر سلبي على الوضع الحقوقي وخاصة حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة جاءت البحرين في المركز 173 على مؤشر الصحافة لعام 2023 الذي تصدره منظمة صحفيون بلا حدود، من أصل 180 دولة حيث تبوأت المركز قبل الأخير عربيا "تسبق النظام السوري". انعكس هذا التضييق على توقيف بعض المواطنين على ذمة التحقيق لمدة 7 أيام بناء على قرار من النيابة العامة بسبب تغريدات على منصة ( X ) تويتر سابقاً أو في وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى مثل التك توك أو الانستغرام حيث تمارس ضد النشطاء على هذه الوسائل رقابة شديدة من الأجهزة الأمنية، سواء كانت هذه التغريدات تتعلق بالوضع المحلي أو تتعلق بموضوع القضية الفلسطينية أونشر اخبار ومتابعات صحفية وغيرها. وفي الآونة الأخيرة قامت بعض الوزارات والهيئات الحكومية برفع قضايا على مواطنين انتقدوا أداء هذه الوزارات أو الهيئات. حيث أحالت وزارة التجارة بعض المدونين على مواقع التواصل الاجتماعي إلى التحقيق في النيابة أو الجهات الأمنية وكذلك فعلت وزارة التربية التي اتخدت اجراءات قضائية ضد الكثير من المدونيين ومنهم موظفين في الوزارة. كما اتخدت بعض الجهات الحكومية اجراءات قانونية وتوقيف لبعض المدونين أو الأكاديميين أو الباحثين التاريخيين مما يعد معه قمع لحرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير.
ولابد من التطرق الى الخطوة الإيجابية التي اتخدها ملك البحرين في شهر أبريل 2024 باصداره عفو ملكي خاص ومفاجئ، باطلاق سراح 1584 محكوم منهم حوالي 621 محكومين على خلفية احداث البحرين في العام 2011 تمت الاشارة اليهم في قرار العفو الخاص " بقضايا الشغب وجنائيين"، لطالما نفت البحرين وجود سجناء سياسيين أو سجناء بسبب التعبير عن الرأي، أحدث هذا العفو ربكة في الوسط الحقوقي والسياسي. وقد بررت البحرين رسمياً هذا العفو المفاجئ بمرور 25 عاما على تولي الملك مقاليد الحكم منذ 1999م إلا إن بعض المحللين يرون أن هذا الأمر ربما مرتبط بتطور الأحداث الأمنية في المنطقة والأقليم بسبب الحرب المستمرة على غزة واحتمالية انعكاسها على أمن منطقة الخليج خاصة بعد الأحداث العسكرية بين ايران والكيان الصهيوني. لقد خلقت هذه الخطوة أيضاً ربكة في الجانب المؤيد للحكومية ونتج عن هذا الأرتباك انتشار لخطاب الكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي مما استدعى تحويل بعض المغردين للتحقيقات والتوقيف والتحويل للقضاء ويعزي بعض النشطاء ان انتشار هذا الخطاب الى اطلاق سراح مجموعة من المحكومين بسبب احداث 2011 ويعود ذلك الى التحريض الذي يقوده بعض الأطراف المتضررة من أية مصالحة وطنية حيث استخدام هؤلاء الذباب الأليكتروني وبعض المحسوبين على بعض المتنفذين في بث خطاب الكراهية. ولازال هناك المئات من المحكومين على خلفية احداث 2011 ويقدرهم بعض الحقوقيين باكثر من 500 فرد منهم مجموعة القادة السياسيين الذين ينظر لهم المجتمع بان الافراج عنهم سيقود الى مرحلة جديدة من التفاهم والتعاون بين الشعب والحكومة.
لقد تعرضت ثقة الجمهور في الاجراءات الحكومية والتصاريح التي تطلقها الجهات الرسمية من وقت لآخر لعدم الثقة فيما تقوله وذلك بسبب عدم الشفافية والافصاح عن المعلومات والبيانات بشكل جدي و واضح خاصة التجارب السابقة مثل تصاريح وزارة العمل حول أعداد العاطلين ونسبة البطالة، وأعداد الذين يتم تعيينهم من البحرينيين والذي يتضارب والأرقام التي تعلنها هيئة التأمينات الاجتماعية وكذلك عدم ثقة الجمهور في تصاريح وزارة المالية فيما يتعلق بالدين العام والذي يتعارض وما يعلنه ديوان الرقابة المالية والادارية في تقاريره. وجاء تسرب غاز "النفثا" من أحد خزانات شركة بابكو مع عدم الأفصاح عن المخاطر الشخصية والبيئية المحتملة حيث ادعت الجهة الرسمية بعدم وجود مخاطر، في الوقت الذي نقلت فيه أعداد من المواطنين الى المستشفيات في حالة طارئة من الساكنين في المناطق القريبة من الخزان، ثم أعلنت الشركة تجاوز مرحلة الخطر. هذه التصاريح المتضاربة وعدم الشفافية وعدم الأفصاح، يضع هذه الجهات في تحدي حقيقي حول مصداقيتها.