على كوكب أكثر حرارة: أيّ ثمن دفعته المنطقة العربية في 2024؟ - جودي الأسمر
على كوكب أكثر حرارة: أيّ ثمن دفعته المنطقة العربية في 2024؟ - جودي الأسمر
تتلاحق قمم المناخ دون أن تكبح عدّاد الاحتباس الحراري الذي يواصل زيادة سخونة الأرض.
في أحدث التقييمات، أصدرت خدمة "كوبرنيكس للتغير المناخي" في أيلول/سبتمبر 2024 تقريراً[1] تحذيرياً للعالم حول ارتفاع غير مسبوق لحرارة الأرض، خاصة في الجزء الشمالي. وقد سجّل شهر آب/أغسطس ارتفاعاً بمقدار 1.51 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الصناعة، وكانت الخلاصة مدويّة: "صيف 2024 هو الأعلى حرارة على الإطلاق".
أما في المنطقة العربية، التي لم يتناولها التقرير، عكست سنة 2024 نتائج قاسية لإحترار الكوكب. من الفيضانات المفاجئة إلى الحرائق والجفاف الشديد، تواجه السودان والجزائر ومصر أزمة في التكيف المناخي، مما تسبّب بظواهر مناخية متطرّفة نستعرضها في ما يلي.
السودان: سيول وفيضانات
كوارث المناخ معطوفة على كوارث النزاع.
أواخر آب/أغسطس 2024، تناقلت شاشات أخبار السودان مشهداً لسودانيين يحفرون قبوراً في أرض موحلة وغارقة بالمياه. لم تكن القبور لضحايا النزاع المستمر منذ سنتين، بل لدفن 30 شخصاً قضوا في انهيار سدّ أريعات في بورتسودان، العاصمة الإدارية المؤقتة للحكومة، والتي شهدت فيضانات مفاجئة جراء الأمطار الغزيرة.
وذكر تقرير أمميّ[2]، أنّ 70 قرية حول السدّ تأثرت، ودُمرّت 20 قرية، وكذلك منازل 50 ألف شخص. كما انهارت 84 بئراً، وفقد 10 آلاف حيوان، و70 مدرسة إما تضررت أو دمّرت، وعدد من السكان نزحوا إلى الجبال في ظروف قاسية.
وبالتزامن[3]، هطلت في أقاصي شمال السودان وفي ولايتي كسلا ونهر النيل، أمطار غزيرة في غير موسمها، مخلّفة خسائر مشابهة.
وبنتيجة[4] الفيضانات والمياه الراكدة، رصدت حوالي 2900 حالة مشتبه بها من الكوليرا، ويتعرّض نحو 124 ألف شخص لمخاطر المجاعة في عاصمة شمال دارفور، ذلك أنّ الأمطار الغزيرة أغرقت الأراضي الزراعية، كما أعاقت وصول المساعدات الغذائية. ونبّه برنامج الأغذية العالمي[5] إلى أن "الأمطار الموسمية والفيضانات تضيفان طبقة أخرى من البؤس بالنسبة للأسر النازحة الجائعة."
في الوقت نفسه، أفقدت الحرب قدرة المؤسسات الرسمية في السودان على تنظيم الأراضي الزراعية في موسم الأمطار الصيفي، الأمر الذي يعمّق انهيار الأمن الغذائي في بلد المجاعة والنزاع.
وفي حين تُعتبر الأمطار إِشارة رزق للمجتمعات الزراعية التي تشكّل جلّ مساحة السودان، غير أنّ سيول الأمطار المصحوبة بعواصف، وأمطار متطرفة في غير موسمها، تُميّزان ارتدادات للاحتباس الحراري.
يفيد التذكير أنّ السودان مُصنّف من بين البلدان الأقلّ نموّاً، وبالتالي فهو متأثّر بـالتغير المناخي وتحديداً الاحتباس الحراري لا مؤثّراً فيه، فالسودان ليس بلداً صناعياً، وبالتالي فقد ساهم بأقل قدر في أزمة تغير المناخ، إنما يتحمّل العبء الأكبر.
الجزائر: حرائق مستمرة
على الرغم من تسجيل الجزائر أكبر انخفاض في حرق الغاز عالمياً خلال 2023، فإنّ البلاد شهدت صيفاً شديد الحرارة، راوحت بين 49.5 و48.1 درجات تحت الظل خلال شهر تموز/يوليو 2024، بحيث صنّففت مراكز رصد الجوّ العالمية الجزائر من أكثر البلدان حرارة، وتحديداً في ستّ مناطق جنوبية.
في الشهر نفسه، اندلعت 73 حريقاً في ولايات مختلفة خلال 48 ساعة[6]. أمّا في آب/أغسطس 2024، فقد أجليت عشرات العائلات[7] من مناطق في القبائل الجبلية، بسبب اندلاع حرائق واسعة، التهمت شجر الزيتون.
ويبيّن تقرير "آثار التغيرات المناخية في الجزائر"[8]، أنّ الغابات والأشجار تغطي أقل من 1% من مساحة الجزائر، لكن حرائق الغابات تشكّل واحداً من المخاطر الثلاثة الكبرى على الأرواح والغابات والاقتصاد الجزائري، علماً أنّ هذه المآسي باتت سمة لصيف الجزائر، وبلغت ذروتها في حرائق صيف 2021، بحيث حصدت 69 قتيلا، وأحرقت عشرات المنازل، وغابات الزيتون، وأعلنت البلاد الحداد.
وسجّل عام 2022 خسائر بيئية نوعية في 10 آلاف هكتار من منطقة "القالة" المصنفة بحسب الأونيسكو خزانا للتنوع البيولوجي.
كما شهدت الجزائر[9] ما بين عامي 2010 و2019 قرابة 3 آلاف حريق التهمت مساحة تعادل نحو 30 ألف ملعب لكرة القدم. وتبلغ الخسائر السنوية في الأصول ما يعادل 11 مليون دولار.
مصر: زراعات يقتلها الحرّ
تتنامى معاناة المزارعين المصريين مع تدهور خصوبة أراضيهم. ويعزو المتضررون الظاهرة لحرارة الأرض المتزايدة ونقص المياه.
في 2024، عانت قرية "أبودنقاش" الواقعة في محافظة الفيوم، خسارة "أشهر الأكلات المصرية"[10]، وهي الملوخية، التي ضُرب موسم حصادها بسبب جفاف المياه، والقرية تُعدّ الأولى عالميّاً في تصدير هذه الزراعة.
وليس الضرر محصوراً في التراث الغذائي، ولا في اقتصاد محلّيّ؛ بل غدا "ارتفاع الحرارة في مصر نذير شؤم لاقتصادات العالم"، بحسب بلومبرغ[11]. تناولت الوكالة الاعتمادية المتزايدة لمصر على الواردات في تحقيق اكتفائها من المواد الأولية، وفي طليعتها الغاز الطبيعي المسال الذي استوردته الحكومة المصرية بنسب هي الأعلى منذ عام 2018، بهدف توفير الطاقة الكهربائية الكافية لتشغيل مكيفات الهواء، والتي تسهم بدورها في الاحتباس الحراري.
وبحسب التقرير، زادت اعتمادية مصر أيضاً على وارداتها من الحبوب، خاصةً القمح.
لا عدالة مناخية
يبدو هدف العالم، الذي أرسته قمة المناخ في باريس، في الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية عند 1.5 درجة فوق مستويات ما قبل الصناعة، حلماً يجافي الواقع المرير. وفي حين تستمرّ الدول الصناعية بإنتاج الغازات الدفيئة، وتدفع الكوكب نحو نقطة اللاعودة، تدفع دول عربية ثمن هذه الفواتير المناخية.
المفارقة القاسية تكمن في أن البلدان الأكثر تضرراً هي الأقل مسؤولية عن أزمة المناخ. السودان، بفيضاناته، والجزائر، بحرائقه، ومصر، بجفاف أراضيها، ليست سوى أمثلة على أن التغير المناخي لا يميز بين الدول، لكن المؤكّد أنّ الأضعف بينها يتحمّل العبء الأكبر.
تلحُّ الحاجة في قمّة كوب 29 إلى إعادة تقييم جذرية لآلية توزيع المسؤوليات. يجب أن تتحمل الدول الصناعية مسؤولية جدّية، ليس فقط في تقليل انبعاثاتها، بل أيضاً في تقديم الدعم المالي والتقني للدول التي تدفع ثمن الاحتباس الحراري من أراضيها ومواردها وأرواح سكانها. إن لم تعالَج الفجوة القائمة بين المسؤولية والتبعية، فإن تحقيق العدالة المناخية سيظلّ حبراً على ورق، بينما تحترق البلدان العربية وتغرق.
جودي الأسمر
مراجع
[1] "Copernicus Summer 2024: Hottest Record Globally and in Europe," Copernicus Climate Change Service, September 6, 2024, https://climate.copernicus.eu/copernicus-summer-2024-hottest-record-globally-and-europe.
[2] "السودان: سقوط 30 قتيلا ودمار منازل نحو 50 ألف شخص بسبب انهيار في سد أربعات"، الأمم المتحدة، 27 آب/أغسطس 2024، https://news.un.org/ar/story/2024/08/1133831.
[3] "في السودان، أمطار تهطل في غير موسمها تفاقم معاناة السكان"، بي بي سي عربي، 14 آب/أغسطس 2023، https://www.bbc.com/arabic/articles/ckg2zzrm2p5o.
[4] "السودان: الأمطار الغزيرة والفيضانات تفاقم الوضع الإنساني المتدهور بالفعل"، الأمم المتحدة، 9 أيلول/سبتمبر 2024، https://news.un.org/ar/story/2024/09/1134251.
[5] "السودان: الاستجابة الأممية لانعدام الأمن الغذائي تواجه تحديات النزاع والفيضانات"، الأمم المتحدة، 12 أيلول/سبتمبر 2024،
https://news.un.org/ar/story/2024/09/1134426.
[6] "الجزائر تسجل 73 حريقاً في 48 ساعة"، الحرّة، 7 يوليو/تموز 2024،
https://www.alhurra.com/algeria/2024/07/07/الجزائر-تسجل-73-حريقا-في-48-ساعة
[7]"الجزائر تعلن السيطرة على حرائق أدت لإجلاء سكان من مناطق بشمال شرق البلاد"، فرانس 24، 11 آب/أغسطس 2024،
https://www.france24.com/ar/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%A7%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9/20240811-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%AC%D9%84%D9%8A-%D8%B3%D9%83%D8%A7%D9%86%D8%A7-%D9%85%D9%86-%D9%85%D9%86%D8%A7%D8%B7%D9%82-%D8%A8%D8%B4%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%84%D8%A7%D8%AF-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%A7%D9%86%D8%AF%D9%84%D8%A7%D8%B9-%D8%AD%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%82
[8] "صدور الكتاب الأبيض حول تأثيرات التغير المناخي في الجزائر"، وكالة الأنباء الجزائرية، 21 أيلول/سبتمبر 2024، https://www.aps.dz/en/economy/38270-white-book-on-climate-change-impact-in-algeria-comes-out.
[9] أندريا كوتر، كريمة بن بيه، ساندرين جوفريه، "الإدارة المستدامة للغابات في الجزائر وجدواها في التصدي لما تسببه حرائقها من مخاطر"، بلوغ البنك الدولي، 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، https://blogs.worldbank.org/ar/arabvoices/sustainable-forest-management-will-help-algeria-tackle-risk-wildfires.
[10]مي الوزير، "التغير المناخي يهدد أشهر الأكلات المصرية (التفاصيل)"، المصري اليوم، 18 تموز/يوليو 2024، https://www.almasryalyoum.com/news/details/3216852.
[11] "Egypt's Early Heat Wave Is Ominous Warning for Economies, Trade," Bloomberg, June 12, 2024, https://www.bloomberg.com/news/features/2024-06-12/egypt-early-heat-wave-is-ominous-warning-for-economies-trade?embedded-checkout=true.