طروادة إدماج الشباب الفلسطيني في الجهود التنموية الدولية... بين الواقع والتكهُنات - تمارا الطيبي
طروادة إدماج الشباب الفلسطيني في الجهود التنموية الدولية... بين الواقع والتكهُنات - تمارا الطيبي
طروادة أهداف التنمية المٌستدامة 2030م
يُقال أن قصة حرب طروادة وقعت بين الطرواد والاغريق على الأراضي التركية، وكانت طروادة من أقوى المدن تحصيناُ وأمنعها على الاقتحام لذلك فشل الإغريق باقتحامها، فخطط الإغريق لبناء حصان طروادة وهو حصان من الخشب مُفرغاً من الداخل لإخفاء الجنود الاغريق بداخله ليظهر أن باقي الجيش الاغريقي ينسحب لترسيخ عقيدة الهزيمة في ذهنية الطرواديون ومنحهم الشعور بالأمان في أن الاغريق انسحبوا من المعركة ومن ثم يُقدم الاغريق الحصان للطرواديون على أنه هدية للسلام بينهم، وبعد بدأ الاغريق بتنفيذ الخطة وخروج الجنود من الحصان فنهبت المدينة وحرقت بلا رحمة وقُتل الرجال وأخذ النساء سبايا وعبيد.[i]
فهل في العصر الحديث نواجه خديعة تشبه حصان طروادة لكن بمفاهيم وسياق وزمان ومكان مختلف عما كانت عليه في السابق تحت أجندات وبرامج ومُسميات نقبلها لا بل نُقبل عليها بلهفة وشغف، وهل أهداف التنمية المستدامة كأجندة دولية وإطار معياري استرشادي أجمعت وتعهدت الدول بتنفيذ التزاماتها بها تٌجسد خديعة وملهاة للعالم لإبعاد أنظارهم عن الهموم القومية والسيادية لدولهم وإغراقهم بملهاة القضايا التنموية، وهل مازال الشباب الفلسطيني المُنخرط في عملية تسريع تحقيق تقدم مُحرز بأهداف التنمية المستدامة يؤمن ويثق بأي مسارات ترسُم الأمل والثقة في مستقبل أفضل بعد أحداث 7 أكتوبر 2023م.
سفير نموذجاً لتجديد الأمل والثقة
سفير هو مشروع طموح لصالح 9 بلدان من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وهي (فلسطين، لبنان، الأردن سوريا، مصر، تونس، ليبيا، المغرب، الجزائر) بتمويل من الاتحاد الأوروبي، وذلك لبناء قدرات الشباب في المناصرة لأهداف التنمية المستدامة، وتعزيز الإدماج الاقتصادي لإشراك الشباب في عمليات صنع القرار الوطنية والإقليمية والدولية لتحقيق تقدم مُحرز في أهداف التنمية المُستدامة 2030.
استفاد من المشروع ما يقارب 400 شاب/ة من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من ضمنهم 68 شاب/ة من فلسطين، إن رحلة اكتساب المعرفة على متن سفير مكنتنا كشباب فلسطينيين في وقت لاحق من رسم سياسات على طاولة صنع القرار من خلال تدخلات تنموية وضعها الشباب في الاستراتيجيات الوطنية للعديد من الوزارات الفلسطينية منها وزارة شؤون المرأة، المجلس الأعلى للشباب والرياضة، وزارة التربية، وزارة التنمية الاجتماعية، وكذلك وضع تدخلات تنموية في استراتيجيات وكالات الأمم المتحدة الفاعلة في فلسطين منها صندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA، و المنظمة العالمية للتربية والعلوم والثقافة UNESCO، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة UN WOMEN .
من خلال سفير برز دور للشباب الفلسطيني في نقل توصيات المشاركين في برنامج سفير لسنتين متتاليتين 2022-2023 إلى المنتدى السياسي رفيع المستوى الذي يُعقد سنوياُ في نيويورك، وقد كانت جٌل هذه الإسهامات تٌعزز الثقة والأمل لدى الشباب الفلسطيني بدورهم في رسم المسارات التنموية لمٌستقبل الأجيال القادمة، بما يتفق مع الرؤية العالمية للأجيال القادمة والمتمثلة ب "أجندتنا المٌشتركة" والتي اعتمدها الأمين العام للأمم المٌتحدة أنطونيو غوتيرش عام 2022م، والذي يضمن تمثيل الشباب في صنع القرار.[ii]
وكخريجة من الجيل الأول من برنامج سفير مارسنا دور في تصميم وتطوير البرامج التكميلية والمُنبثقة عن سفير ومنها برنامج "تمكين الشباب من أجل الأهداف التنموية والمساواة بين الجنسين" لصالح الشباب في منطقة الضفة الغربية والُمُنفذة من قبل مُؤسسة شيم الفلسطينية، وفيه شاركنا كقادة وشركاء في عملية تصميم البرنامج واختيار الشباب المستفيدين من البرنامج وتوجيههم في تحويل الحملات التي تصُب في تحقيق تقدُم مُحرز للهدفين 5، و10 من أهداف التنمية المُستدامة والمُتعلقة بالحد من أوجه المساواة بين الجنسين والنوع الاجتماعي المُفترض توجيهها في مناطق الضفة الغربية، إلى حملات لمناصرة النساء والأطفال الخُدج في قطاع غزة استجابة للجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والإبادة الجماعية التي وقعت على المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة والتي بلغت مُجمل آثارها بنسبة 75% على النساء والأطفال عقب أحداث 7 أكتوبر.
اندمج الشباب الفلسطيني في تصميم حملات المناصرة لأهداف التنمية المستدامة بطرقهم الخاصة، محققة بذلك تقدم محرز لم تكُن بالحسبان لتصل أبعد من الهدفين 5، و10 ليشمل أيضاٌ الهدفين 16، و17 من أهداف التنمية المستدامة والمتعلقة ببناء السلام والعدالة وبناء مؤسسات قوية وعقد الشراكات بين الشباب، وكذلك تكريس أشكال التضامن والالتحام متجاوزة بذلك ما سعى الاحتلال لتكريسه بفصل الضفة الغربية عن قطاع غزة مشكّلة بذلك بارقة أمل في إعادة الوحدة الديمغرافية والسياسية.
طروادة أهداف التنمية المستدامة بعد أعقاب 7 أكتوبر 2023
يقول يوسف من قطاع غزة وهو أحد الشباب الخريجين من سفير "أنني عاصرت 5 حروب إلا أن أحداث هذه الحرب غير مسبوقة وهي الأكثر إيلاماٌ"، ففعلياٌ هذه الحرب نسفت كافة الجهود التنموية الدولية والوطنية في قطاع غزة وتراجع مستوى التنمية لدولة فلسطين مابين 11-16 عاماٌ إلى الوراء،[iii] فلم يعد هنالك أي مقومات تنموية أساسية ابتداءً من الهدف الأول حتى الهدف السابع عشر أي من القضاء على الفقر وصولاٌ لبناء الشراكات.
فيُتوقع ارتفاع مُعدلات الفقر في قطاع غزة بمعدل 20% مع مرور شهر على الحرب، لترتفع بذلك نسبة البطالة بين الشباب من نسبة 45% لتصل إلى 60%،[iv] كما أن الحرب عطّلت العملية التعليميّة، وسبّبت انعدام الأمن الغذائي، وأصبح السكان يعتمدون على وسائل النقل البدائية بسبب انقطاع الوقود، والأضرار التي لحقت بالمباني والبنية التحتية مثل شبكات الصرف الصحي والاتصال، وتراجع الوضع الصحي بخروج مستشفيات عن الخدمة وانتشار الأوبئة والأمراض لنقص الأدوية والعلاج، وزيادة التلوث البيئي بفعل إسقاط أكثر من 25 ألف طن من المُتفجرات بما يُعادل قنبلتين نوويتين لتصل حصة كل فرد 10 كيلوغرامات من المُتفجرات،[v]
فهل يُعقل للشباب الفلسطيني وتحديداُ خريجي برنامج سفير من قطاع غزة أن يستعيدوا الثقة والأمل بالبرامج التنموية الدولية بعد كل هذه الكوارث الإنسانية، وبعد فقدان روحاُ مثل طارق ثابت الشاب المهندس الطموح المثابر الذي سعى من خلال انضمامه إلى برنامج سفير أن يطور من ذاته ليطور ويدعم الشباب في غزة طامحاُ بهذه الفرصة أن يبني مستقبل أفضل له وللأجيال القادمة...
وهل يُعقل للشباب اللذين تعلموا عبر السنوات الماضية دروس حول التنمية وحقوق الإنسان والديمقراطية، وبناء السلام أن يستعيدوا الثقة والأمل بهذه الدروس بعد أن اُثبت لهم سياق الواقع أن هذه الحقوق لا تحظى بالاهتمام إلا عندما يكونوا البشر المُتنفذين هم المعنيين بها.
أهداف التنمية المستدامة ليست كخديعة حصان طروادة
فبناء الشراكات التي سعى برنامج سفير لتعزيزها طيلة فترة البرنامج لم تكتمل حلقته الأخيرة، فجاء الحفل الختامي لبرنامج سفير في نوفمير 2023 - باريس أي بالتزامن مع استمرار الحرب، فبعد 40 يوماٌ من الحرب لم تستطع قوى الخير بالعالم أجمع أن توقفها، فغيّبت الحرب الحاضرين فكراُ وروحاُ شباب قطاع غزة المُستفيدين من البرنامج اللحاق بمركب الحفل الختامي أسوة بأقرانهم.
لنتفاجئ بالحفل الختامي من اصقاع باريس أن غزة وشبابها هم أسياد الموقف، وجُل عبارات التضامن والدعم تناصرهم، فكان صوتهم مسموع من خلال الشباب المشاركين المتلاحمين من الضفة الغربية، وبعبارات ملأها الأمل، دعا الشباب الفلسطينين الحاضرين المجتمع الدولي بتكثيف كافة الجهود التنموية في قطاع غزة لمرحلة ما بعد الحرب، وكذلك استعادة الثقة وتجديد الأمل بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان وجُل المسارات التنموية وبناء السلام للشباب الفلسطينيين وجبر شعورالخُذلان لديهم، وإثبات أن أهداف التنمية المستدامة هي أساس لازدهار الكوكب والأرض والناس، وليست أداة للملهاة والتضليل كخديعة حصان طروادة.
تمارا الطيبي
مراجع
[i] حصان طروادة، 12 مارس 2018، https://bit.ly/47rBxu1
[ii] تقرير خطتنا المٌشتركة، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش، مارس 2022م، http://bit.ly/3N3vBiM
[iii] حرب غزة: التداعيات الاجتماعية والاقتصادية المتوقعة على دولة فلسطين "تقديرات أولية لغاية 5 تشرين الأول 2023، https://bit.ly/3N0UD24
[iv] مرجع سابق
[v] المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، 2 تشرين الأول 2023، http://bit.ly/3N7FnjP