حقوق الإنسان على مفترق الطرق: إعادة تقييم الالتزامات العالمية وفعاليتها - أحمد م. عوض
حقوق الإنسان على مفترق الطرق: إعادة تقييم الالتزامات العالمية وفعاليتها - أحمد م. عوض
انعقد في 24 كانون الثاني/يناير 2024، ملتقى في العاصمة السويسرية جنيف، تحت العنوان المذكور أعلاه، ليمثل لحظة مهمة في الخطاب المستمر حول حقوق الإنسان والقانون الدولي.
ونظم الملتقى هيشة تنسيق مؤسسات المجتمع المدني (همم) من الأردن، بالتعاون مع شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، والتحالف المدني الأردني للآليات الدولية - حِمى، وجمعية ضحايا التعذيب في سويسرا.
ولم يكن هذا التجمع مجرد حدث آخر في الروزنامة الدولية، فقد جاء كخطوة استراتيجية وجريئة تهدف لتسليط الضوء على التحديات الحاسمة والقضايا الملحة التي تواجه حقوق الإنسان والقانون الدولي اليوم. وكان المنتدى قد عقد على هامش الاستعراض الدوري الشامل الرابع للأردن.
انبثقت فكرة عقد الملتقى على خلفية الظلم الصارخ الواقع على الفلسطينيين، والفشل الواضح للمجتمع الدولي في دعم المبادئ العالمية لحقوق الإنسان والدفاع عنها. وتركزت المناقشات على حرب الإبادة الجماعية التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي في غزة، والتي سلطت الضوء بشكل صارخ على التحيز والمعايير المزدوجة السائدة بين الدول الغربية. وقد كشف هذا التجاهل الصارخ للقانون الدولي عن أوجه القصور في الإطار العالمي لحقوق الإنسان.
وبمشاركة ما يقرب من 90 شخصًا، بما في ذلك الدبلوماسيين وممثلو الأمم المتحدة والجمعيات السويسرية والناشطون المدنيون والسياسيون، عزز المنتدى حوارا متعدد الأوجه. وقد ضمن التنسيق الجماعي للملتقى، الذي يجمع بين المشاركات الشخصية وعبر الإنترنت، الوصول والمشاركة على نطاق واسع، وتوسيع نطاق وصوله إلى ما وراء الحدود المادية للمكان ليصل إلى جمهور عالمي عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وكان الوضع المقلق لحقوق الإنسان في غزة في صلب المناقشات، حيث استشهد ما يقارب 30 الفا من الفلسطينيين، وما زال مصير أكثر من ستة الاف مجهولا تحت أنقاض البنايات التي تم تدميرها من قبل قوات الاحتلال، بالإضافة إلى أكثر من 70 ألف جريح، معظمهم من النساء والأطفال.
إن الأزمة الإنسانية القاسية، حيث النقص الحاد في الغذاء والماء والدواء والإمدادات الانسانية الأساسية، إلى جانب تدمير البنية التحتية الحيوية، ترسم صورة قاتمة لقطاع غزة. كما إن القصف المستمر والانتهاكات الصارخة للقانون الدولي من جانب دولة الاحتلال الاسرائيلي لم تؤدي إلى تفاقم معاناة الشعب الفلسطيني فحسب، بل طرحت أيضا تساؤلات جدية حول فعالية النظام الدولي لحقوق الإنسان.
ووفر المنتدى منبرا للتحليل النقدي والتفكير في حالة الالتزامات العالمية تجاه حقوق الإنسان، لا سيما في سياق القضية الفلسطينية. وشدد على الحاجة الملحة إلى إعادة تقييم المبادئ والآليات التي يقوم عليها الإطار الدولي لحقوق الإنسان. وتطرقت المناقشات إلى الدعوى القانونية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد دولة الاحتلال الاسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية، وسلطت الضوء على أهمية المساءلة ودور المؤسسات القانونية الدولية في دعم العدالة.
وشدد المتحدثون في المنتدى، ومن بينهم ممثلون عن فلسطين والأردن وجنوب أفريقيا، والعديد من الخبراء القانونيين وحقوق الإنسان، على الطبيعة المنهجية للانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل، وضرورة اتخاذ إجراءات متضافرة لمعالجة الأسباب الجذرية للصراع، أي احتلال فلسطين. وشدد المنتدى على مسؤولية المجتمع الدولي الجماعية في منع الإبادة الجماعية وحماية حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير ومقاومة الاحتلال.
كما سلط المنتدى الضوء على الدور الحاسم للمجتمع المدني والمجتمع الدولي في تحدي الخطابات السائدة، والدعوة إلى التحول نحو نظام عالمي لحقوق الإنسان أكثر إنصافًا وعدالة. وسلطت المناقشات الضوء على أهمية دعم القضية الفلسطينية وضرورة اتباع مقاربة شاملة تعالج القضايا الأساسية المتمثلة في الاحتلال والفصل العنصري والاستعمار.
وفي الختام، كان منتدى "حقوق الإنسان عند مفترق الطرق" في جنيف بمثابة نداء واضح للمجتمع الدولي لإعادة تقييم التزاماته تجاه حقوق الإنسان واتخاذ إجراءات حاسمة. وسلط الحدث الضوء على مخاطر الكيل بمكيالين والمعايير المزدوجة في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان، وشدد على أهمية الالتزام بالمبادئ العالمية للعدالة والمساواة. وبينما يتصارع العالم مع تحديات معقدة، فإن رسالة المنتدى واضحة: لقد حان وقت العمل، وعلى المجتمع العالمي الاجتماع لدعم كرامة وحقوق جميع الأفراد، وخاصة أولئك الأكثر ضعفًا.