حرب الكل ضد الكل في اليمن
اقتصاد الحرب يعيق السلام
من نافلة القول أن السلام ضرورة لليمنيين الذين يعانون من ويلات وفظائع الحرب وما ترتب عليها من فقر مدقع وبطالة وجوع وانتشار الأوبئة ليس فيروس كورونا فقط بل أوبئة متعددة بعضها معلوم والآخر مجهول مثل التيفوئيد وحمى الضنك وحمى المكرفس والملاريا وبعضها لم يجد الأطباء مسمى لها فيطلقون عليها "حمى فيروسية". وقد انصرف العالم مؤخرا عن أزمات اليمن، الذي قلما اهتم به سابقا، وانشغل بالمشكلات الكبرى المهددة لوجود الإنسانية لا سيما مع انتشار فيروس كورونا. وعزز عدم الاكتراث الدولي بالواقع اليمني من فرص النجاح للمشاريع الدينية المتنافسة في المنطقة منها المشاريع الإسرائيلية والإيرانية والتركية وتجلت هذه المشارع في اليمن، التي أفقد الحوثي سياسيها ومواطنيها القدرة على الفاعلية باعتماده الحرب والحرب فقط وسيلته في الوجود.
تكثر العوائق أمام السلام في اليمن، ومنها توزع القوة بين الجماعات المسلحة المحاربة وسلطة الدولة واحتكار الجماعات المسلحة للعنف داخل الأراضي الواقعة تحت سيطرتها، واستحواذ هذه الجماعات على الموارد دونما تحمل أي مسؤولية تجاه السكان. واستبدلت العملية الاقتصادية باقتصاد الحرب، وبالتالي أصبح السلام خيار غير مربح بالنسبة لهذه القوى العسكرية، لأن السلام سوف ينهي مصادر الدخل من الدول الداعمة القوة العسكرية وقد يفضي إلى عودة العملية السياسية واستعادة الأحزاب والقوى السياسية دورها.
ونتج عن اقتصاد الحرب تفاقم اللّا مساواة ففقد موظفو الدولة مرتباتهم وازدادت معدلات البطالة ولم يعد جزء كبير من الأراضي صالح للزراعة بفعل بفعل الاستيلاء على الممتلكات، وتراجعت قدرة الدولة على تقديم الخدمات الصحية والكهرباء والماء والتعليم وتعرض الامن الغذائي لاكثر من ٨٠٪ من السكان للخطر.
التبعية للخارج تعيق السلام
تسيطر جماعة أنصار الله الحوثية من خلال مسمى اللجان الشعبية والجيش على العاصمة صنعاء والمحافظات المجاورة وأجزاء من المحافظات الشمالية الغربية والشمالية الشرقية والشمالية الجنوبية. ينفذ الحوثي القمع الوحشي من خلال شبكة جميع أعضائها من قبيلة الحوثي، وتقوم هذه الشبكة بالاستيلاء على الأموال العامة والخاصة للخصوم أو المعارضين السياسيين بتعاون القضاء نيابة ومحاكم وجهاز إداري، أو عن طريق المراسيم تشرع الخمس لولي الأمر والهاشميين.
وبفضل وحدة قواتهم العسكرية يقاتل الحوثيون القوات الحكومية – الجيش الوطني والمقاومة في مأرب والجوف وتعز والضالع والبيضاء، ومع قبائل المعارضة لها في حجة وعمران وإب منذ عام ٢٠١٨م والبيضاء منذ عام ٢٠٢٠م. كما يقاتل الحوثيون قوات الساحل الغربي وهي قوات متعددة تضم القوات الحكومية، قوات الساحل الغربي غير الحكومية المدعومة من الإمارات العربية المتحدة، والمقاومة التهامية، وقوات الحزام الأمني والمقاومة الجنوبية في ساحل البحر الأحمر والضالع المدعومة من الإمارات أيضاً.
بالمقابل لجات القبائل والسكان إلى الاستعانة بتنظيم القاعدة في جزيرة العرب و في محافظة البيضاء لمواجهة الهجمات الحوثية، وصار الحوثي يتعامل مع القاعدة من خلال التواصل وتبادل الأسرى وعلى الرغم من القمع الحوثي للمعارضة القبلية تزداد هذه المعارضة ضد الحوثي اتساعًا، وتجذرًا.
وتشترك قوات الحزام الأمني، إلى جانب محاربتها لقوات الحوثي، مع النخبة الشبوانية والحضرمية في محاربة القوات الحكومية منذ عام ٢٠١٨م بمساندة ودعم من قوات الطيران الإماراتي، وبفضل هذا الدعم تمكنت هذه القوى من تقويض سلطة الدولة في عدن وأبين منذ أغسطس عام ٢٠١٩م، وهي قوات تحافظ على هويات فرعية مناطقيّة أو قبلية.
تستبعد هذه القوات المتعددة السلام بين اليمنيين، فالحوثي يعتبر حربه مع السعودية وضد أمريكا وإسرائيل وفي حالة التواضع يتحدث على حربه مع داعش وينسب كل من يحاربه من اليمنيين إلى داعش والنواصب. ويطلق على هذه الحرب المتعددة بين الأطراف اليمنية من قبل بعض المنظمات في الخارج بحرب السعودية ضد اليمن وقد تمكنت إيران ودبلوماسيتها الترويج لهذا المصطلح بفعل الأفراد المنتمين إلى سلالة الحوثي الموزعين على دول أوروبا وأمريكا والناشطين في أحزابها. ولأن الحوثي يستبعد السلام مع اليمنيين، فإنه يسعى للمفاوضات مع السعودية لتحقيق سلام معها.
أما الاعلام الحربي للأحزمة الأمنية والنخب العسكرية فيتحدث عن حربها مع القاعدة أو الإخوان المسلمين مع أن قيادة الأحزمة والنخب من السلفيين في حين ان الجماعات المسلحة المنتمية إلى الإصلاح تتحدث عن قتالها ضد المليشيات الإيرانية أو الروافض أو الإماراتية وفي ذات الوقت تتعايش مع عناصر القاعدة في مناطق نفوذها وهكذا دواليك.
مع أن هذه الادعاءات تعبر عن استبعاد القوات المتقاتلة السلام بين اليمنيين، بما في ذلك، الرافضين ليمنيتهم كالحوثي وقيادات الأحزمة الأمنية والنخب العسكرية، لكن تنسب تبعية كل قوة للقوى الأخرى المتحاربة معها إلى دول إقليمية له نصيب من الصحة وللتنسيب دلالته.
ضعف الحكومة يعيق فرص السلام
لا تستطيع الحكومة الشرعية، بإمكانياتها المحدودة، مواجهة كل طرف بمفرده، وهي تعتمد، بدرجة أساسية، على دعم التحالف العربي. ولم يكن دعم التحالف كافياً لتمكين الحكومة من استعادة الأراضي التي يستولي عليها الحوثي وحده، كما أن دول التحالف العربي التي يمكنها أن توفر قوة كافية بثقلها الإقليمي والدولي كمصر تواجه تهديدات المشاريع الثلاثة عبر بلدان الجوار: ليبيا وغزة، علاوة على التنظيمات الإرهابية المدعومة من تركيا وإيران، وبالتالي اقتصرت مواجهة إيران وتركيا على المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، لكن الإمارات حولت جزءاً من المقاومة للحوثي إلى قوى عسكرية تقاتل بالإنابة عنها وليس لاستعادة الشرعية، وبالتالي تحول جزء رئيس من القوات العسكرية إلى قوات ليست تابعة للدولة وعن طريقها تستولي الإمارات على أراضي يمنية كجزيرة سقطرى والساحل الغربي.
رغم المعوقات تستمر المحاولات
تجري محاولات للم صفوف القوات المناهضة للحوثي سياسياً وعسكرياً بإبرام أواخر العام المنصرم اتفاق الرياض بين الحكومة والمجلس الانتقالي، لكن أطراف في السلطة الشرعية والمجلس الانتقالي لازالت تعيق تنفيذ الاتفاق، وهو الاتفاق الذي كان يعول عليه أن يعيد جزءًا هاماً من التضامن بين الأغلبية من اليمنيين ويخلق فرص سياسية وعسكرية تجعل السلام ضرورة للجميع.
د/محمد أحمد المخلافي