Oct 08, 2024
ثلاثية المياه والغذاء والطاقة… أولويات الأردن المناخية بين التحديات والنجاحات – مصعب صبح

ثلاثية المياه والغذاء والطاقة… أولويات الأردن المناخية بين التحديات والنجاحات – مصعب صبح
‪ ‬
 
 
شدّد وزير المياه والري الأردني رائد أبو سعود على ضرورة ”طرح قضايا حقوق المياه السطحية والعابرة للحدود، وحقوق مياه الأحواض من الموارد المائية التي تنبع من خارج حدود الدولة“ ضمن أولويات الأردن في مفاوضات مؤتمر المناخ العالمي القادم في أذربيجان ‪COP29‬.
 
‪ ‬
ورداً على سؤال شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، عن أولويات الأردن البيئية واستراتيجيته في التفاوض قال معالي الوزير أبو سعود، ”لا أحد يتحدث عن حقوق المياه السطحية العابرة للحدود. حقوق الأحواض المائية من المياه السطحية في دول المصب لا يتم ذكرها أثناء الحديث عن التغير المناخي. لدينا حقوق واضحة في هذه المياه منصوص عليها بالمواثيق الدولية“ وأوضح أن المساس بهذه الحقوق يؤثر بشكل مباشر على مستويات المخزون الاستراتيجي من الأحواض والمياه الجوفية. وقال ”أعتقد أن علينا وضع هذه القضية على رأس جدول أعمالنا، يجب أن يكون ذلك هو البند الأول للتفاوض عليه في ‪COP29‬“. وأكّد على ضرورة الحديث عن العدالة المائية العالمية وتطبيق المواثيق والاحكام الدولية في حقوق المياه العابرة للحدود قبل الحديث عن التغير ‪المناخي‬، مضيفاً أن احواض المنطقة العربية المائية تعاني من أنّ ”‪80% ‬من موارد المنطقة العربية تنبع من خارجها“.
 
‪ ‬
وبالفعل فالمراقب البيئي في محمية واحة الأزرق المائية، تامر عقيلي، قال في معرض حديث له للشبكة، ”إن التغير المناخي يعد أحد الأسباب في جفاف أكثر من ثلاثة أرباع واحة الأزرق ولكنه ليس السبب الأكبر“ موضحاً أن التعدي على المياه العابرة للحدود والتي تأتي من المسارات المائية الموسمية من وادي راجل وسلسلة جبال العرب خارج الحدود الأردنية وتشكل ما يقارب ‪90%‬ من مصادر حوض الأزرق المائي، وحجب هذه المياه عبر سدود غير شرعية، يعتبر ”السبب الرئيسي والأهم الذي يؤدي إلى اختلال التوازن في النظام البيئي المستدام للحوض“. فيما حوض الأزرق يعتبر المصدر الرئيسي للمياه في عمان العاصمة بنسبة تتراوح بين ‪60-80% ‬ويقطنها نحو ‪5 ‬ملايين نسمة.
 
‪ ‬
عطش الأسماك الدولي
‪ ‬
 وأوضح عقيلي أن السحب الجائر إلى جانب عدم تجدد منسوب المياه إلى حده الطبيعي المستدام، تسببا بجفاف الواحة بشكل شبه كامل عام ‪1993‬ ما أدى إلى تهديد نوع استثنائي من الأسماك، سمك السرحاني، المتواجد حصراً في الأزرق بالانقراض. فيما فاقم التغير المناخي خطورة الأمر بحسبه. وقد أورد عقيلي قصة العثور على ‪3-4 ‬أزواج من السمك عام ‪1994‬ بددت مخاوف انقراضها. فيما أشار إلى ”جهود الجمعية الملكية لحماية البيئة الاستثنائية“ في نجاحها بانقاذ السمكة واعادتها إلى بيئتها الطبيعية، ضمن تعزيز التنوع الحيوي في الواحة. إلى جانب السعي للحفاظ على منسوب المياه فيها بعقد اتفاقية مع وزارة المياه والري لضخ ما يقدر بـ‪150-250 ‬مليون متر مكعب سنوياً إليها لاستدامة توازن نظامها البيئي. نحو ‪25-35%‬ من الواحة لا يزال على قيد المياه حالياً، تقل نحو ‪340 ‬نوعاً من الطيور المهاجرة والمحلية.
 
‪ ‬
الوزير أبو سعود، أعاد التذكير بشأن أكبر التحديات البيئية والمناخية التي يواجهها الأردن: ندرة المياه وشحها. وقال ”أصبح الأردن أفقر دولة عالمياً من حيث المياه. حصة الفرد من المياه أصبحت تقدّر بـ‪61 ‬لتراً فقط، في حين أن خط الفقر العالمي التي حددته الأمم المتحدة يقدّر بـ‪500 ‬متر مكعب.“ وأشار إلى أنّ ”مخزون المياه الجوفية الاستراتيجي وصل في السنوات الأخيرة إلى مستويات خطيرة في ظل التغيرات المناخية وانتهاك حقوق المياه العابرة للحدود. أصبح الماء لدينا عنصراً غير متوفر لسد حاجات العجز المائي“ مشيراً إلى أن ندرة المياه تؤثر بشكل ”مباشر وخطير على قطاعات حيوية في البلد“ وأن المستقبل القريب لا ينبئ بخير اذ ”قد ينحصر ما يمكن تزويده من المياه للمواطنين على مياه الشرب فقط وذلك سيقتل السياحة والزراعة والصناعة“.
‪ ‬


وفي تصريحات حصرية للشبكة، قال الدكتور دريد محاسنة، الذي كان رئيساً للجنة المياه المشتركة، وأحد أكبر المفاوضين الديبلوماسيين في ملف المياه العابرة للحدود في تاريخ الأردن ”أولا يجب إعادة فتح الحوار مع الدولة الشقيقة سوريا في حقوقنا المائية في مياه اليرموك والمياه العابرة إلينا عبر الحدود.“ وأشار في معرض حديثه عن أهمية الالتزام بالاتفاقيات المبرمة بين البلدين لتنظيم المياه العابرة للحدود ومن اهمها إتفاقية ‪1987 ‬واتفاقية سد الوحدة ”هنالك تجاوز كبير في الاتفاقيات المبرمة بين البلدين. سد الوحدة انشئ لهذا العرض وايضا يتم تجاوز الاتفاقية بشأنه. يجب ان نعيد الحوار مع الاخوة في سوريا اما بالتفاهم الاخوي او العمل على تطبيق هذه الاتفاقيات دولياً.“ وفي اشارة إلى عدم الثقة بالجانب الاسرائيلي في ملف الحقوق المائية بعد أن كانت المياه أوّل ما قطعه الاحتلال عن غزة، قال محاسنة ”يجب ان نقلل اعتمادنا على الجانب الاسرائيلي في حصولنا على المياه“ وشدد على أنّ ”مشروع الناقل الوطني هو احدى الخطوات المهمة في تقليل هذا الاعتماد، وفي تعزيز السيادة الوطنية في المياه“.
 
‪ ‬
التحديات البيئية والترابط الثلاثي بين المياه والغذاء والطاقة
‪ ‬
وبالرغم من أن البلد الصغير في المساحة الجغرافية، والذي يعيش فيه نحو أحد عشر مليون نسمة بكثافة سكانية تصل إلى ‪5.6% ‬يعتبر من أقل الدول مساهمة في التغير المناخي تبعاً لندرة موارد الطاقة الاحفورية فيه، إلّا أنه يعتبر من بين الدول الأكثر تأثراً بمخاطر التطرف المناخي. حيث يعاني من ندرة حادّة في المياه، تساهم فيها موجات الحر والجفاف والتذبذب في هطول الأمطار أو هطولها بشكل مفاجئ يتسبب في فياضانات مدمرة، لا يمكن الاستفادة منها، وما يؤدي إلى انحسار التربة وتردّيها والانهيارات الأرضية. كل ذلك ينعكس بأضرار كبيرة على الزراعة والأمن الغذائي ويلحق أضراراً جسيمة بالحياة والاقتصاد الوطني والسياحة، ويرفع نسب البطالة والفقر بشكل حاد، ما يؤثر على الأمن المجتمعي.
 
‪ ‬
ويقدّر العجز المائي في الأردن بنحو ‪500‬ مليون متر مكعب سنوياً. ما يبرز أولوية قصوى لدى البلد في اعتمادها استراتيجية وطنية شاملة للتعامل مع هذه القضية بتحدياتها الأربع: الجيوسياسية، والإدارية، والمجتمعية، والمناخية، وترابطها الوثيق بالزراعة والغذاء والطاقة والصناعة المحلية.
 
‪ ‬
وهي تحديات تضعها الرؤية الملكية للتحديث السياسي والاقتصادي على رأس أولياتها. فشح موارد المياه والطاقة وأمنهما الاستراتيجي، وارتباطهما بالأمن الغذائي ضمن مفهوم ”الترابط الثلاثي بين المياه والطاقة والغذاء“ عناصر أساسية وردت في كتاب التكليف السامي للحكومة الجديدة مؤخراً.
 
‪ ‬
وانعكس الاهتمام الملكي بهذه التحديات في كتاب تكليف حكومة جعفر حسان، الذي بدوره أبقى على حقائب وزارية حساسة تجاه هذه التحديات الإقليمية والوطنية، وهي وزارة الخارجية، وزارة المياه والري، وزارة البيئة، وزارة الطاقة والموارد الطبيعية، وزارة التنمية الاجتماعية، ووزارة النقل.
 
‪ ‬
وضمن الحلول الإدارية، فقد شدّد جلالة الملك عبدالله الثاني على أهمية تعزيز الأمن المائي في الأردن والسيادة الوطنية المائية من خلال مشروع ناقل المياه الوطني. ووجّه الحكومة، في كتاب التكليف الحكومي، إلى ضرورة البدء بتنفيذ المشروع ذو الأهمية الاستراتيجية. ”فعلى الحكومة البدء بتنفيذ مشروع الناقل الوطني للمياه العام المقبل، فهو أحد أهم مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ويجب أن يترافق ذلك مع العمل على تقليل الفاقد من المياه، والحد من الاعتداءات على خطوط المياه ومحاسبة المعتدين على حقوق الأردنيين.“ كما ورد في الكتاب. كما أشار إلى ضرورة الانتقال في الطاقة نحو الطاقة النظيفة المتجددة، ودعم الاقتصاد الأخضر وتعزيز التعاون مع القطاع الخاص لدعم النظم الحيوية البيئية، والاستمرار في التقدم الذي يتم احرازه على صعيد الأمن الغذائي والتنمية المستدامة وأساليب الزراعة المستدامة.
 
‪ ‬
وناقل المياه الوطني هو مشروع قائم على معالجة نحو ‪700‬ مليون متر مكعب من مياه البحر الأحمر في خليج العقبة، وتحلية ونقل ‪300 ‬مليون متر مكعب منها إلى عمان عن طريق شبكة أنابيب ضخمة بطول ‪414 ‬كم وعرض ‪2-2.5 ‬متر قطر الأنابيب المستخدمة. ويعوّل على المشروع أهمية كبيرة كبيرة في سد نسبة مهمة من العجز المائي، إلى جانب تخصيص حقول طاقة متجددة بحجم ‪131 ‬ميجا واط هي حاجة المشروع من الطاقة، ما يدفع عجلة التحول في الطاقة نحو النظيفة، ويعزز من الأمن فيها. فيما تقدر تكلفة المشروع بنحو ‪2‬ مليار دولار سيتكفل الأردن بنحو ‪835 ‬مليون دولار منها وطنيا بالتعاون مع القطاع الخاص.
 
‪ ‬
وفي اطار تعزيز التعاون في الترابط الثلاثي قال الدكتور دريد محاسنة رئيس مجموعة ادامة للطاقة والمياه والبيئة، في تصريحات حصرية للشبكة ”يجب ان نفتح المجال للقطاع الخاص ليستثمر في قطاع المياه بالتعاون مع الدولة، اما بحفر الآبار الزراعية، وتحليتها وتزويد وزارة المياه بها“ مشدداً على ضرورة تعزيز الممارسات الزراعية المستدامة، والتحول نحو الطاقة النظيفة وأثر ذلك في السياسات البيئية. وقال ”كل مشاريعنا في المياه يجب ان تأخذ بعين الاعتبار الطاقة البديلة. وزارة المياه لديها ‪ 35‬ محطة تنقية واحدة منها‪ ‬فقط تعمل بالطاقة البديلة. يجب ان نقلل من اعتماد وزارة المياه على الطاقة التقليدية نحو التحول إلى الطاقة النظيفة“.
 
‪ ‬
وفي معرض الحديث عن ديبلوماسية المياه، كتب سمو الأمير الحسن بن طلال لصحيفة القبس مقالاً بعنوان ”ربيع أول… نحو انسانية جديدة“. وشدّد فيها على ضرورة ”الانخراط في كل أشكال التعاون الإنساني الذي ينتصر للمصالح الإنسانية الجامعة كالحفاظ على البيئة، ومحاربة الفقر متعدد الأبعاد، والتصدي للحرمان الإنساني بمختلف صوره وأنواعه“. مشيراً إلى عدد من المبادرات العالمية التي أطلقها لتعزيز ديبلوماسية المياه وحماية البيئة ”مثل مبادرة السلام الأزرق التي تهتم بإدارة المياه في الإقليم، ومبادرة الـ ‪WEFE ‬التي تُعنى بالمياه والطاقة والغذاء والبيئة“
 
‪ ‬
نجاحات وانتقادات
‪ ‬
وشهد الأردن عبر السنوات الثلاثة الماضية زخماً وطنياً متزايداً في قضايا المناخ والبيئة والتنمية المستدامة. بعد تفعيل دور وزارة البيئة وتنسيقها مع وزارات حساسة في الملف البيئي كالمياه والنقل والزراعة والطاقة لتحديد وتطبيق استراتيجيات محددة وطنيا. ولعل ذلك ما أدّى إلى احراز البلد تقدماً واضحاً، بحسب تقارير دولية، نتيجة سياسات طموحة في التخفيف والحد والتكيف.
 
 
إلّا أن التحديات البيئية التي يشهدها البلد إثر التغير المناخي مقرونة بالتحديات الأمنية والاقتصادية مع استمرار حروب الإبادة البيئية‪ ‬في المنطقة لا تزال تثقل كاهله وتستدعي تفعيل مفهوم العدالة المناخية عالمياً في المرحلة المقبلة. إلى جانب انتقادات لعدد من السياسات المحلية والدولية في ملف العدالة المناخية.
 
‪ ‬
وضمن الاستراتيجية المحددة وطنياً للتعامل مع المياه، أوردت وكالة المياه في الأمم المتحدة في تقرير أصدرته صيف عام ‪2024‬، أن الأردن ”يشهد التقدم الأسرع من بين دول غرب آسيا في تطبيق آليات إدارة مياه الشرب وتأمينها وتحسين جودة شبكة المياه والصرف الصحي وآليات تحلية المياه واعادة الاستفادة منها ضمن استراتيجيته الوطنية المعلنة“. وعزى التقرير هذا النجاح إلى ”الالتزام الحكومي عال المستوى“ و ”الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية لإدارة المياه، ومخططات استثمارية تقدّر بثمانية مليارات دولار أمريكي بالتعاون مع الدول المانحة“. في الوقت الذي يرى فيه مراقبون أن هذه الاستثمارات لا تطال فائدتها الفئات المستضعفة والمجتمعات الأكثر تضرراً من شح المياه والتطرف المناخي.
 
‪ ‬
من جانبه أوضح الوزير أبو سعود، والذي سيكمل مهامه الوزارية ضمن حكومة جعفر حسان الجديدة، ويضع أربعة أعوام جدولاً زمنياً لاتمام مشروع الناقل الوطني، أهمية تحسين سياسات ادارة المياه والتصدي لفاقد الشبكة، وقال:
 


”استطعنا خلال ‪3 ‬أشهر استعادة نحو ‪30-40 ‬مليون متر مكعب من فاقد الشبكة الذي يقدر بنحو ‪100 ‬مليون متر مكعب سنوياً“. وهو الأمر الذي تولى له أهمية كبيرة ضمن الحلول الإدارية لمشكلة الأمن المائي.
 
‪ ‬
في الوقت الذي وجّهت انتقادات واسعة، بشأن قطاع الطاقة المتجددة، إلى الحكومة السابقة عقب صدور قانون جديد لتنظيم القطاع، دون صدور تشريعات وارشادات بتفاصيل القانون وآليات تطبيقه على مدار ‪3 ‬أشهر. الأمر الذي قال عنه مهندس الطاقة ابراهيم العمري ذو الثلاثين عاماً، ”هناك خسائر كبيرة حلّت بأعمالنا لأن التصاريح ببدئ أي مشروع توقفت بانتظار تشريعات القانون الجديد. اضطررت لانهاء عقود عدد من الموظفين الشباب، خسروا وظائفهم، وتعرضنا لخسائر كبيرة“ وفي معرض انتقاده للقانون قال العمري ”هذا يتعارض مع رؤية جلالة الملك ورؤية ولي العهد في تشغيل الشباب والشابات وتفعيل دورهم ويتعارض مع رؤية التحديث الاقتصادي نحو الاستثمار في الطاقة المتجددة والانتقال بالطاقة“
 
‪ ‬
وبالرغم من أن وزارة الطاقة، الذي استمرت حقيبة الوزير فيها لدى الحكومة الحالية، كانت قد استجابت لمطالب المحتجين أمامها وسارعت باستصدار تشريعات لتنظيم آليات العمل بالقانون الجديد، إلّا أن الانتقادات لا تزال مستمرة على ماهية القرار نفسه، حيث يرى المعارضون للقرار من نحو ‪78 ‬شركة أنه ”يقلل من الجدوى الاقتصادية في الانتقال نحو المصادر المتجددة للطاقة خصوصاً لدى المشاريع والشركات والمصانع الصغيرة“ ما يرفع وتيرة المطالب باصلاحات على القرار في ظل مبدأ العدالة المناخية والاقتصادية. ويضاف الى الانتقادات بشأن الطاقة النظيفة، حزمة من القرارات برفع الامتيازات الضريبية عن السيارات الكهربائية ما أدى إلى غلاء أسعارها، وتخفيض الضرائب لصالح سيارات الوقود الاحفوري، اتخذتها الحكومة السابقة قبيل استقالتها.
 
‪ ‬
وإزاء سعي الأردن الطموح للتخفيف من حدة الانبعاثات الحرارية والغازات الدفيئة بهدف يصل إلى ‪31% ‬بحلول عام ‪2030‬ بحسب آخر التحديثات في الاستراتيجيات المحددة وطنياً‪ 2022-2050‬،‪ ‬وسعيه للتكيف والحد من الأضرار والمخاطر، يحق له الحصول على دعم دولي بموجب المادة السادسة من اتفاقية باريس والتي تلزم الدول المانحة بجزء من مسؤولياتها المناخية التاريخية تجاه الدول النامية والأقل نماءً. وحيث يلتزم الأردن بالمساهمة بتمويل مشاريع للحد والتخفيف من الانبعاثات الحرارية بنحو ‪5% ‬من الهدف المعلن، يتبقى ‪26%‬ مشروطة بالدعم الدولي ضمن مسؤوليات الدول المتقدمة التاريخية. فيما ينتقد مراقبون تركيز هذا الدعم على الربح السريع، والتنمية الاقتصادية غير المستدامة وغير الموجّهة لحماية النظم الحيوية. إلى جانب نقل التكنولوجيا للاستثمار بها في الدول النامية لا تعزيز آليات امتلاكها وتطويرها وطنياً، ناهيك عن مماطلة الدول المانحة وتهرّب بعضها من تقديم الدعم وإن كان معلناً ضمن بيروقراطية وجداول زمنية ومفاوضات مضنية.
 
‪ ‬
وبالرغم من جميع التحديات المناخية يحرز الأردن نجاحاً مشجعاً برفع مستوى تقييمه في الاداء البيئي بنحو ‪7 ‬درجات، بحسب مؤشر جامعة يال الأمريكية العالمي. فيما يرى ذلك مراقبون ثمرة السعي الحثيث في تطوير وتحسين سياسات العمل المناخي، وضرورة المضي قدماً بوتيرتها.
 
‪ ‬
تحرق الأخضر والذي يبس بالفعل
‪ ‬
ويضطلع الأردن بمسؤوليات انسانية تجاه موجات النزوح إلى أراضيه من دول مجاورة عبر العقود الأخير،  كان آخرها نحو ‪1.5 ‬مليون لاجئ سوري، وحيث إن نحو ‪30% ‬من سكان البلد من غير الأردنيين. فيما تبرز حاجة ملحة لتفعيل وتسريع الدعم الدولي لمسار البيئي والعدالة المناخية. ويقدّر هذا الدعم بحسب البنك الدولي بنحو ‪10 ‬مليارات دولار. ولتدعيم سياسات التنمية المستدامة على أساس حماية النظم البيئية ودعم المجتمعات الهشّة أو الأكثر تضرراً لتحصل على حصتها من الدعم والتنمية المستدامة.
 
‪ ‬
كما أن الأردن يعتبر من أكثر الدول تضرراً، من نواح بيئية واقتصادية وتنموية، من الحروب والنزاعات الدائرة رحاها حوله. ما ينعكس بشكل مباشر على بيئته ويعزز من المخاطر المناخية المحيطة به. ومع ذلك فلا حديث عن تعويضات من الدول المانحة تبعاً للحروب والنزاعات التي تديرها أو تمولها. حيث إن دول الشمال العالمي، المسؤولة تاريخياً وحاضراً عن تدمير النظم الحيوية في المنطقة إمّا بشكل مباشر باستغلال مواردها الاحفورية أو باشعال الحروب والنزاعات والتسبب بالدمار من أجل استخراجها، أو غير مباشر بالدعم المادي والسياسي لاستمرار تلك الحروب الدائرة. وهي لا تبدو مكترثة إلّا لتحقيق الربح السريع والاستثمار مرة أخرى فيما تقدمه من تكنولوجيا محدودة لدول الجنوب العالمي. الأمر الذي يورد حاجة ملحّة لإعادة النظر‪ ‬في ملفات شائكة، وضرورة الزام الدول بمسؤولياتها بالسعي لوقف الحروب الدائرة، ومحاسبة الدول والأطراف المسؤولة عنها ومن بينها شركات صناعة الأسلحة المستخدمة في الأراضي الفلسطينية وجنوب لبنان. إلى جانب ضرورة حماية النظم البيئية تطويرها، ووضع كل ذلك على رأس أولويات وفود التفاوض من دول الجنوب العالمي في مؤتمر المناخ العالمي القادم في أذربيجان.
 
‪ ‬
وبين التحديات والأسباب والحلول والتطلعات والتشريعات والسياسات قوافل من العمل المناخي والزخم في قضايا التنمية المستدامة ربما قاد إلى نجاحات تذكر مؤخراً. وما قد يبطل مفعول كل ذلك تعنت آلة الحرب والدمار والخراب في المنطقة. حيث يتضرر الأردن من تبعاتها بشكل مباشر وغير مباشر.
 
‪ ‬
ولا يزال أحد لا يعلم بالضبط تبعات انبعاث ما يفوق الـ ‪780,000 ‬طن من الغازات الدفيئة، تعادل في تأثيرها على المناخ تأثير ثاني أوكسيد الكربون أو ربما تتفوق عليه، جراء ”القنابل الغبية“ والصواريخ والفسفور الأبيض، التي لا تزال تلقيها اسرائيل على غزة وجنوب لبنان وتحرق الأخضر وما يبس خوفاً من الموت، أو أماته التغير المناخي بالفعل. فيما تشير تقارير دولية إلى دمار. شامل في النظم الحيوية في غزة، ودمار البنية التحتية، وانعدام الوصول الآمن إلى المياه بشكل كامل، وتلوثها وانتشار أمراض مزمنة فيها مثل الإسهال المائي وشلل الأطفال. وكل هذه الأزمات ستنعكس بشكل مباشر وخطير على مناخ الأردن والمنطقة برمتها والعالم في القريب القادم، إن لم تبدء بالفعل تبعاتها بالظهور. وهي مثل خلية سرطانية في المنظومة البيئية العالمية.
 
 
مصعب صبح
 
‪ ‬


احدث المنشورات
Nov 19, 2024
منطقة مشتعلة - العدد ٥٤
Nov 18, 2024
منطقة مشتعلة - العدد ٥٣
منشورات ذات صلة
Nov 30, 2022
التمويل في كوب 27: انتصار ينتظر تغييرًا نظاميًا، فلننتزع جهود التغير المناخي من براثن الممولين - وائل جمال
Feb 28, 2023
قضية تغير المناخ بين تعويضات الكوارث وتمويلات الحروب