تعلّم التنمية من القاعدة: تأمّل من بوليفيا– غوستافو بلانكو
لأمنحكم فكرة عن الشخص الذي تقرؤون له الآن، سأبدأ بتقديم نفسي ومشاركة نبذة مختصرة عن خلفيتي وما الذي دفعني للمشاركة في أسبوع دراسات الجنوب العالمي. لمن لا يعرف هذا البرنامج، فهو تجربة تعليمية غامرة وفريدة تمتد لأسبوع واحد، يلتقي خلالها المشاركون ويتعلّمون ويستلهمون من مفكّرين وممارسين بارزين في مجال التنمية الدولية.
اسمي غوستافو، أنا خريج حديث في علم الاجتماع. بعد دراستي في الولايات المتحدة، قررت العودة إلى بلدي، بوليفيا، للمساهمة في استعادة ثاني أكبر بحيرة في البلاد، بحيرة أورو-أورو، التي تضررت بشدة نتيجة التلوث الناجم عن التعدين والبلاستيك. بالاستناد إلى المعارف الأصلية للسكان الأصليين، يركّز هذا الجهد على إزالة تلوث مياه البحيرة عبر زراعة نباتات التوتورا، وهي نباتات مائية محلية قادرة على امتصاص الملوّثات الناتجة عن التعدين. يقدّم هذا المشروع حلاً غير تقليدي، وقد أتاح شعوراً نادراً بالأمل لبحيرة طال إهمالها من قبل السلطات المحلية والوطنية على حد سواء.
من خلال هذا العمل، أدركت مدى هشاشة وعَرَضية السياسات العامة عندما يتعلّق الأمر بحماية البيئة من الأزمات، مثل الأزمة التي تواجهها بحيرة أورو-أورو. فقد كانت المبادرة التي شاركت فيها واحدة من الجهود القليلة القائمة لحماية هذه البحيرة واستعادتها، وهي بحيرة معترف بها كموقع ذي أهمية دولية بموجب اتفاقية رامسار، نظراً لدورها في التخفيف من آثار تغيّر المناخ. ومن اللافت أن هذه المبادرة لم تكن بقيادة مؤسسة حكومية أو منظمة غير حكومية، بل قادها شباب من السكان الأصليين يدافعون عن أرضهم، في مهمة ليست سهلة على الإطلاق.
إن منع الظروف المدمّرة التي تؤثر حالياً على البحيرة وعلى الأنواع المتوطنة فيها، مثل طيور الفلامنغو، يتطلّب من الحكومة ووزارة البيئة إعلان المنطقة رسمياً كموقع محمي. لكن، كما هو الحال في العديد من بلدان الجنوب العالمي، غالباً ما تُدفع حماية البيئة إلى المرتبة الثانية عندما يُقدَّم “التنمية الاقتصادية” على أنها الأولوية القصوى. ويبرز هذا التوتر بشكل خاص في بوليفيا، حيث تستمر أزمة اقتصادية عميقة—مدفوعة بالاعتماد الكبير على صناعة الغاز الطبيعي المتراجعة وبالإنفاق الحكومي المستمر—في تشكيل القرارات السياسية.
في أوقات الأزمات، يكون الردّ الشائع هو البحث عن أي وسيلة متاحة للتعافي. وكما عبّر الرئيس البوليفي السابق كارلوس ميسا في إحدى المرات، فإن ذلك غالباً ما يعني مدّ اليد إلى المنظمات الدولية طلباً للدعم. بالنسبة لكثيرين في الجنوب العالمي، بات هذا يُنظر إليه على أنه المسار الأساسي—وربما الوحيد—نحو التنمية. وقد تجلّى هذا الاعتقاد بوضوح في الانتخابات الأخيرة في بوليفيا، حيث قدّم كل مرشح، بما في ذلك الفائز في النهاية، المنظمات الدولية على أنها الحل لأزمة البلاد الاقتصادية.
أنا أيضاً كنت أؤمن بهذه الفكرة قبل مشاركتي في أسبوع دراسات الجنوب العالمي في لبنان. هناك، أتيحت لي الفرصة للاستماع مباشرة إلى مهنيين متمرّسين مثل تشي يوك لينغ، وروبرتو بيسيو، وباربرا آدامز، الذين شرحوا بوضوح الآليات المعقّدة التي يمكن من خلالها للمنظمات الدولية، بدلاً من تعزيز التنمية، أن تسهم في ركودها. ولتبسيط الصورة، تخيّلوا أن بلداً ما يحتاج إلى تمويل لبناء مدرسة. قد توافق مؤسسات مثل البنك الدولي أو بنك التنمية للبلدان الأميركية على تقديم الدعم، ولكن فقط بعد استيفاء شروط طويلة: تعبئة عدد كبير من النماذج، تعديل سياسات، واتباع إجراءات معقّدة. ونتيجة لذلك، يتحوّل مشروع يفترض أن يكون بسيطاً إلى عملية متأخرة وغير فعّالة، وأحياناً غير منسجمة مع الاحتياجات الفعلية للمجتمع.
يساعد هذا النمط في تفسير سبب تراكم ديون هائلة على دول مثل الأرجنتين، كان يُفترض أن تقود إلى الازدهار، لكنها انتهت بإنتاج هشاشة اقتصادية طويلة الأمد. وتتشكل عملية مشابهة في بوليفيا اليوم. فمن أجل تأمين قروض إضافية من المنظمات الدولية أو وكالات التعاون الغربية، رفعت الدولة الدعم عن المحروقات. هذا القرار يؤثر بشكل غير متكافئ على الفئات الأفقر، ويخدم الفئات الأكثر ثراءً، ويضع البلاد بأكملها على حافة التوتر بسبب احتمال اندلاع اضطرابات اجتماعية. وعلى خلاف بعض السياقات الأخرى، يمتلك الناس في بوليفيا القدرة على التعبئة والمطالبة بالتغيير عندما يعارضون السياسات بشدة—والتاريخ يثبت أنهم غالباً ما يفعلون ذلك. وفي الأيام المقبلة، سنرى كيف ستتطور الأمور.
إن الدرس الأهم الذي خرجت به من أسبوع دراسات الجنوب العالمي لم يكن مجرد نقد للمؤسسات الدولية، بل فهماً أعمق لمفهوم التنمية نفسه. فالاستماع إلى تجارب زملائي—من مواقعهم كناشطين في حماية البيئة، والمساواة الجندرية، وحقوق الإنسان—ساعدني على فهم التنمية كعملية سياسية واجتماعية ومعيشة. فهي ليست شيئاً يمكن اختزاله في قروض أو شروط أو وصفات خارجية، بل هي نضال يومي وجهد جماعي. وهذا هو النضال نفسه الذي نعيشه كل يوم ونحن نزرع نباتات التوتورا في بحيرة أورو-أورو: عدم انتظار الدعم المحلي أو الدولي أو التقنيات المستوردة، بل وضع حلولنا القائمة على الطبيعة، والمتجذّرة في معارف السكان الأصليين، في صميم التغيير الحقيقي والفاعل.
تنويه:
الآراء والأفكار الواردة في هذه المقالة تعبر عن وجهة نظر الكاتب وحده، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي لشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية.