Oct 08, 2024
النضال من أجل الصمود: معركة اليمن ضد النزاع وتغيّر المناخ – سحر محمد

النضال من أجل الصمود: معركة اليمن ضد النزاع وتغيّر المناخ – سحر محمد
 
‪ ‬
أصبحت تأثيرات تغير المناخ في اليمن جلية إثر الفيضانات المفاجئة الهائلة خلال صيف عام 2024، حيث شاهدنا الصور المروعة للسكان المعرضين للخطر، وخاصة النساء والأطفال، غير القادرين على الهروب من الفيضانات. وقد أثرت هذه الأحداث الجوية المتطرفة، التي امتدت من نيسان/أبريل إلى آب/أغسطس، على مدن متعددة في جميع أنحاء اليمن، مما يؤكد على زيادة وضوح تأثيرات تغير المناخ.
 
‪ ‬
في عام 2023، تضاعفت حالات النزوح الداخلي بسبب الظواهر المناخية المتطرفة في اليمن ثلاث مرات مقارنة بالنزوح الناجم عن الصراع الذي بدأ في عام 2014. وكانت التداعيات على سبل العيش شديدة، وخاصة بالنسبة للزراعة، المصدر الأساسي للدخل لأكثر من 37٪ من سكان اليمن. تشير التقييمات الأولية إلى أن الفيضانات المفاجئة دمرت 98726 هكتارًا من الأراضي الزراعية، بما في ذلك المحاصيل والبساتين، وأثرت على 279400 رأس من الماشية، وخاصة المجترات. لقد تأثر أكثر من 200 ألف شخص بشكل مباشر بهذه الكارثة.
 
‪ ‬
وقد تعرضت البنية الأساسية للري لضرر كبير، خاصة على قنوات الري ومرافق تخزين المياه، مما أعاق جهود التعافي. ومع تكرر أنماط الطقس المتطرفة بشكل شبه سنوي، يشتد القلق من القضايا الأقل وضوحًا، مثل النقص الشديد في المياه، حيث تواجه اليمن، التي تعد من بين البلدان ذات أدنى إمكانية للوصول إلى المياه على مستوى العالم، تحديات متصاعدة في مجال الأمن المائي. على سبيل المثال، من المتوقع أن تواجه عدن جفافًا شديدًا، مع عجز متوقع قدره 90 مليون متر مكعب من المياه بسبب استنفاد الآبار الجوفية في دلتا توبان، المصدر الرئيسي للمياه في المدينة. ويتفاقم هذا الوضع بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وتغيّر أنماط هطول الأمطار، وعدم كفاية إدارة المياه في ظل ضعف الحوكمة.
 
‪ ‬
على الرغم من أن تغيّر المناخ قضية عالمية، فإن آثاره تشكل عبئا غير متناسب على البلدان النامية المتورطة في نزاعات مستمرة، حيث أدى ما يقرب من عقد من النزاع في اليمن إلى إضعاف البنية التحتية والحوكمة، لتصبح آثار الظواهر المناخية المتطرفة مدمرة بشكل خاص. وبالمقارنة بالدول ذات البنية التحتية المرنة وآليات التكيف الفعّالة، فإن قدرة اليمن المحدودة تؤدي إلى تفاقم الضرر الناجم عن الصدمات المناخية.
 
‪ ‬
وعلى الرغم من مساهمتها الضئيلة في الانبعاثات العالمية، يتحمل اليمن العبء الأكبر من تأثيرات تغيّر المناخ. ووفقًا لمبدأ "المسؤوليات المشتركة ولكن المتباينة والقدرات المختلفة" في اتفاق باريس، يحق لدول مثل اليمن الحصول على تمويل المناخ لمساعدتها في جهود التكيف والتخفيف. لكن، ورغم تعهدها بمبلغ 100 مليار دولار سنويًا لتمويل المناخ، لم تقم الدول المتقدمة بتحقيق كامل التزاماتها.
 
‪ ‬
علاوة على ذلك، يعاني نظام تمويل المناخ الحالي من تحديات كثيرة، حيث ينتقد الخبراء الافتقار إلى الوضوح والاتساق في منهجيات الإبلاغ، مما يسمح للدول المانحة بتحديد ما إذا كانت مساهماتها مؤهلة كتمويل مناخي بشكل شخصي. وبالتالي، لا تتلقى الدول الأكثر ضعفًا سوى جزء ضئيل من الدعم المالي الذي تحتاجه.
 
‪ ‬
في عام 2021، تم تخصيص ‪6.5٪‬ فقط من إجمالي تمويل المناخ للدول العشرين الأكثر ضعفًا. تلقت اليمن، إلى جانب البلدان المتضررة من الصراع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما في ذلك العراق وسوريا، ‪0.05%‬ فقط من أموال التكيف العالمية حتى عام 2022. وهذا يسلط الضوء على العجز الكبير في تلبية احتياجات الأكثر تضررًا من تغير المناخ.
 
‪ ‬
يتم توزيع تمويل المناخ في المقام الأول من خلال آليات مثل صندوق المناخ الأخضر وصندوق التكيف والاتفاقيات الثنائية. ومع ذلك، يواجه اليمن وصولاً محدودًا إلى هذه الأموال بسبب القضايا النظامية وتحديات الحوكمة الداخلية، بما في ذلك عدم تحديد أولويات استراتيجيات المرونة المناخية بشكل كافٍ.
 
‪ ‬
يختلف الوصول إلى أموال المناخ عن تأمين المساعدات الإنسانية أو التنموية؛ ويجب أن تكون المقترحات قائمة على الأدلة، وأن توضّح تأثيرات تغيّر المناخ المحددة. وهذا يتطلب جمع البيانات القوية والتخطيط الاستراتيجي، لكن النزاع المستمر في اليمن أدى إلى تفتيت جهود جمع البيانات وتقويض التنسيق داخل البلاد. وعلاوة على ذلك، فإن افتقار اليمن إلى المؤسسات الوطنية المعتمدة لتلقي الأموال يزيد من تعقيد وصولها، حيث يتم توجيه التمويل الحالي من خلال وكالات الأمم المتحدة، والتي غالبًا ما يتم انتقادها بسبب غياب الكفاءة البيروقراطية.
 
‪ ‬
تتطلب البداية السريعة لتأثيرات تغيّر المناخ اتخاذ إجراءات عاجلة، لكن آليات التمويل الحالية لا تلبي هذه الاحتياجات العاجلة. وكثيراً ما تتأخر عملية الموافقة على المشاريع وصرفها بسبب العقبات البيروقراطية، مما يفرض تحديات كبيرة على دول مثل اليمن. إن تسريع هذه العمليات وإزالة العقبات البيروقراطية أمر بالغ الأهمية لتمكين الدول الضعيفة من الاستجابة بفعالية لتحديات تغيّر المناخ.
 
‪ ‬
ولتحسين الوصول إلى أموال المناخ، يتعين على الحكومة اليمنية تعزيز قدرتها المؤسسية وحوكمتها. وهذا ينطوي على إنشاء كيانات وطنية معتمدة يمكنها تلقي وإدارة تمويل المناخ بشكل مباشر. يكتسب تعزيز جمع البيانات وتحليلها أهمية بالغة لطرح مقترحات قائمة على الأدلة توضح التأثيرات المناخية والتدخلات الضرورية. ومن شأن تطوير وتنفيذ المساهمات الوطنية المحددة الشاملة أن يحدد استراتيجيات التكيف والتخفيف الواضحة بشكل أكبر. ويمكن لليمن بناء أساس قوي لتوجيه الخطط الاستراتيجية من خلال الدراسات التفصيلية التي تقيم تأثيرات تغير المناخ عبر مختلف القطاعات، ويمكن للحكومة تحديد أولويات التدخلات بشكل فعال من خلال صياغة برامج شاملة قائمة على الأدلة تستهدف مجالات حساسة.
 
‪ ‬
وفي الوقت نفسه، ينبغي للقطاع الخاص أن يلعب دوراً نشطاً في تمويل المناخ. ويمكن للشركات الإسهام بشكل كبير من خلال الاستثمار في التقنيات والبنية التحتية المستدامة، والمشاركة في الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتقديم حلول مبتكرة للتكيف مع تغيّر المناخ. ومن شأن تحفيز مشاركة القطاع الخاص وتعزيز الإطار التنظيمي الداعم أن يعزز قدرة اليمن الإجمالية على معالجة تحديات المناخ.
 


سحر محمد
 
‪ ‬


احدث المنشورات
Dec 03, 2024
الديون السيادية في المنطقة العربية: بين استدامتها وعدالة السياسات الضريبية - أحمد محمد عوض
Dec 02, 2024
فشل الكوب 29 في حشد التمويل كما في الحشد الدولي لانقاذ المناخ - حبيب معلوف
منشورات ذات صلة
Nov 30, 2022
التمويل في كوب 27: انتصار ينتظر تغييرًا نظاميًا، فلننتزع جهود التغير المناخي من براثن الممولين - وائل جمال
Feb 28, 2023
قضية تغير المناخ بين تعويضات الكوارث وتمويلات الحروب