المسار التنموي للشباب بين الألفية والتنمية وما بعد - سفير نموذجا - تمارا الطيبي
المسار التنموي للشباب بين الألفية والتنمية وما بعد - سفير نموذجا - تمارا الطيبي
"الشباب عدو الرضا هذا كل ما هنالك" - نجيب محفوظ
الشباب بين الألفية والتنمية
انشغل العالم منذ سبتمبر/أيلول2000 بالأهداف الإنمائية للألفية المنبثقة عن إعلان الأمم المتحدة للألفية والتي حضرها جميع قادة العالم على أن تنتهي بنهاية عام 2015م واتفقوا على ثمانية أهداف تنموية رئيسية و21 مقصد. تتألف الأهداف من مكافحة الفقر والجوع والأمراض السارية والتمييز ضد والمرأة وتحقيق التعليم الابتدائي وتقليل وفيات الأطفال وكفالة الاستدامة البيئية وإقامة شراكة عالمية لتحقيق التنمية.[1]
وفي حلول انتهاء الإطار الزمني للأهداف الإنمائية للألفية تم إجراء تقييم بالنظر إلى الأداء السابق لأهداف الألفية للبناء على الدروس المستفادة في تنفيذ أهداف الألفية واقتناص الفرص، وعليه تم استعداد المجتمع الدولي لقمة الأمم المتحدة واعتماد جدول أعمال التنمية المستدامة لما بعد 2015.[2] والتي وضعت مجموعة متكاملة من الأهداف التي تترابط فيها أبعاد التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والمتكونة من 17 هدف و169 مقصد، وعليه تم الاستفادة من تجربة أهداف الألفية وتم تحديث وإضافة أهداف جديدة فتناولت أهداف التنمية المستدامة الحد من أوجه عدم المساواة والمساواة بين الجنسين وتوفير المياه وخدمات الصرف الصحي والحصول على خدمات الطاقة الحديثة للجميع وتعزيز النمو الاقتصادي والعمالة والعمل اللائق وإقامة بنى تحتية قادرة على الصمود وجعل المدن والمستوطنات البشرية شاملة وآمنة وقادرة على الصمود والتصدي لتغير المناخ وحفظ الحياة تحت الماء وحماية النظم الايكيولوجية البرية وتحقيق السلام والعدل والمؤسسات القوية وبناء الشراكات.[3]
ومن خلال المقاربة بين أهداف الألفية والتنمية فلابد علينا كشباب أن نتساءل أين نقع من هذه الأهداف التنموية، وما هي الثغرات المتعلقة بقضايا الشباب التي عملت مجموعة العمل المختصة بمراجعة أهداف الألفية على معالجتها لتطوير أهداف التنمية المستدامة، وما هي أولويات الشباب التنموية اليوم، وماهي أفضل الممارسات الإقليمية التي تحاكي أولويات الشباب، وكيف يمكننا تحقيق تنمية مستدامة للشباب والكوكب والازدهار بحلول 2030.
فعلى الرغم من عدم إفراد كل من أهداف الألفية والتنمية هدف مستقل قائم بذاته يتناول الشباب كهدف رئيسي من أهداف التنمية المستدامة إلا أن قضية الشباب متقاطعة وعابرة لكافة الأهداف ولا يمكن بكل الأحوال إنكارها.
أما بخصوص المقاصد المنبثقة عن الأهداف فنجد أنه تم التطرق إلى الشباب في مقاصد أهداف الألفية ولمرة واحدة في الهدف الأول وهو القضاء على الفقر والتي نصت بشكل صريح على "توفير العمالة الكاملة والمنتجة والعمل اللائق للشباب"؛ فيما أنه بأهداف التنمية المستدامة فتطرق الهدف الرابع المتعلق "بالتعليم الجيد" في مقاصده عن الشباب وأكد على ضرورة أن تتضلع حكومات الدول ب"ضمان زيادة عدد الشباب اللذين تتوافر لديهم المهارات المهنية للعمل وشغل وظائف لائقة لمباشرة الأعمال الحرة" و " ضرورة إلمام الشباب بالقراءة والكتابة والحساب". وكذلك مقاصد الهدف الثامن المتعلقة بالعمل اللائق التي أكدت على ضرورة "توفير العمالة الكاملة والمنتجة والعمل اللائق للشباب وتكافئ الأجر لقاء العمل متكافئ القيمة" و "وضع وتفعيل استراتيجية عالمية لتشغيل الشباب وتنفيذ الميثاق العالمي لتوفير فرص العمل الصادر عن منظمة العمل الدولية؛ ومقاصد الهدف 16 أكدت على ضرورة" تعزيز أليات تحسين مستوى قدرات التخطيط والإدارة المتعلقين بتغير المناخ والتركيز على الشباب في ذلك.
نلحظ من وجود تقدم في إدماج الشباب في القضايا التنموية في أهداف التنمية المستدامة بعد التجربة المستفادة من أهداف الألفية فنجد إدماج الشباب بشكل مباشر في العمل اللائق والتعليم الجيد والمناخ وبناء الشراكات.
إدماج الشباب في التنمية، سفير نموذجا
تسعى الأهداف التنموية إلى رسم مسار وتعبئة جهود حكومات الدول لاعتماد سياسات واستراتيجيات لوضع الإنسان في صلب عملية التنمية، وعليه تلعب مؤسسات المجتمع المدني التنموية والحقوقية المهتمة في قضايا الشباب دورا في الضغط على صناعة السياسات التي تلبي أولويات الشباب من خلال الاستثمار الأمثل بالعديد من التكتيكات، فمثلا مشروع "سفير" المنفّذ من قبل شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية بالشراكة مع عدة اطراف وشركاء من منظمات المجتمع المدني الذي سعى إلى التعبئة الفكرية والمناصرة لأهداف التنمية المستدامة باستهدافه للشباب ومنظمات المجتمع المدني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
أولويات الشباب بين سنة2022 و 2023
لم يكتفي مشروع "سفير" بالتعبئة الفكرية وبناء قدرات الشباب في التنمية فحسب، بل عمل على تأطير أولويات الشباب في المنطقة من خلال منتدى حواري تحت عنوان "منتدى الشباب العربي للتنمية المستدامة" ضمن منهجية التصميم المتمحور حول الإنسان القائمة على مبدأ أساسي وهو وضع الإنسان المستهدف في مركز عملية التصميم، وفي ذلك تغيير للهياكل بحيث تمكن الشباب من الانخراط في حل مشاكلهم بحلول تصميمية مناسبة.
وعقد المنتدى على مدار سنتين متتاليتين، وتم اللقاء الأول في عام 2022 مع استمرار جائحة كوفيد-19 وبرزت الأولويات في قضايا الأمن والسلام، والقضايا الصحية والبيئة والاقتصادية، والحماية الاجتماعية، والديمقراطية وحقوق الإنسان، وبناء الشراكات.
وعقد للمرة الثانية في عام 2023 وبرزت أولويات الشباب والمتمثلة في قضايا إدماج الشباب مع صناع القرار، ومسائلة صناع القرار، وقضايا البيئة والأمن الغذائي، ومكافحة الفقر، والتعليم الجيد، وبناء الشراكات.
لم يكن منتدى سفير مجرد حدث اعتيادي، ولم يغرق في تشخيص الواقع للنقمة عليه، بل امتلك رؤية طموحة بإدماج الشباب في المنطقة بالمسار التنموي، وتميز بتشخيص واقع الشباب وتحديد الأولويات لنقلها بتمثيل شبابي إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي (الاسكوا) من خلال أعمال المنتدى العربي للتنمية المستدامة تحت إطار منظمة الأمم المتحدة، ومن ثم تضطلع الاسكوا بنقل المخرجات إلى المنتدى السياسي رفيع المستوى المعني بالتنمية المستدامة رفيع المستوى الذي عقد في نيويورك، وهي فرصة لتجديد ونقل توجهات الشباب المستقبلية ووسيلة لمتابعة ومسائلة الدول عن التقدم المحرز ودعوة للدول لتكثيف جهودها واستثمارها من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030.
ساهم مشروع سفير بإبراز نخبة من الشباب على الصعيد الإقليمي والمحلي لكل دولة، بحيث أصبحوا المشاركين اليوم مصدر إلهام لغيرهم من الشباب وقادة حقيقيين للتنمية في مجتمعاتهم، وكذلك ساهم في توجيه الأنظار إلى قضايا الشباب، وفيه وجدوا مكانهم على أعلى المستويات كمحاولة لتغيير الهياكل وبناء الشراكات والتضامن بين الأجيال بتبادل القضايا والحلول والعمل مع الخبراء والمنظمات الإقليمية والدولية ووزراء وكبار المسؤولين في المؤسسات المعنية بالتخطيط وتنفيذ خطة 2030.
ماذا يريد الشباب بعد
لتحقيق تنمية شبابية حقيقية لا يعد إشراك الشباب في المنصات الإقليمية والدولية وتناول أولوياتهم هي الوسيلة التي نقف عندها كشباب، بل لابد من استكمال مسارنا التنموي مع حكومات الدول بشكل رئيسي من خلال متابعة مدى تنفيذ الالتزامات التي توقعها نتائج هذه المنصات عليهم كصناع قرار في دولهم، ووضع مؤشرات لقياس التنفيذ على مستوى النتائج وليس الهدف الاستراتيجي؛ وضرورة وضع الشباب في صلب عملية تقييم أهداف التنمية المستدامة 2030 الذي تقوم به النظم التابعة لمنظمة الأمم المتحدة على المستويات الدولية والعالمية الفرعية والإقليمية والحوضية والمحلية لوضع المسار والتحضير لمسار خطة التنمية بعد 2030.
تمارا الطيبي
مصادر ومراجع
[1]الوفاء بالوعد: متحدون لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، الجمعية العامة، 22 أيلول 2010، https://bit.ly/3z7Z83f
[2] Taking stock of the global partnership for Development, MDC Gap Task Force Report 2015, xiv, https://bit.ly/3JCibHR
[3]مشروع الوثيقة الختامية لمؤتمر قمة الأمم المتحدة لاعتماد خطة التنمية لما بعد 2030، الجمعية العامة، 12 اب 2015، https://bit.ly/40eIN99
احدث المنشورات
