الطريق إلى مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين - ملاك التائب
يواجه العالم تأثيرات تغير المناخ من خلال آليات وأطر متنوعة تطرح مختلف التحولات في جميع أنحاء العالم. وفي حين تظل ليبيا عند تقاطع التأثيرات المتزايدة لتغير المناخ، متنقلة بين عدم الاستقرار السياسي الداخلي والتحديات الاقتصادية والاعتماد على اقتصاد متجذر في الإيرادات الناتجة عن الوقود الأحفوري، فقد أعربت عدّة بلدان حول العالم، منذ اتفاقية باريس خلال مؤتمر الأطراف الحادي والعشرين في باريس عام 2015، عن تفانيها في إجراء تغييرات تحويلية لمعالجة تأثيرات تغير المناخ على المستوى الوطني من خلال تطوير خطط العمل المناخي والتكيف والتخفيف الوطنية.
ويعد اتفاق باريس أول اتفاق دولي شامل وأول معاهدة دولية ملزمة قانونًا بشأن تغير المناخ. ومن المؤسف أن تصبح ليبيا عرضة للأحداث الجوية المتطرفة مثل الجفاف والفيضانات، رغم اهتمامها بالملف بعد توقيعها على اتفاقية باريس في عام 2016 والتصديق عليها في عام 2021، إلا أنها لم تقدم خطط عملها المناخية أو تحدد بوضوح جهودها للتكيف والتخفيف من آثار هذه القضية.
تتميز ليبيا بمناخ جاف وشبه جاف بسبب موقعها الجغرافي على البحر الأبيض المتوسط، وتعد أكثر من 90 في المائة من أراضيها صحراوية. وقد أدى تغير المناخ إلى تفاقم التحديات البيئية مثل التصحر وتدهور الأراضي وأنماط هطول الأمطار المحدودة التي أثرت سلبًا على الأمن المائي والغذائي. وفيما يتعلق بالفيضانات، يبرز مثل العاصفة دانيال في أيلول/سبتمبر 2023 وتأثيرها المدمر في شمال شرق ليبيا، وتحديدًا مدينة درنة. فبعد أن أثرت على اليونان وبلغاريا وتركيا، تحركت العاصفة ببطء في شرق البحر الأبيض المتوسط لعدة أيام قبل أن تؤثر أحزمة الأمطار الكبرى على شمال شرق البلاد.
ويقدّر البنك الدولي خسائر ليبيا بسبب العاصفة دانييل بحوالي 64.5 مليون دولار أمريكي، وهكذا، تقدّو ليبيا مثالاً فريداً ومعقداً للدول المتضررة من فترات طويلة من النزاع وغياب الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. لذا، تكافح ليبيا لتجاوز الوضع ومعالجة تحدياتها المتعددة الأوجه، حيث جاء التركيز على الأمن والسيطرة على السلطة مع اهتمام قليل جداً بالقضايا الرئيسية التي يواجهها الناس، مثل تغير المناخ والتدهور البيئي.
أما في درنة، أدّت العاصفة إلى تدمير حوالي 25 في المائة من المدينة بسبب الفيضانات التي تفاقمت مع انهيار السدين، وأسفرت عن مقتل الآلاف، عدا المفقودين والنازحين. كما يؤدّي تغيّر المناخ والكوارث إلى مضاعفة الضعف القائم في البلاد فيما يتعلق بالفقر. وقد لعبت العاصفة دانيال دوراً كبيراً في الكشف عن الواقع البيئي المروع في ليبيا وغياب استعداد السلطات والافتقار إلى الإرادة السياسية في معالجة آثار تغير المناخ بشكل نشط وهي تعاني من الصراع الداخلي وسوء الإدارة.
أصبحت الفيضانات وفترات هطول الأمطار الغزيرة أكثر تواتراً وكثافة. على سبيل المثال، تسببت الفيضانات في أجزاء مختلفة من جنوب ليبيا بسبب الأمطار الغزيرة في خسائر مادية ضخمة وأضرار جسيمة في البنية التحتية في عدّة مدن وبلدات مما يشير إلى أن المنطقة الجنوبية ليست معتادة على هطول الأمطار الغزيرة بسبب مناخها وطبيعة أراضيها.
وقد لعبت المساعدات الدولية في أعقاب العاصفة دانييل دورًا مهمًا في جهود التعافي ومساعدة المجتمعات المتضررة، وهو ما قد يثير تساؤلات حول وضع ليبيا من المساعدات الدولية وآليات تمويل المناخ المتعلقة بمعالجة تغير المناخ، مثل إنشاء صندوق الخسائر والأضرار الذي تم الإعلان عنه أخيرًا خلال مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين الذي عقد في الإمارات العربية المتحدة.
وتبقى مساهمة ليبيا في انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري منخفضة مقارنة بالدول الكبرى المسببة للانبعاثات مثل الولايات المتحدة والصين. ومع ذلك، من الضروري تسليط الضوء بإيجاز على أن مشاركة ليبيا في مؤتمر الأطراف لا تزال محدودة للغاية. وهذا يعكس سوء الحوكمة والافتقار إلى الجهود المنسقة على المستويات الحكومية في معالجة القضايا البيئية وتغير المناخ بشكل جدي. كما أن موقف البلاد خلال مؤتمر الأطراف يظل انعكاسًا لنشاطها الاقتصادي الذي يعتمد على النفط والغاز، خاصة وأن ليبيا جزء من اتفاقيات تجارة الطاقة، وهو ما يعزز اعتمادها على هذا القطاع، في حين تتناول المحادثات خلال مؤتمر الأطراف التخلص التدريجي الكامل من الوقود الأحفوري.
رغم ذلك، ومع وجود أدلة واضحة على الدمار الذي يفرضه المناخ على ليبيا، فإن البلاد مؤهلة للحصول على تعويض من صندوق الخسائر والأضرار، لكن وضعها السياسي يعقّد المعاملات المالية بسبب القيود المفروضة عليها. وعلاوة على ذلك، ازداد الفساد في البلاد إلى مستويات لا يمكن تصورها بسبب الوضع السياسي، مما يجعل المجتمعات المحلية تكافح من أجل الحفاظ على ظروف معيشية مناسبة. وهذا الأمر يؤدّي إلى تقلّب تمويل المناخ ويهدد بعدم وصول الدعم المالي إلى المتضررين. وبغض النظر عن ذلك، من الضروري تطوير آلية شفافة بشكل واضح تضمن وصول صندوق الخسائر والأضرار إلى المجتمعات المتضررة في ليبيا.
على سبيل المثال، هناك أطر يمكن تبنيها لضمان وصول التمويل إلى الأكثر احتياجًا، ولكن من المهم ضمان وصوله إليهم من خلال قنوات غير مباشرة وغير حكومية للقضاء على الفساد وإساءة استخدام الأموال المستلمة. ويمكن لليبيا مثلًا الاستفادة من إطار التمويل الذي يركز على نقل الفوائد مباشرة إلى المجتمعات للاستجابة للأزمات من خلال تطوير قاعدة بيانات متكاملة للمستفيدين من شأنها ضمان عدم وجود نسخ مكررة أو أشخاص غير موجودين يتلقون الفوائد. ولا يمكن تطبيق هذا الإطار إلا تحت إشراف ومراقبة كيان دولي لضمان تحويل الأموال إلى المستفيدين المحددين.
وعلى الرغم من أزمة المناخ في ليبيا، لا تزال هناك عدّة فرص يمكن استغلالها لتغيير واقع البلاد وقد تؤدي إلى تغيير تحويلي. ويمكن للجهات الفاعلة المحلية من منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية وجماعات المناخ وحقوق الإنسان لعب دور لا يتجزأ في دفع ليبيا نحو إحداث تأثير إيجابي في معالجة التحديات البيئية في البلاد وضمان تكيّف المجتمعات بشكل منهجي مع الواقع الجديد في ظل تغيّر المناخ.
ملاك التائب