الضريبة كأداة لتصحيح الميزان: قراءة في مستقبل التنمية والرعاية المجتمعية في الأردن – عمر شهاب
الضريبة كأداة لتصحيح الميزان: قراءة في مستقبل التنمية والرعاية المجتمعية في الأردن – عمر شهاب
تعاني
العديد من دول الجنوب جملة من التحديات الاقتصادية والاجتماعية، من بينها غياب او
ضعف منظومة العدالة الضريبية. في المقابل،
تبرز العدالة الضريبية في الدول المتقدمة كأداة أساسية لتحقيق التنمية البشرية، الأمر
الذي لا يقتصر فقط على النمو الاقتصادي، بل يشمل أيضاً حق الأفراد في الحصول على
خدمات أساسية مثل الصحة والتعليم، اضاقة الى تمويل ر هذه القطاعات وتطويرها بشكل أكبر.
ويواجه الأردن، كأحد دول الجنوب، صعوبة في تأمين تمويل كافٍ لقطاعات عديدة، من
بينها الرعاية الاجتماعية، ناهيك عن غياب أطر تشريعية تعترف بالعمل الرعائي كعمل
مأجور. وعليه، يصبح التحول نحو النظام
الضريبي الذي يعتمد بشكل أكبر على الضرائب المباشرة، بدلاً من الاعتماد الكبير على
الضرائب غير المباشرة، فرصة هامة لضمان توفير هذه الحقوق وتحقيق تنمية بشرية شاملة
ومستدامة.
إن الحق في التنمية هو حق شامل يضمن لكل فرد في
المجتمع الحصول على الفرص والخدمات التي تمكنه من العيش بكرامة، وتشمل تلك الفرص
الوصول إلى التعليم الجيد، الرعاية الصحية، والعمل اللائق وغيرها من الحقوق. وتشير
آخر الدراسات في الأردن الى أن خدمة الديون في عام 2024 بلغت حوالي (1.96) مليار
دينار أردني([1])،
وهي نسبة تفوق ما تم انفاقه على التعليم او الصحة في العام نفسه، الأمر الذي يشير
الى تدني مستوى تمويل وتطوير هذه القطاعات الأساسية عاماً بعد عام. والى جانب
الحلول التي تتطلب تعاونا دوليا ورؤية جديدة للتعامل مع الحق في التنمية، بما يشمل إعادة جدولة هذه الديون وفوائدها، الا
أنه من جانب آخر، علينا إعادة النظر بالحلول الوطنية ،و مراجعة النظام الضريبي لضمان
ان يصبح أكثر فعالية وعدالة، الأمر الذي يتيح للدولة توفير هذه الخدمات الأساسية،
لا سيّما ان الضرائب في الأردن، كما في العديد من دول الجنوب، تُعد أحد المصادر
الرئيسية لتمويل هذه الخدمات، وتشكّل حجر الزاوية لخلق بيئة تنموية عادلة.
تشير الأرقام الأخيرة إلى أن الإيرادات الضريبية
في الأردن لعام (2024) تقترب من (6.1) مليار دينار أردني، مع توجيه جزء كبير من
هذه الإيرادات نحو الضرائب غير المباشرة ،مثل ضريبة المبيعات التي بلغت حوالي
(4.3) مليار دينار أردني، والتي تشكل ما يقارب (70%) من إجمالي الضريبة ([2]).
من ناحية أخرى، يشير التقرير النصف سنوي
الأخير، الصادر عن وزارة المالية الأردنية الى ارتفاع في
الإيرادات الضريبية لهذا العام نتيجة ارتفاع الضريبة العامة على "السلع
والخدمات" بما قيمته (125.7) مليون دينار، مقابل انخفاض حصيلة الضريبة العامة
على "الدخل والأرباح" بما قيمته (56.9) مليون دينار([3])،
الأمر الذي يخلق حالة أكثر تعقيداً أمام العدالة الضريبية التي نسعى لتحقيقها، حيث
أن هذه الضرائب غير المباشرة
تؤثر بشكل غير متناسب على الفئات ذات الدخل المحدود، مما يؤدي إلى تعميق الفجوة
الاقتصادية بين مختلف فئات المجتمع، بينما يمكن للضرائب المباشرة، مثل ضريبة
الدخل، أن تساهم في خلق توزيع أكثر عدالة، وبالتالي تمويل أكبر وأكثر استدامة
للحقوق التنموية.
تمويل
الحق في الرعاية المجتمعية: فرصة استثمارية وتنموية في الأردن
من بين
الحقوق الأساسية التي يجب أن تضمنها الدول هو الحق في تقديم الرعاية المجتمعية،
الذي يُعتبر عنصراً أساسياً في تحقيق العدالة الاجتماعية، ولكن في الأردن، لا يزال
توفير التمويل يمثل تحدياً كبيراً امام الدولة، وهنا ، يمكن أن يُعتبر تمويل
الرعاية المجتمعية من خلال الضرائب المباشرة فرصة هامة لتمويل برامج الرعاية
بطريقة شاملة ومستدامة لجميع المواطنين، خاصةً للفئات الأكثر ضعفاً، مثل كبار السن
والأطفال، الأمر الذي سيؤدي إلى إمكانية تقنين العمل الرعائي كعمل مأجور من خلال
هذه البرامج.
إن التحول
إلى الضرائب المباشرة، كضريبة الدخل التصاعدية، الى جانب تعزيز الجهود لمكافحة التهرب
الضريبي بشكل أكبر، سيوفر للدولة مصادر دخل مستدامة يمكن تخصيص جزء منها لدعم
برامج الرعاية المجتمعية، مثل الرعاية المنزلية لكبار السن أو الأطفال. الأمر الذي يستلزم إعادة النظر الى العمل
الرعائي المنزلي كعمل مأجور ، وتقنينه ، وتعديل التشريعات القائمة في نظرة شمولية
عادلة متكاملة، للوصول الى حالة من التشاركية المجتمعية في العمل الرعائي ما بين
الدولة والمؤسسات والأفراد . كما يساهم هذا التحول في الخروج
من الحالة
الديناميكية الاجتماعية
الحالية التي تضع المسؤولية برمتها على السيدات اللواتي يقدّمن العمل الرعائي
المنزلي دون مقابل، الأمر الذي يحرم الكثير منهنّ من وصولهنّ الى الحق في التعليم
او العمل.
إن تمويل
الرعاية المجتمعية، وإشراك المؤسسات الحكومية والخاصة والمجتمع في برامج متكاملة ،
والتحول من الضرائب غير المباشرة الى الضرائب المباشرة، لا يُعدّ فقط واجباً
حقوقياً، بل يُعتبر أيضاً فرصة استثمارية حقيقية. فالاستثمار في الرعاية المجتمعية يُسهم في تحسين
جودة حياة الأفراد، وخاصة السيدات اللواتي يقدمن الرعاية المنزلية. ومن جانب آخر يعدّ هذا التحول من العوامل
الرئيسية لتحفيز الاقتصاد الوطني، فعندما تستثمر الحكومات في الرعاية المجتمعية، وتعمل
على تقنين العمل الرعائي كعمل مأجور، فإنها تساهم في تعزيز قدرة الأفراد على
المشاركة الفعّالة في سوق العمل، مما يؤدي إلى تحسين الإنتاجية والابتكار،
وبالتالي تحفيز النمو الاقتصادي المستدام. ويمكن رؤية ذلك بوضوح في دولة الأوروغواي، التي
تبنت نظام وطني متكامل للرعاية في عام (2015)، الأمر الذي رفع معدل المشاركة
الاقتصادية النسائية بشكل واضح، وخلق فرص عمل جديدة في القطاع ذاته (مراكز تقديم
الخدمات الرعائية، تدريب مقدمي الرعاية .. الخ)، وقدم حالة مثلى من المساواة
والعدالة الاجتماعية ([4]).
لتعزيز هذه الفرصة التنموية في الأردن، يجب أن
يُترافق التحول في النظام الضريبي مع ارساء نظام تشريعي يتسم بالرقابة والشفافية
والمساءلة بشكل أكبر. ويتم ذلك عبر تفعيل الإجراءات
الرقابية لمكافحة التهرب الضريبي، وتحسين الامتثال الضريبي من خلال تعزيز الوعي
الضريبي بين المواطنين، كما يتعين على الحكومة تبني قوانين ضرائب تصاعدية تضمن مساهمة
الأفراد والشركات التي تتمتع بالقدرة المالية بشكل أكبر، وذلك للمساهمة في تخصيص
جزء من هذه الضرائب لتمويل الحقوق الأساسية ولتمويل الرعاية المجتمعية، وضمان
استخدام هذه الإيرادات بشكل فعال وشفاف ضمن أطر تشريعية مستحدثة.
ختاماً، إن
الربط بين العدالة الضريبية والإنفاق على التنمية والرعاية المجتمعية في الأردن
يتطلب تحولاً حقيقياً في فلسفة النظام الضريبي، حيث ان تعزيز الضرائب المباشرة
وتوجيه جزء من إيراداتها لتمويل الرعاية المجتمعية، يعد بمثابة استثمار طويل الأجل
في رأس المال البشري والاقتصاد الوطني. من خلال توجيه هذه الموارد نحو الخدمات الأساسية،
يمكن للاردن تحقيق تنمية شاملة تضمن حصول المواطنين على حقوقهم في الصحة والتعليم
والعمل اللائق والرعاية المجتمعية، الا أن ذلك يتطلب إرادة سياسية قوية، وإصلاحاً
تشريعياً يتماشى مع معايير العدالة الاجتماعية والتحديات التي تواجه عجلة التنمية،
مع تعزيز الشفافية والمساءلة في إدارة الأموال العامة، الأمر الذي سيخلق نموذجاً تنموياً
أكثر عدالة.
المراجع:
[1]
أحمد عوض، أزمة الدين السيادي في الأردن: التحديات واستدامة
المالية العامة، بيروت – لبنان، شبكة المنظمات العربية غير الحكومية، ص 9.
[2]
وزارة المالية الأردنية، (2024)، للمرة الأولى في المملكة
تحصيلات الدخل والمبيعات تتجاوز 6 مليار دينار– المركز الإعلامي. تم الاسترجاع من: https://goo.su/DL7Mfj
[3]
وزارة المالية، التقرير النصف سنوي لعام 2025. عمّان - الأردن: وزارة المالية- مركز المعلومات -
موازنة الحكومة المركزية التقرير النصف سنوي (2025)، ص 8. تم الاسترجاع من: https://goo.su/J2QRbB
[4] كارمن
إستراديس وفلورنسيا أمابيلي، (2024)، مقال بعنوان: دروس أوروغواي في بناء اقتصاد
الرعاية، الجمعية الاقتصادية الدولية (IEA)، مسترجع من:
https://www.iea-world.org/uruguays-lessons-for-building-a-care-economy/
احدث المنشورات