Jun 05, 2023
السودان من الثورة الى الحرب‪ - ‬مدني عباس مدني
مدني عباس
المدير التنفيذي لمنظمة نداء

الرجاء الضغط هنا لنبذة والمنشورات
مدني عباس

السودان من الثورة الى الحرب‪ - ‬مدني عباس مدني

‪ ‬

‪ ‬

مقدمة‪ :‬

‪ ‬

منذ صبيحة  يوم السبت ١٥ أبريل يعاني السودانيين من ويلات الحرب التي انطلقت في العاصمة الخرطوم بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التابعة للجيش، وقد تسببت الحرب حتى الآن في مقتل اكثر من الف مدني وعشرات الآلاف من الجرحى، كما تسبب في نزوح كبير حيث ترك أكثر من مليوني نسمة بيوتهم في الخرطوم  للولايات الأخرى الآمنة كما لجأ عشرات الآلاف الى الدول المحيطة بالسودان‪ .‬

‪ ‬

‪ ‬

كما تسببت هذه الحرب في تعطيل اكتر من ٧٠٪ من المستشفيات العاملة، وتوقف القطاع الصناعي بالكامل كما تعرضت العديد من المصانع للتدمير والنهب‪ .‬

‪ ‬

‪ ‬

تتفاقم المعاناة والمآسي يومياً في العاصمة التي يتجاوز عدد سكانها الإثني عشر مليون نسمة، وتعتبر مركز الثقل الاقتصادي والسياسي، كما انتقلت الى بعض ولايات إقليم دارفور لاسيما ولاية غرب دارفور وعاصمتها (الجنينة ) كما شهدت مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور والابيض عاصمة ولاية شمال كردفان العديد من القتلي والضحايا‪  .‬

‪ ‬

‪ ‬

يلقي هذا المقال الضوء علي الحرب وانعكاساتها السياسية والإنسانية البالغة، واحتمالاتها المستقبلية‪ .‬

‪ ‬

‪ ‬

الجيش والدعم السريع من الاتفاق الى الاقتتال‪ :‬

‪ ‬

تم انشاء قوة الدعم السريع كقوة داعمة الجيش السوداني في العام ٢٠١٣ من قبل نظام عمر البشير، وذلك لمساعدته في حرب دارفور وقد استعان نظام البشير بها في معارك مختلفة حتي خارج حدود إقليم دارفور، تراوحت تبعيتها بين الجيش وجهاز الأمن والمخابرات، وفي العام 2017 تم اعتبارها قوة نظامية تتبع لرئيس الجمهورية مباشرة وفق قانون اجازه برلمان النظام المعزول‪ ‬

‪ ‬

‪ ‬

في ابريل ٢٠١٩ أعلنت اللجنة الأمنية لنظام البشير والتي يمثل فيها قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو انحيازها للثورة الشعبية في السودان، ذلك الانحياز الذي اضمر وراثة نظام البشير أكثر من كونه التزام بأهداف الثورة السودانية، وقد تمثل ذلك في محطات عديدة

‪ ‬

‪ ‬

أهمها فض اعتصام الثوار السلميين في ٣يونيو ٢٠١٩، في الحكومة الانتقالية التي تكونت بالشراكة بين المدنيين والعسكريين تم اختيار البرهان رئيساً لمجلس السيادة، كما تم إعلان حميدتي كنائب له وفق لائحة داخلية للمجلس السيادي، وقد قد كانت شراكة متشاكسة حاول فيها المكونة العسكري تعطيل عمل الحكومة المدنية بشتى السبل، وفي خاتمة المطاف  قام قائد الجيش ونائبه قائد الدعم السريع انقلاب على السلطة المدنية الانتقالية في ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١، وهو الانقلاب الذي لم تتوقف المعارضة الشعبية له حتي نشوب الحرب في ابريل من هذا العام .الحالي‪ .‬

‪ ‬

‪ ‬

يرتبط الطرفان بعلاقات مع محاور خارجية وتجمع بينهما العلاقات مع بعض الدول ،حيث يحظي الطرفان بعلاقات جيدة مع روسيا ويرتبط الدعم السريع بعلاقات مع مجموعة فاغنر الروسية، لقائد الجيش علاقات قوية مع مصر بما يشبه التحالف الراسخ بينما يحظي الدعم السريع بعلاقات متميزة مع الإمارات العربية المتحدة‪ .‬

‪ ‬

‪ ‬

الطرفان مطامع اقتصادية عديدة وشركات كبرى تتحكم في العديد.من الأنشطة الاقتصادية حيث يقومان بالمشاركة في تعدين وتجارة الذهب، وتصدير المنتجات السودانية الأخري، للجيش منظومة اقتصادية كبيرة أهمها منظومة الصناعات الدفاعية وشركة زادنا، بيننا تعتبر شركة الجنيد هي الذراع الاقتصادي الدعم السريع، وبجانب أنشطتهم الاقتصادية فقد استفاد الطرفان من مشاركتهم في عاصمة الحزم والمبالغ المالية التي تحصلوا عليها نتيجة المشاركة في حرب اليمن‪. ‬

‪ ‬

‪ ‬

تفهم مسألة النفوذ الاقتصادي والتحالفات والطموحات السياسية للطرفين مهم في سياق استيعاب اسباب الصراع الرئيسية‪ .‬

‪ ‬

‪ ‬

بجانب ذلك فقد لعب تنظيم الحركة الإسلامية الذي رغم سقوطه عن سدة الحكم في ابريل ٢٠١٩ احتفظ بنفوذ كبير في الأجهزة العسكرية والأمنية لعب دور رئيسي في زيادة حدة الصراع بين الطرفين، خاصة وقد اختلفت مواقفهما من تصور الحل السياسي الذي طرح من المجتمع الدولي عقب انقلاب ٢٥ اكتوبر، حيث لجأ الدعم السريع إلي مجاراة تصور المجتمع الدولي والقوى المدنية في مسألة الانتقال الديمقراطي رغبة في تجاوز سيف العقوبات المسلط عليه نتيجة تعاونه مع الروس، بينما لعب الضباط الإسلاميين دوراً مختلفاً في إظهار الجيش كمناهض لهذا الاتفاق السياسي بزعم ضرورة دمج الدعم السريع في الجيش، وهو المطلب الذي ظلت تنادي به القوي السياسية والثورية وكانت قيادة الجيش تتلكأ في ذلك بدعوى أنه هذا أمر يخص المؤسسة العسكرية‪ .‬

‪ ‬

‪ ‬

أن تفهم طبيعة الصراع الذي يبدو للوهلة الأولي صراع عبثي لا يمكن من غير تفهم طبيعة التنافس الاقتصادي والسياسي بين المؤسستين في ظل الوضع الشائه الذي خلفه نظام البشير في خلق وتمكين قوات قبلية وغير رسمية عسكرياً واقتصاديا‪ .‬

‪ ‬

‪ ‬

يرفع الطرفان قميص عثمان بترديد شعارات غير حقيقية كأساس للحرب بينما يختفي بداخلها طبيعة الصراع السلطوية، ورغبة الإسلاميين في إعاقة مسار التحول المدني الديمقراطي في السودان‪ ‬

‪ ‬

‪ ‬

الأوضاع الإنسانية بسبب الحرب‪:‬

‪ ‬

جثث علي الطريق، لاتجد من يعرفها أو يكرمها بالدفن، انتهاكات مختلفة احتلال المستشفيات من قبل قوات الدعم السريع، قصف للطيران في أماكن تواجد المدنيين، في حرب كأنها قدمت من غياهب التاريخ فلا توجد ممرات آمنة للمدنيين أو حتي حقوق للأطباء والصحفيين ،كل ذلك توقفت أغلبية المستشفيات عن العمل وحتى التي تعمل فإنها تعمل في ظروف صعب ويصعب الوصول اليها، تتمدد جثث العسكريين والمدنيين في الشوارع دون دفنها، ومئات الأفراد من المفقودين مجهولي المصير، حالات اغتصاب مثبته اتهمت باغلبها عناصر الدعم السريع والذي تمددت تحاوزاته الي احتلال المستشفيات والمرافق العامة، واحتلال ونهب منازل المواطنين والاعتداء علي مقار لبعثات دبلوماسية، بينما واصل الجيش قصفه بالطائرات والمدفعية مما نتج عنه عشرات الضحايا‪ .‬

 

 

لم تفلح المحاولات السعودية الأمريكية في إلزام الطرفين بتعهداتهم التي أعلنوها في جدة، والتزامهم بحماية المدنيين الذين تزداد معاناتهم في معسكرات النزوح الداخلي أو حتي الغالبية التي نزحت الي أسرهم الممتدة تعاني من طول فترة الحرب دون وجود موارد مأدبة تساعدهم على توفير مقومات الحياة الكريمة‪ .‬

 

 

تختلف التقديرات المؤسسات الدولية في مسألة عدد السكان الذين يحتاجون للغذاء بين ١٩ الي ٢٤ مليون بمعني خوجة نصف السكان أو يزيد الي المعونات الغذائية، وتزداد المخاطر بتواصل الحرب مع بداية الموسم الزراعي الصيفي الذي يوفر جزء كبير من احتياجات البلاد الغذائية، ومع تردي الأوضاع الصحية والبلاد تستقبل موسم الخريف‪.‬

 

 

الوضع الإنساني في السودان أكثر من خطير وينذر بكارثة تتمدد آثارها الي الإقليم من حوله‪ .‬

 


الأوضاع الاقتصادية تدهور مريع‪ :‬

  

تعطلت الحياة الاقتصادية في مركزها الخرطوم، تعاني اغلب البنوك خارج الخرطوم من القدرة علي الايفاء بالتزامات عمالها، كما ساهم تردي قطاع الطاقة في زيادة المعاناة في شقها الاقتصادية، عجزت الحكومة والقطاع الخاص عن الايفاء بالتزاماتهم تجاه العاملين، كما عانى عمال القطاع غير المنظم والذي يشكل ٦٠٪ من نسبة العمالة من تعطل أعمالهم في مناطق الحرب‪ .‬

 

 

أعلنت أحد أكبر الشركات في السودان وهي شركة حجار القابضة والتي يمتد نشاطها لمائة عام في السودان عن توقفها عن العمل وتسريح الموظفين، ويتوقع أن تمضي العديد من الشركات لذات الاتجاه‪  .‬

 

 

وفي دولة تقدر نسبة السكان تحت خط الفقر أكثر من ٦٥٪ من السكان حسب احصائيات وزارة المالية في خطة مكافحة الفقر التي صدرت في العام ٢٠٢١ يعتبر قيام حرب وتعطل قطاع الامل أمر جلل، لم تقم جهة بحثية حتى الآن بتقييم اثاره الاقتصادية والاجتماعية‪.‬

 


مفاوضات جدة‪ :‬

 

تعتبر المبادرة السعودية الأمريكية هي مجهود الوساطة الرئيسي في هذا النزاع، وتقوم فكرتها علي تقسيم الوساطة علي ثلاث مراحل أساسية‪ :‬

الأولي : وتشمل الاتفاق علي هدنة إنسانية لحماية المدنيين وتوفير المساعدات‪ .‬

الثانية : الوصول لوقف إطلاق نار شامل‪ .‬

الثالثة‪ :‬اتفاق سياسي بمشاركة المدنيين للوصول الي انتقال مدني ديمقراطي‪ ‬

وعلي ما يبدو في هذا التقسيم من وجاهه فإن عدم وجود إرادة سياسية لدي طرفي النزاع في الوصول الى اتفاق، وكل طرف يسعي الي تحقيق تقدم عسكري علي الاخر قبل التفاوض، وخرقهما المتكرر لاي هدنة إنسانية تم الاتفاق عليها، ثم تعليق الحيش للتفاوض مؤخرا كل ذلك امي لأن يقوم طرفا الوساطة بإعلان تعليقها، كما أصدرت الولايات المتحدة حزمة عقوبات علي طرفي النزاع طالت شركات اقتصادية للطرفين‪.‬

 

 

احتمالات المستقبل‪ :‬

 

تتراوح احتمالات المستقبل في السودان بين اتجاهات مختلفة أسوأها، اتساع نطاق الحرب جغرافياً وتدخل الحلفاء الإقليمين لصالح أطراف النزاع، كما تبلغ المخاوف أشدها من تحول الحرب من حرب عسكرية بين قوتين أحدهما القوات المسلحة الرسمية وقوات أنشأتها وخرجت عن طوعها الي حرب أهلية تصطرع فيها الاثنيات المضطربة في السودان لاسيما وأن قوات الدعم السريع هي قوات قبلية في الأساس‪ .‬

 

 

يؤدي هذا الاحتمال إلى عسكرة الفضاء العام ووأد مشروع الانتقال الديمقراطي علي المدي القريب والمتوسط‪ .‬

 

 

هنالك احتمال اخر بأن تنجح الجهود الخارجية والداخلية في إقناع طرفي النزاع بإيقاف الحرب، نجاح هذا المسعي قد يؤدي إلي استعادة المسار المدني الديمقراطي ووقاية السودان من الانزلاق الي سيناريو الحرب الأهلية‪ .‬

 

 

لا زال الوقت مبكراً علي ترجيح الاحتمالات، ولكن طول أمد الحرب يؤدي إلي تعاظم خطر الحرب الأهلية بشكل أكبر‪ .‬

 

‪ ‬



احدث المنشورات
Nov 21, 2024
منطقة مشتعلة - العدد ٥٦
Nov 20, 2024
منطقة مشتعلة - العدد ٥٥
منشورات ذات صلة
Jan 04, 2023
لمحة عامة عن النظام الصحي في السودان - راوية كمال الدين
Oct 20, 2022
تقرير تسليط الضوء للتقرير الوطني الطوعي حول التقدم في احراز أهداف التنمية المستدامة في‬ ‫السوادن - اكتوبر 2022