Jul 30, 2024
الحقوق المائيّة في فلسطين: ممارساتٌ إسرائيليةٌ مجحفة

الحقوق المائيّة في فلسطين: ممارساتٌ إسرائيليةٌ مجحفة

من إعداد: ميناس الكيلاني، هديل حامد ولين زيناتي


تعد الحقوق المائية في فلسطين من أكبر التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني، نتيجة الممارسات والانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطيني في الحصول على المياه واستخدامها مخالفةً بذلك كافة القوانين والأعراف الدولية التي كفلت هذا الحق لكل انسان. ان

إسرائيل لا تزال تحرم وتنتقص من حق ملايين الفلسطينيين في الوصول للمياه واستخدامها، لذا من الأهمية الإضاءة على الممارسات والانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة والمجحفة للحقوق المائية في الضفة الغربية وقطاع غزة، خاصة بعد السابع من أكتوبر في قطاع غزة الذي يعاني فيه السكان حاليا من ازمة إنسانية كارثية فأصبح الوصول للمياه هو من أكثر التحديات الحاحا منذ ذلك التاريخ. 



تعود جذور المشكلة الى نكبة 1948 حيث سيطر الاحتلال الإسرائيلي على معظم المناطق الوفيرة بالمياه (خارج حدود قرار التقسيم)، وبعد عام 1967 احتلت إسرائيل نهر بانياس السوري الذي يغذي نهر الأردن، وهضبة الجولان الغنية بالمياه، ثم أصدر الاحتلال الإسرائيلي عددا من القرارات العسكرية التي تقوض الحقوق المائية للفلسطينيين وهي : القرار العسكري الإسرائيلي رقم (92) الذي ينص على نقل السلطة على الموارد المائية للقائد العسكري في المنطقة، ثم جاء القرار (158) الذي يمنع البناء غير المرخص لإنشاء أي من البنى التحتية للمياه. واذا ما عدنا للقانون الدولي “خطة جونستون 1955” ، يملك الفلسطينيون الحق بحوالي 250 مليون متر مكعب من نهر الأردن، لكن الواقع ان الفلسطيني لا يحصل على شيء تقريبا، حيث تضخ إسرائيل منه حوالي 700 مليون متر مكعب سنويا.



وعند الحديث عن الاتفاقيات الثنائية ما بين السلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال الإسرائيلي فقد تناولت اتفاقية أوسلو بنص صريح ما يفيد بالتالي: " تعترف إسرائيل بالحقوق المائية للفلسطينيين في الضفة الغربية  ، وسيتم التفاوض حول تلك الحقوق للتوصل الى تسوية بشأنها في اتفاقية الحل النهائي " ، لكن هذه الحقوق قد تأجل الحديث عنها الى مفاوضات الحل النهائي. واذا ما نظرنا أيضا الى اتفاقية غزة-أريحا، فإن هذه الاتفاقية قد نقلت صلاحيات محددة للسلطة الفلسطينية دون التطرق للتفاصيل ، وفيما بعد ذلك تناولت اتفاقية اوسلوا الثانية في المادة 40 تحت عنوان (اتفاقية المياه والمجاري ) عن آلية وضع خطط  وتنفيذ المشاريع الخاصة بقطاع المياه خلال المرحلة الانتقالية الى حين الوصول للحل النهائي من المفاوضات ، الا ان هذا الاتفاق لم يتضمن أي تأكيد على سيطرة السلطة الفلسطينية على المياه التي تقع في المناطق المصنفة ( أ ) التي في الأساس هي مناطق امنيا واداريا تتبع السلطة الفلسطينية ، ففي الواقع ما يطبق على المناطق ذات التصنيف ( ب  و  ج ) يطبق على المناطق المصنفة ( أ )، لذا لا بد في كل قرار يتعلق بالمياه أخذ الموافقة الإسرائيلية التي دائما ما تكون رفضا او تقويضا او حتى ان اخذ القرار يكون بالحد الأدنى من الاستخدام . 



ان نصيب الفلسطينيين حسب اتفاقية أوسلو من حجم الخزان الجوفي المائي 734 مليون متر مكعب بحسب اتفاقية أوسلو “235 مليون متر مكعب”، أي 32% من كمية المياه، ولا يتعدى ما يأخذه الفلسطينيون أكثر من 130 مليون متر مكعب. وأيضا لم يفِ الإسرائيليون بما تم الاتفاق عليه فيما يخص حصول الفلسطينيين على كميات مياه إضافية من الحوض الشرقي والتي تقدر بحوالي 80 مليون متر مكعب في السنة .



ان 80% هي نسبة سيطرة إسرائيل على احتياطات المياه في الضفة الغربية، أضف الى ذلك منع الفلسطينيين من حفر الآبار- تعميقها – وحتى منعهم من نقل المياه بين التجمعات والمحافظات. واذا ما نظرنا الى متوسط استهلاك المواطن الفلسطيني فيبلغ ثلث متوسط استهلاك الفرد الإسرائيلي بما فيهم المستوطنين، وينخفض المعدل ليصل إلى العُشر في التجمعات غير الموصولة بشبكات مياه بحوالي 26 لترا للفرد يوميا، ما يعادل متوسط الاستهلاك في المناطق المصنفة "منكوبة" عالميا.



وتشير الدراسات أن 85% من المياه الموجودة في الخزان الجوفي مسيطر عليها من قبل إسرائيل؛ أي ما يعادل “500-600 مليون متر مكعب”. كما أن 70% من المستوطنات في الضفة تقع على حوض الخزان الشرقي في الضفة، وأن 45% من هذه المستوطنات تقع على مناطق حساسة جدا بالنسبة لتغذية الخزان الجبلي في الضفة، وهذه المستوطنات تحتكر بغير وجه حق نسبة كبيرة من المياه الجوفية، وتحرم المزارعين الفلسطينيين من ري أراضيهم .



وبالحديث عن سلطة المياه التي شكلت بموجب القرار الرئاسي رقم 90 لعام1995  إضافة لقانون المياه رقم 2 لعام 1996، فإن هذه السلطة قد أنشأت لكي تدير مصادر المياه المحدودة ولحمايتها والحفاظ عليها ضمن أدوات صحية تنظيمية من خلال تحقيق التوازن بين كميات المياه المتوفرة ونوعيتها وحاجة الشعب الفلسطيني من المياه. وجاء فيما بعد قانون المياه رقم 3 لسنة 2002، ثم القرار بقانون رقم 14 لعام 2014، وهو القانون الذي حدد إطار ومستويات قطاع المياه في فلسطين وتوضيح الصلاحيات الموكلة لسلطة المياه. 



وبالحديث عن الممارسات الإسرائيلية فإن الاحتلال الإسرائيلي يضع قيودا كثيرة على استغلال الفلسطينيين للمياه منها: تقييد استخدام الآبار الارتوازية الزراعية عدا عن تدمير المنشآت المائية القائمة و في حالات الموافقة على حفر آبار فإنها تلزم الطرف الفلسطيني على الا يقوم بالحفر على عمق يزيد عن 140 متر، وفي اغلب الأوقات لا يتم إعطاء رخص للحفر، لكنها تسمح للمستوطنات وفي انتهاك صارخ للقوانين الدولية بحفر آبار زراعية بدون قيد أو شرط .


وفي قطاع غزّة، فإنّ التحدي الهائل في توفير المياه قد تفاقم منذ بداية الإبادة الجماعية في السابع من أكتوبر، إذ يعاني الفلسطينيون هناكَ من كارثةٍ إنسانيةٍ غير مسبوقةٍ فيما يتعلق بتمتعهم بحقوقهم المائيّة. فمنذ بدء الاحتلال الإسرائيلي هجماته العسكريّة، أغلقت الحكومة الإسرائيلية الأنابيب التي تمد غزّة بالمياه، وقطعت إمدادات الكهرباء والوقود، وتعمدت استهداف مرافق المياه، وهو ما يُعد عقابًا جماعيًّا يتنافى مع الأعراف الدولية والقانون الدوليّ لحقوق الإنسان. 



على صعيد مياه الشّرب، وفي ظل أساليب العقاب الجماعيّ التي يتبعها الاحتلال، فقد أدى الانقطاع المستمر للكهرباء إلى توقف المحطات المتبقية لتحلية مياه الشرب، والتي تُعد العمود الفقري لإمدادات مياه الشرب في القطاع. كذلك، وفي ظل الحرب المستمرة في قطاع غزة، فقد شهدت محطات التحلية، وآبار جمع المياه الاحتياطية، التي تعتمد عليها الأبراج، تدميرًا كبيرًا، الأمر الذي أدى إلى تفاقم مأساة العطش واعتماد الفلسطينيين على المياه الملوثة للشرب، بما يساهم في انتشار الأمراض الصّحية إذ تزايدت أعداد المصابين بالإسهال والتقيؤ والالتهابات الفيروسية في الجهاز الهضمي.


أمّا عن شبكة الصرف الصّحي، فقد تسبّب القصف المتواصل والحصار المفروض وانقطاع التيار الكهربائي وندرة الوقود إلى تعطُل جميع محطات معالجة مياه الصرف الصحي في قطاع غزة، حيث توجد ثلاث محطات مركزية لمعالجتها. والواقع الحالي يشهد التخلص من معظم مياه الصرف الصحي - نحو 120,000 متر مكعب يوميًّا – من دون معالجة، في البحر أو في وادي غزة، بينما يفيض جزء كبير منها في الشوارع والطرقات، وأحيانًا داخل المنازل، نتيجة تدمير أنابيب الصرف الصحي وانسدادها، كما أن القصف العشوائي يزيد من تسربها عبر الحفر الامتصاصية، هذا وهناك نحو 30% من سكان القطاع ليست لديهم شبكات صرف صحي، وهو ما يعزز التلوث الكيميائي والبيولوجي لمصادر المياه، وخصوصاً الجوفية. 


لا شك في أن واقع المياه في فلسطين يعكس مدى وحشية الاحتلال وممارساته المجحفة بحق الشعب الفلسطيني مخالفا بذلك كافة الأعراف والقوانين الدولية، ومن هذا المنطلق فإن المطلوب تجاوُز كل الاتفاقيات التي حاولت ان تكفل ولو بالحد الأدنى الحقوق المائية للفلسطيني صاحب الأرض وصاحب الحق الذي لا زال متثبتا بأرضه، والذي سيبقى رغم كل الممارسات الإسرائيلية المجحفة بحقه. ممن هنا، لا بد من البحث عن حلول عملية وضغط شعبي ودولي للضغط على إسرائيل في وقف كل ممارساتها اللاشرعية والا قانونية وفي دعم ومساندة الشعب الفلسطيني في حقه في تقرير المصير. 


1. تواصل الاعتداءات الإسرائيلية على المياه، مركز المعلومات الوطني 
 2. المياه في فلسطين، أزمة أم قرصنة إسرائيلية، منظمة التحرير الفلسطينية، دائرة العلاقات العربية. 5-12-2012. 
 3.  نبذة عن سلطة المياه | سلطة المياه 
  4. عصام الخطيب، التحديات المائية في قطاع غزة: مأساة المياه والصرف الصحي في ظل الحرب المسعورة.



. هذا المقال يرد ضمن الاصدار الخاص للنشرة الشهرية لشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية لشهر تموز/يوليو 2024.  شارك في اعداده شباب وشابات من الشبكة العربية للشباب. الآراء والأفكار المطروحة في هذه المقالات تعبر عن وجهات نظر الكتاب ولا تعكس بالضرورة السياسة أو الموقف الرسمي للشبكة العربية.

حول الشبكة العربية للشباب:
تسعى الشبكة الشبابية الى توفير منصة اقليمية للشباب والشابات من مختلف دول المنطقة لسماع أصواتهم ، وتعزيز تفاعلهم مع مختلف قضايا التنمية وحقوق الانسان، وانخراطهم في التأثير على السياسات العامة.


احدث المنشورات
Dec 07, 2024
النشرة الشهرية لشهر تشرين الثاني/نوفمبر 2024
Dec 03, 2024
الديون السيادية في المنطقة العربية: بين استدامتها وعدالة السياسات الضريبية - أحمد محمد عوض