التقرير الطوعي الوطني الثالث للعراق (2025): قراءة من منظمات المجتمع المدني
التقرير الطوعي الوطني الثالث للعراق (2025): قراءة من منظمات المجتمع المدني
في إطار متابعة التقدم المحرز نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، صدر مؤخرًا التقرير الطوعي الوطني الثالث للعراق لعام 2025، ليشكّل مرجعًا مهمًا في رصد الإنجازات والتحديات الوطنية في هذا المجال. وقدمت منظمات المجتمع المدني من خلال بيان خاص تقييمها للجوانب المتصلة بالحقوق الاجتماعية والإنسانية، مع تركيز على الحق في السكن، والصحة، والتعليم، والتشريعات المتعلقة بالمساواة بين الجنسين.
في ما يتعلق بالحق في السكن، أشار التقرير إلى مبادرة الحكومة العراقية لإنشاء 16 مدينة جديدة، أُحيل منها أربع مدن للتنفيذ، وذلك بهدف سد الفجوة السكنية التي يعاني منها نحو 12% من السكان عبر توفير أكثر من 100 ألف وحدة سكنية، مع التركيز على أن تكون هذه المدن مستدامة وحديثة. غير أن منظمات المجتمع المدني لاحظت غياب تفاصيل جوهرية، مثل عدم تحديد الفئات المستهدفة بدقة، سواء كانت من ذوي الدخل المحدود أو النازحين أو الشباب، إضافة إلى غياب آليات واضحة تضمن وصولًا عادلًا ومنصفًا إلى السكن، فضلاً عن عدم وجود مؤشرات تقيس مدى التزام هذه المشاريع بمعايير السكن اللائق وفقًا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان. وعليه، فإن هذه المبادرات، على أهميتها، لا تزال بحاجة إلى تطوير يضمن العدالة الاجتماعية والمساواة والمساءلة.
أما في ما يتعلق بالحق في الصحة، فقد أشار التقرير إلى زيادة الإنفاق الحكومي على هذا القطاع ليصل إلى 12.6% من الإنفاق العام عام 2023، مع تسجيل افتتاح مستشفيات جديدة بعد انقطاع طويل، إضافة إلى إقرار قانون التأمين الصحي لعام 2022 الذي يهدف إلى تحسين جودة الرعاية الصحية وتوسيع التغطية للفئات الهشة. ورغم ذلك، ما زالت التحديات قائمة، ومنها ارتفاع نفقات الأفراد على الخدمات الصحية مقارنة بمستوى دخلهم، والتوزيع الجغرافي غير المتوازن لهذه الخدمات، وغياب ضمانات واضحة لتوفيرها مجانًا للفئات الأكثر فقرًا. وهو ما يؤكد أن العدالة في الحصول على رعاية صحية فعّالة لم تتحقق بعد بشكل كافٍ.
وفي مجال التعليم، ركّز التقرير على أن التعليم الأساسي المجاني يُعدّ حقًا دستوريًا مرتبطًا بالتنمية والعدالة الاجتماعية، كما تناول التحديات التي فرضتها جائحة كورونا والنمو السكاني. لكن الملاحظ أنه لم يتضمن خطة تنفيذية واضحة لمعالجة ظاهرة التسرب المدرسي أو لتحسين جودة التعليم، ولم يقدّم تحليلًا مفصلًا للفجوات الجندرية والجغرافية، كما غابت عنه التفاصيل المتعلقة بالموازنات المخصصة للقطاع التعليمي. وبذلك، يفتقر التقرير إلى تقديم ضمانات وسياسات عملية تكفل العدالة التعليمية، خصوصًا في المناطق الريفية والمحرومة.
وفي جانب المساواة بين الجنسين، توقف التقرير عند تعديل قانون الأحوال الشخصية واعتبره "إنجازًا تشريعيًا". غير أن منظمات المجتمع المدني ترى في هذا التوصيف مجافاة للواقع، إذ إن التعديل الذي بدأ تطبيقه في فبراير 2025 شكّل تراجعًا واضحًا في حقوق النساء والفتيات. فالقانون المعدّل عزّز التمييز الطائفي في الأحكام، وسمح بزواج القاصرات، وشرعن صيغ زواج غير متوازنة كزواج المتعة، كما قيد حقوق النساء في النفقة والسكن والحضانة بعد الطلاق. وهو بذلك يتعارض مع المادة (14) من الدستور العراقي التي تكفل المساواة، ومع التزامات العراق الدولية بموجب اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) واتفاقية حقوق الطفل. من هنا، فإن هذا التعديل يُعدّ انتكاسة تشريعية تستوجب المراجعة الجذرية أو التراجع عنها لضمان اتساق القانون مع مبادئ العدالة والكرامة والمساواة.
خلاصة القول إن التقرير الطوعي الثالث تضمن بالفعل بعض المبادرات المشجعة في مجالات التشريع والاستثمار، غير أن التقييم الصادر عن منظمات المجتمع المدني يكشف عن فجوات هيكلية وحقوقية عميقة لا يمكن تجاوزها. فالتقدم نحو أهداف التنمية المستدامة يتطلب سياسات عملية تعزز المساواة والعدالة وتكرّس المساءلة عن الانتهاكات، وليس مجرد صياغات نظرية أو مبادرات غير موجهة. ومن هذا المنطلق، دعت المنظمات إلى إعادة النظر في السياسات الإسكانية لضمان استفادة الفئات الفقيرة والنازحين، وتوسيع التغطية الصحية المجانية للفئات الهشة مع ضمان توزيع عادل للخدمات، وإطلاق خطة إصلاح تعليمية شاملة تعالج التسرب وتراعي النوع الاجتماعي والتوزيع الجغرافي، إضافة إلى مراجعة تعديل قانون الأحوال الشخصية بما يضمن توافقه مع الدستور العراقي والتزامات العراق في مجال حقوق الإنسان.
احدث المنشورات

دول المنطقة العربية في المنتدى السياسي الرفيع المستوى 2025 – جوزيف شيشلا
