الإضراب عنوان الثلث الأول من السنة - فوزية الفرنيني، الفضاء الجمعوي
لم يكن السياق المغربي بمعزل عما يحدث في العالم، خاصة تداعيات الحرب على غزة التي شكلت منعطفا جديدا في تعاطي الرأي العام المغربي مع القضية الفلسطينية، فمنذ بداية شن العدوان الصهيوني على قطاع غزة تفاعل الشارع المغربي مع هاته الأحداث، بحيث لا تكاد تخلو الشوارع من المظاهرات المؤيدة لحق الشعب الفلسطيني والمطالبة بإنهاء الحرب وإيقاف العدوان، والانضمام إلى حملات المقاطعة الشاملة للمنتجات الداعمة للكيان الاسرائيلي، وهو ما يتضح من خلال الحملات سواء على أرض الواقع أو في مواقع التواصل الاجتماعي.
على المستوى الرسمي لم تكن التحركات ولا المبادرات في مستوى تطلعات الشعب المغربي الذي نادى في أكثر من مناسبة إلى التراجع عن التطبيع وقطع جميع العلاقات مع دولة الاحتلال الاسرائيلي، وهي النداءات والدعوات التي لم تلق استجابة من الدوائر الحكومية، التي اكتفت ببلاغات التنديد والدعوة إلى وقف إطلاق النار وتقديم بعض المساعدات الغذائية، مما يزيد من شدة عدم رضى المواطن المغربي على الموقف الرسمي في التعامل مع الإبادة الجماعية وجرائم الحرب التي ترتكب في حق الشعب الفلسطيني.
في سياق مواز، شهد المغرب خلال الأربعة أشهر الأولى من السنة الجارية مجموعة من التطورات، تميزت في أغلبها بالاحتقان على مستويات متعددة، حيث عاشت مجموعة من القطاعات الاجتماعية الحيوية أزمات أثرت بشكل مباشر في مستوى عيش المواطنين والمواطنات، على رأسها قطاع الصحة والتعليم، حيث خاضت شغيلة القطاعين إضرابات واحتجاجات عديدة من أجل تسوية المشاكل العالقة بين الشغيلة\ العمال والحكومة، تخللتها مجموعة من اللقاءات والاجتماعات مع النقابات المركزية والوزارات المعنية بالأمر، ورغم التوصل لمجموعة من الاتفاقات إلا أنه لم تتم تسوية كاملة لهاته الملفات، مما دفع موظفي قطاع التعليم للدخول في إضرابات مفتوحة لمدة تزيد على ثلاثة اشهر اضطرت معها الحكومة للاستجابة للمطالب العادلة لهاته الفئات الاجتماعية.
على صعيد آخر استمر الجدال حول تعديل مدونة الأسرة خاصة بعد انقضاء المدة المحددة من قبل العاهل المغربي للجنة المكلفة بإعداد مسودة للمقترحات المتعلقة بتعديل المدونة في أفق عرضها على البرلمان للمصادقة. حيث يستمر السجال حول قضايا حساسة كتلك المتعلقة بالإرث، الطلاق، وتزويج الطفلات والولاية الشرعية على الأبناء مناصفة بين الأم والأب وغيرها. وتنقسم النقاشات إلى من يؤيد أن تكون التعديلات جذرية مبينة على المساواة بما فيها المساواة في الإرث، وأيضا إنصاف النساء في جميع القضايا المتعلقة بالأسرة، بما يكفل المصلحة الفضلى للأطفال، وهناك من يذهب إلى تأييد الخطاب الديني الداعي إلى تبني مقاربة محافظة تستند على الشريعة الإسلامية في هاته القضايا، وهو ما توضحه جليا الآراء المعبر عنها سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو خلال اللقاءات التواصلية التي تنظمها الهيئات النسائية، والحقوقية حول الموضوع.
وفي نفس السياق قدمت الحكومة المغربية حصيلة مرور نصف مدة ولايتها، دافع فيها رئيس الحكومة السيد عزيز أخنوش أمام البرلمان بغرفتيه عن حصيلة حكومته بالتأكيد على أنها شهدت "تحقيق ثورة اجتماعية غير مسبوقة" على حد تعبيره من خلال تعميم التغطية الصحية الإجبارية، مشيرا أيضا إلى أن برنامج الدعم الاجتماعي المباشر يعد "من المحطات التاريخية المتميزة التي سيتذكرها كل المغاربة"، لافتا الى أنه سيمكن ملايين الأسر المغربية المحدودة الدخل من الخروج من الهشاشة والتهميش الاجتماعي.
من جهتها انتقدت الأحزاب السياسية المعارضة بشدة هاته الحصيلة معتبرا أنها جد ضعيفة ومخيبة للآمال، حيث أنها قامت بتنزيل مضطرب لورش تعميم الحماية الاجتماعية، ومن جهة أخرى تذهب مجموعة من التحليلات والآراء حول الحصيلة الحكومية إلى أن الأرقام والمؤشرات التي قدمتها الحكومة تبدو إيجابية وتعكس التزامها بتفعيل البرامج الاجتماعية، غير أن هذه المؤشرات والبرامج لم تنعكس إيجابيا على عيش المواطنين والمواطنات، لاسيما مع تسجيل ارتفاع قياسي في نسبة البطالة قاربت حسب آخر إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط 14 %وبين صفوف الشباب قاربت النسبة 36 %، إضافة الى ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الأولية، وارتفاع التضخم إلى مستويات قياسية، هذا إلى جانب معاناة سكان القرى والبوادي من الآثار الوخيمة لسنوات الجفاف المتوالية،
على العموم فإن تأثر الفضاء المدني بهاته المستجدات، لم يختلف كثيرا عما كان عليه الوضع سابقا، حيث تواصلت الاحتجاجات الفئوية وتعامل السلطات معها بنفس المنهجية والسلوك غير المقبول سواء من خلال التدخلات العنيفة من طرف القوات العمومية ضد المحتجين، أو من خلال التوقيفات عن العمل بين صفوف العاملين \ات في قطاع التعليم المحتجين، و التعامل السلبي مع مطالب طلبة كليات الطب، هذا بالإضافة إلى التضييق الذي تعانيه منظمات المجتمع المدني وعلى رأسها الاستمرار في حرمان مجموعة من الجمعيات من الحصول على الوصل القانوني مما يعرقل ويفرمل من ديناميتها و نشاطها كما حدث مع الجمعية المغربية لحماية المال العام التي رفض الوكيل العام للملك بمحكمة مراكش قبول شكايتها المتعلقة بفضح الفساد، بدعوى أن الجمعية لا تتوفر على وصل إيداع نهائي. كما أن منظمات المجتمع المدني لا زالت في غالبيتها تعاني ضعف التمويل سواء العمومي أو الخارجي مما يزيد من صعوبة العمل والقيام بمهامها على الوجه المطلوب