الأزمة الرأسمالية العالمية ومستقبل أفريقيا – موورا كارا
يتميز النظام الرأسمالي العالمي بالترابط بين الاقتصادات والأسواق المالية، وقد واجه أزمات عدّة على مر السنين، وهي غالبا ما تنشأ في أكبر الاقتصادات في العالم ويكون لها تأثيرات مضاعفة تصل إلى أبعد زاوية في العالم. وتتعرض أفريقيا، ببيئتها الاجتماعية والاقتصادية الفريدة، بشكل خاص لهذه الصدمات الاقتصادية العالمية. يستكشف هذا المقال التأثيرات المتعددة الأوجه للأزمة الرأسمالية العالمية على أفريقيا ويناقش المسارات المحتملة لمرونة القارة ونموها في المستقبل.
تعتمد الاقتصادات الأفريقية بشكل كبير على تصدير المواد الخام مثل النفط والمعادن والمنتجات الزراعية. وغالبا ما تؤدي الأزمات الرأسمالية العالمية إلى تقلبات كبيرة في أسعار السلع الأساسية. على سبيل المثال، أدت الأزمة المالية لعام 2008 إلى انخفاض حاد في أسعار النفط، مما أثر بشدة على البلدان المصدرة للنفط مثل نيجيريا وأنجولا. وبالمثل، تسببت جائحة كوفيد-19 في حدوث اضطرابات في سلاسل التوريد العالمية، مما أثر على تصدير المنتجات الزراعية من دول مثل كينيا وإثيوبيا. ومن الممكن أن تؤدي تقلبات الأسعار هذه إلى زعزعة استقرار الاقتصادات الوطنية، مما يفضي إلى اتخفاض الإيرادات الحكومية وزيادة العجز في الميزانية.
غالبًا ما يؤدي غياب الاستقرار الاقتصادي على المستوى العالمي إلى انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر في البلدان الأفريقية. وبالتالي يصبح المستثمرون أكثر عزوفاً عن المخاطرة، ويفضلون الاستثمار في اقتصادات أكثر استقراراً. ومن الممكن أن يؤدي هذا الانخفاض في الاستثمار الأجنبي المباشر إلى وقف مشاريع البنية التحتية، وإعاقة النمو الاقتصادي، والحد من فرص العمل. على سبيل المثال، خلال فترات الركود الاقتصادي العالمي، غالبا ما تواجه المشاريع الضخمة في قطاعات مثل التعدين والطاقة والبناء تأخيرات أو إلغاءات، مما يحرم البلدان الأفريقية من التنمية وخلق فرص العمل التي تشتد الحاجة إليها.
لذا، تلجأ العديد من الدول الأفريقية إلى الاقتراض لتحقيق الاستقرار في اقتصاداتها خلال الأزمات، مما يزيد من عبء ديونها، ويؤدي إلى تحديات اقتصادية طويلة الأجل. ويمكن أن تسفر مستويات الديون المرتفعة إلى الاعتماد على المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والتي غالبا ما تفرض تدابير تقشفية كشروط للإقراض، قد تفضي في تخفيض الإنفاق الاجتماعي، وتفاقم الفقر واللامساواة.
وعادة ما تؤدي فترات الركود الاقتصادي إلى فقدان الوظائف وزيادة معدلات الفقر. ويمكن لهذا التأثير أن يكون مدمرًا في أفريقيا، حيث يعيش جزء كبير من السكان في ظروف هشة بالفعل. ويتعرض القطاع غير الرسمي، الذي يوظف عددًا كبيرًا من الأفارقة، لأضرار بالغة بشكل خاص خلال الأزمات الاقتصادية. ويمكن أن يؤدي فقدان الوظائف في هذا القطاع إلى دفع الملايين إلى الفقر، وتفاقم اللامساواة الاجتماعية وتقويض التماسك الاجتماعي.
وغالباً ما تدفع الصعوبات الاقتصادية الناس إلى الهجرة بحثاً عن فرص أفضل. وهذه الهجرة يمكنها أن تحدث داخل أفريقيا أو تتجه إلى القارات الأخرى. ويمكن أن تؤدي الهجرة بين البلدان الأفريقية إلى زيادة الضغط على المناطق الحضرية، حيث غالبا ما تكون البنية التحتية والخدمات تعمل فوق طاقتها الفعلية. ويمكن أن تؤدي الهجرة الدولية إلى هجرة الأدمغة، حيث يغادر المهنيون المهرة القارة، مما يحرم البلدان الأفريقية من المواهب اللازمة للتنمية.
وقد تؤدي الأزمات الاقتصادية إلى إجهاد أنظمة الحكم، مما يتسبب بعدم الاستقرار السياسي والنزاع. وقد تواجه الحكومات ضغوطا متزايدة لإدارة المظالم الاقتصادية والاضطرابات الاجتماعية. على سبيل المثال، من الممكن أن تؤدي تدابير التقشف التي تفرضها المؤسسات المالية الدولية إلى احتجاجات عامة، كما رأينا في دول مثل زيمبابوي والسودان. ويمكن أن تتصاعد هذه الاحتجاجات إلى أزمات سياسية أوسع نطاقًا، تقوّض الحكم والاستقرار.
وقد تحتاج الحكومات الأفريقية إلى اعتماد مجموعة من التدابير السياسية للاستجابة للأزمات الاقتصادية، يمكنها أن تشمل إجراءات تقشفية غير شعبية قد تتسبب باحتجاجات واضطرابات اجتماعية. في المقابل، يمكن للحكومات السعي بدلاً من ذلك إلى تنفيذ سياسات أكثر تقدمية لحماية الفئات السكانية الأكثر ضعفًا، قد تشمل شبكات الأمان الاجتماعي، والإعانات المستهدفة، وبرامج الأشغال العامة لخلق فرص العمل وتحفيز النشاط الاقتصادي.
ولتوليد الإيرادات، قد تزيد البلدان الأفريقية من استغلال الموارد الطبيعية أثناء الأزمات الاقتصادية. وهذا يمكن أن يؤدي إلى التدهور البيئي وفقدان التنوع البيولوجي. على سبيل المثال، يمكن أن تؤدي زيادة أنشطة التعدين إلى إزالة الغابات، وتلوث المياه، وتدمير الموائل. ويمكن أن يكون لهذا التدهور البيئي آثار سلبية طويلة المدى على صحة المجتمعات المحلية وسبل عيشها.
ويمكن أن يطغى التركيز على التعافي الاقتصادي أثناء الأزمات على الاعتبارات البيئية، مما يكبح الجهود المبذولة لمكافحة تغير المناخ. وهذا أمر مثير للقلق بشكل خاص بالنسبة لأفريقيا، التي تتأثر بشكل غير متناسب بتغير المناخ، حيث يتهدد الأمن الغذائي والموارد المائية وصحة الإنسان بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وتغير أنماط هطول الأمطار، وزيادة تواتر الظواهر الجوية المتطرفة. وبالتالي فإن تحقيق التوازن بين التعافي الاقتصادي والاستدامة البيئية يشكل أهمية بالغة لمستقبل القارة.
ويعتبر التنويع الاقتصادي أحد الاستراتيجيات الرئيسية للتخفيف من تأثير الأزمات الرأسمالية العالمية، حيث قد تتمكن البلدان الأفريقية من بناء اقتصادات أكثر مرونة من خلال تقليل الاعتماد على صادرات السلع الأساسية. ويشمل ذلك تطوير قطاعات التصنيع، وتعزيز الإنتاجية الزراعية، والاستثمار في التكنولوجيا والابتكار. على سبيل المثال، ساعد تركيز إثيوبيا على المجمعات الصناعية والتصنيع على تنويع اقتصادها وخلق فرص العمل.
ويمكن أن يساعد تعزيز التجمعات الاقتصادية الإقليمية البلدان الأفريقية على بناء القدرة على الصمود من خلال تعزيز التجارة والتعاون الاقتصادي بين البلدان الأفريقية. وتهدف مبادرات مثل منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA) إلى إنشاء سوق موحدة للسلع والخدمات في جميع أنحاء القارة، من شأنه أن يعزز النمو الاقتصادي، ويخلق فرص العمل، ويقلل الاعتماد على الأسواق الخارجية.
من الضروري تبني ممارسات التنمية المستدامة لتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة. وبوسع البلدان الأفريقية أن تستثمر في الطاقة المتجددة، والزراعة المستدامة، وجهود الحفاظ على البيئة لضمان الاستقرار على المدى الطويل. على سبيل المثال، أدى استثمار المغرب في الطاقة الشمسية إلى جعلها رائدة في مجال الطاقة المتجددة في أفريقيا.
ويمكن لتطوير أنظمة حماية اجتماعية قوية أن يخفف من تأثير الأزمات الاقتصادية على الفئات السكانية الضعيفة. وقد تشمل هذه الأنظمة إعانات البطالة، وبرامج المساعدة الغذائية، وإعانات الرعاية الصحية. فمن خلال توفير شبكة أمان، تستطيع الحكومات أن تعمل على تعزيز الاستقرار الاجتماعي والتماسك الاجتماعي أثناء فترات الركود الاقتصادي.
ويعد تعزيز التعليم والرعاية الصحية وتنمية المهارات أمرًا بالغ الأهمية لإعداد السكان الأفارقة للتكيف مع الظروف الاقتصادية المتغيرة، حيث يمكن للاستثمار في رأس المال البشري أن يدفع عجلة النمو والابتكار في المستقبل. على سبيل المثال، قامت دول مثل رواندا باستثمارات كبيرة في التعليم والتكنولوجيا، وتعزيز القوى العاملة الماهرة وجذب شركات التكنولوجيا.
تمثل الأزمة الرأسمالية العالمية تحديات كبيرة لأفريقيا ولكنها توفر أيضًا فرصًا للمرونة والنمو. ويمكن للبلدان الأفريقية بناء مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا من خلال التركيز على التنويع الاقتصادي، والتكامل الإقليمي، والتنمية المستدامة، والحماية الاجتماعية، واستثمار رأس المال البشري. ويمكن لهذه الاستجابات الاستراتيجية أن تساعد في التخفيف من تأثير الصدمات الاقتصادية العالمية وتمهيد الطريق لقارة أكثر مرونة واستدامة. يعتمد مستقبل أفريقيا على قدرتها على التكيف مع الواقع الاقتصادي العالمي مع الاستفادة من نقاط قوتها وإمكاناتها الفريدة.
موورا كارا
تم نشر هذه المقالة كجزء من سلسلة مقالات اعدها المشاركون والمشاركات في الأسبوع الدراسي لعام 2024 ولا تعكس بالضرورة آراء شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية (ANND).