Jun 05, 2023
نضال النساء والحقوق السياسية
فتحية حزام
ناشطة نسوية

الرجاء الضغط هنا لنبذة والمنشورات
فتحية حزام

نضال النساء والحقوق السياسية‪ - ‬فتحية حزام

 

 

رغم المشاركة المكثفة للتونسيات في ثورة 2010-2011، وخلال عملية الانتقال الديمقراطي لم تتحسن وضعيتهن. فالإصلاحات التي تم اتخاذها قد توقفت منذ انقلاب‪ ‬25 يوليو/تموز 2021 والاستحواذ بالقوة على كل السلط من طرف الرئيس الحالي بل إنّ الحقوق السياسية للنساء قد سجّلت تراجعا. 

 

 

كما أن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للنساء غير مفعّلة. فهنّ تعانين من ارتفاع نسبة الأميّة والبطالة، إذ تفوق نسبة البطالة مرتين نسبة بطالة الرجال وذلك حتى بالنسبة لحاملات الشهادات العليا. فكثيرا ما تشغل النساء مهنا هشّة، ومرتهنة للظروف المناخية، وهو ما يعمّق تفقير النساء.

 

 

إن عدم المساواة بين النساء والرجال يعمّق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الحادّة التي تمرّ بها تونس وذلك عبر تهميش النساء؛ وهكذا تحرم البلاد من مشاركة جزء هام من قواها الحيّة. كما أن التمييز الذي يمارس ضدّ النساء له انعكاس فعلي على العنف المسلّط عليهنّ باعتبار أنّه نتيجة وسبب في ذات الوقت.

 

 

الحقوق السياسية للنساء

 

لقد مكنّت ثورة 2011 النساء من تحقيق خطوات هامة بفضل بروز عدد كبير من الجمعيات التي أثّثت الفضاء العام معبّرة عن طموحات النساء الراغبات في تحقيق مواطنتهنّ. 

 

 

إنّ النسويات التونسيات مقتنعات بأنّ حقوقهنّ الإنسانية مترابطة وغير قابلة للتجزئة. ومنذ كانون الثاني/يناير 2011 نظّمت النساء مسيرة وطنية جابت شوارع العاصمة تحت شعار: " المساواة بين النساء والرجال". كنّ يرفضن أن يبقين منسيات التاريخ. وهكذا انطلق النضال من أجل قانون انتخابي يفرض التمييز الإيجابي لصالح النساء. لم تكن المهمّة سهلة بالمرّة، إلاّ أنهن انتصرن وتمّ تبنّي قانون انتخابي يفرض " التناصف والتداول"، كما تمّ التأكيد على مبدإ المساواة بين الجنسين في دستور 2014 في فصله الواحد والعشرين، وكذلك مسألة التناصف في الفصل السادس والأربعين. لقد مكّن القانون النساء في البرلمان الأول لما بعد الثورة أن تشغلن 31‪%‬ من مقاعد البرلمان، بل إنّهن شغلن 48 ℅ من المقاعد خلال الانتخابات المحلية التي فرضت على القائمات الحزبية أو الائتلافية احترام التناصف الأفقي في رئاسة القائمات. 

 

 

وقد كانت النساء في مقدّمة التحركات (2013) التي خاضتها القوى التقدمية والثورية من أجل الحدّ من سلطة الإخوان الذين تمكّنوا منها خلال انتخابات 2011 وذلك من أجل فرض بصمتهنّ في صياغة الدستور في علاقة بالديمقراطية وحقوق النساء. وإن لم تعرف أوضاع النساء ركودا، فذلك يدلّ على رغبة النساء الدائمة في استكمال مواطنتهنّ الفعلية.

 

 

النساء في مواجهة الخطاب الشعبوي

 

إلاّ أن الخطاب المحافظ يتلوّن باستمرار لإغواء الجماهير الشعبية ومن ضمنها النساء. ويتحوّل الخطاب من الاستعطاف، إلى استعمال الحجج الدينية، وادّعاء التضامن الذي لا يتجاوز أبدا المستوى اللفظي عندما يتوجّه إلى النساء الأكثر هشاشة. فالرئيس الحالي، وخلال الحملة الانتخابية سنة 2019 لم يخف رؤيته المحافظة فيما يتعلّق بحقوق النساء وخاصّة حقوق مجتمع الميم عين. ولم يتوان يوم 13 آب/أغسطس2020 (ذكرى صدور مجلة الأحوال الشخصية التونسية) أن أدارة ظهره إلى كلّ القوانين المدنية التي تحكم البلاد ليذكّرنا "بأنّ القرآن قد نصّ بصورة قطعية على حقوق النساء. وبعد سنة، وفي نفس تلك المناسبة في 2021 يستفزّ النساء عبر تصريحات سعى به إلى خلق شرخ بينهن بادعائه مساندة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للكادحات، دون اتخاذ أي اجراء للبرهنة على ذلك، رغم وجود قوانين كان من الأجدر الدعوة إلى تفعيلها (التغطية الاجتماعية والتقاعد وكذلك النقل الآمن لعاملات الفلاحة) واصفا النسويات "بنساء الصالونات" اللواتي لا تعنينه في شيء.

 

 

نعتقد أنّ هذا السلوك لا يهدف إلى شيء سوى تهميش الحركة النسوية ذات القلب النابض، والتي لم تهدأ منذ ديكتاتورية بن علي، وازداد نشاطها وفاعليتها بعد الثورة بتجدّد دماءها.

 

‪ ‬

إن الخطاب الشعبوي للرئيس، بالإضافة الى الزيارات الفجائية غير البريئة التي يقوم بها إلى الأحياء الأكثر فقرا لا تعدو أن تكون محاولات لكسب الدعم في ظلّ أزمة متعدّدة الأبعاد تلقي بظلالها الثقيلة على المواطنات/نين وترمي بربع الشعب التونسي  إلى الفقر ( 16.6بالمائة في المدن، مقابل 40.4 بالمائة في الأرياف حسب المعهد الوطني للإحصاء).

 

 

ففي ظل هذه الظروف الاستثنائية، ومنذ 25 تموز/يوليو2021، صاغ عدد من الجمعيات النسوية "مذكّرة نسويّة"*‪*‬ ضمّناها عددا من مطالبنا، ودعونا فيها الدولة إلى تلبية ما نعتبره عاجلا لتحسين أوضاع النساء.

 

 

وقد وضعنا في هذه المذكّرة توصيات سياسيّة، اقتصادية واجتماعية منها ولوج النساء إلى الصحّة، وأخرى تهمّ العنف المبني على النوع الاجتماعي، وتوصيات تهمّ البيئة والوصول إلى الماء، وأخرى تهمّ بعض المجموعات الهشّة (مجتمع العين ميم والمهاجرات/رين).

 

  

تراجع خطير 

 

وقد كان المرسوم 55 بتاريخ 15/09/2022 بمثابة الصفعة التي تلقتها النساء، إذ لم يحصل في تاريخ تونس المعاصر أن عرفت حقوق النساء تراجعا كما حدث من جرّائه والذي ألغى مبدأ التمييز الإيجابي.

 

 

تمّ انتخاب مجلس نيابي جديد في مفتتح 2023 قبل الأوان باعتبار أنّ المجلس السابق قد تمّ تجميده، ثمّ حلّه بقرار رئاسي. وقد  تمّت الانتخابات على قاعدة القائمات الفردية. وكنا متيقّظات إلى احتمال التراجع فيما يتعلّق بمشاركة النساء، واقترحنا تقنيات تصحيحية كاعتماد قائمات بشخصين فيها ضرورة رجل وامرأة. كنّا على بيّنة بأن بلادنا لا تزال تخضع بدرجة كبيرة إلى الفكر الأبوي، وأن "نسويّة الدولة" التي ركّزها بورقيبة وأصبحت علامة لتونس، لم تكن كافية لتغيير الفكر المسيطر في تونس. بالإضافة إلى أن مثل هذا القانون كفيل بإحياء النعرات القبلية والزبونية وهي كلها توجّهات تقصي النساء. إلاّ أن السلطة السياسية لم تصغ إلى طلباتنا واحتفظت بمبدأ التناصف فيما يتعلّق بعمليات التزكية لتقول لنا إنّه لا يمكن للنساء إلاّ أن يكنّ وقود حرب؛ فلم يتجاوز حضورهن في الترشحات 12℅، فيما كانت نسبتهن في المجلس النيابي تساوي 16 بالمائة. كما نصّ القانون الانتخابي الذي تمّ اعتماده على إلغاء التمويل العمومي الذي يقصي النساء إن لم يكن بالنصّ، فهو يقصيهن بالفعل.

 

 

ويمكن أن نقول في هذا الصدد، إن القانون الانتخابي الجديد ورد في تناقض مع الدستور. وكان بالإمكان الغاؤه لو وُجدت محكمة دستورية. ولكن للأسف لم تنتصب المحكمة الدستورية حسب ما نصّ عليه دستور 2014، فيما سقط ذكرها من الدستور الجديد. 



هناك تراجع آخر خطير تضمّنه الدستور الجديد، والمتمثل في فصله الخامس الذي ينقلنا من الدولة المدنية التي نصّ عليها الفصل الثاني من دستور 2014، إلى الدولة التي تستمدّ روحها من الشريعة. يقول الفصل الخامس: " تونس جزء من الأمة الإسلامية، وعلى الدولة وحدها أن تعمل...على تحقيق مقاصد الإسلام في الحفاظ على النفس والعرض والمال والدين والحرية". كلمات فضفاضة كلّ يأوّله كما بدا له، إضافة إلى أنه متى تمّ إشهار الدين في وجه الشعوب، فذلك لا يمكن إلاّ أن يكون على حساب حقوق النساء، وعلى حساب الحريات وخاصّة الفردية منها.

 

 

ويتواصل نضالنا، سواء في الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، أو في بقية الجمعيات حليفاتنا، من أجل الحقوق بصورة عامة، وخاصّة حقوق النساء، ومن أجل التكريس الفعلي لدولة القانون والمؤسسات. 

 

 

سنواصل النضال من أجل الديمقراطية والحريات لأننا على قناعة أن النضال النسوي جزء لا يتجزّأ من النضال الديمقراطي. كما يتواصل نضالنا من أجل حق الشعب في العيش الكريم وفي حماية مقدرات بلادنا للأجيال الصاعدة.

 

 

ويتواصل نضال النساء على كلّ الجبهات ما دامت الرأسمالية والأبوية تتحالفان للسيطرة على جسد النساء وفكرهنّ.

 

 

يا نساء العالم/ اتحدن من أجل النضال ضدّ الأبوية والرأسمالية‪!‬

 

 

فتحية حزام

 


احدث المنشورات
Dec 16, 2024
الأوضاع في السودان بعد اندلاع الحرب: مقدمة
Dec 16, 2024
تأثير الحرب على الأوضاع السياسية ومسار التحول الديمقراطي في السودان - د. محمد إبراهيم الحسن
منشورات ذات صلة
Jan 23, 2023
مرصد الفضاء المدني - تونس: الفضاء المدني المهدّد
Sep 10, 2024
الحوار الاجتماعي في تونس مرتبط باستئناف الانتقال الديمقراطي - د. صلاح الدين الجورشي