مواجهة العقبات على الطريق إلى مؤتمر أطراف فعّال في كوب29 - امنة شرف
مقدمة
يؤثر تغير المناخ بشكل غير متناسب على البلدان في الجنوب العالمي، تلك التي تتحمل أقل مسؤولية عن التسبب في الأزمة. ففي كل عام، تتحمل أفريقيا، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ، وأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي تكلفة تفاقم تغيّر المناخ من حيث خراب البنية التحتية، وفشل المحاصيل، واختفاء الأراضي تحت سطح البحر، وتدمير سبل العيش، وفقدان الأرواح. فقد أدّى تعطش الشمال العالمي للنمو الاقتصادي القائم على الوقود الأحفوري إلى خلق طلب لا ينضب على الطاقة مما يحكم على الجنوب العالمي بالفقر، والنزوح، والديون المتزايدة، والجوع الناجم عن المناخ. وعلى الطريق إلى مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، تنضم المنطقة إلى آخرين في دعوة حكومات الشمال العالمي إلى الوفاء بالتزاماتها بخفض انبعاثاتها الضخمة في أسرع وقت ممكن ودفع ثمن الفوضى المناخية التي تسببت بها في الجنوب العالمي.
التحديات البنيوية والاعتبارات الإقليمية
المساعي النسوية: المساواة في التمويل
مع اقتراب موعد التفاوض على هدف عالمي جديد بشأن تمويل المناخ في قمة الأمم المتحدة كوب 29 في باكو،[1] أذربيجان في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، هناك أهمية بالغة لمعالجة الحكومات الوعود المكسورة التي قطعتها البلدان المتقدمة، بدءًا من بروتوكول كيوتو لعام 1993 الذي فشلت فيه البلدان النامية في تحقيق هدفها المتمثل في خفض الانبعاثات[2] وانتهاءً بالفشل الوشيك في تحقيق الهدف المتمثل في الحد من الانحباس الحراري إلى 1.5 درجة[3] في اتفاق باريس.[4]
أما هذه الإخفاقات في العمل المناخي والتمويل فهي تعرّض سلامة الكوكب وقابليته للسكن للخطر.[5] يجب وضع هدف التمويل المناخي الجديد في سياق ديون المناخ، مما يوفر فرصة حاسمة لإعادة ضبط مستقبل الكوكب بالتزام متجدد بطموح مناخي حقيقي، حيث إن الافتقار إلى التمويل العام في كل من العمل المناخي والبرامج الاجتماعية يزيد من ضعف الفئات الأكثر تهميشًا بسبب غياب شبكات الأمان الاجتماعي.[6] وهذا صحيح بشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث تنتشر العديد من الكوارث المناخية.[7]
قبل مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، انضمت الحركة النسوية في المنطقة والعالم إلى جهود الحركات الدائنة والمناخية والتجارية والشبابية من خلال حملة #PayUp،[8] داعية الشمال العالمي إلى سداد ديون المناخ المستحقة للجنوب العالمي. ومع الالتزام بتفكيك الجذور البنيوية للقمع والاستغلال، هناك تركيز على الحاجة الماسة إلى التمويل العام الذي يعطي الأولوية لحقوق الإنسان الجماعية والمساواة بين الجنسين والشفافية والمساءلة وتعزيز الوصول. وهذا يتطلب توفير التمويل القائم على المنح لمعالجة مستويات الديون غير المستدامة[9] والحيز المالي المتقلص الذي تواجهه عدّة بلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والمناطق الأخرى في الجنوب العالمي. يجب معالجة هذا التمويل بشكل مباشر وتصحيح الإخفاقات القائمة، وخاصة في أنظمة الدعم الاجتماعي وشبكات الأمان، والتي بدونها، لن تؤدي أزمة المناخ إلا إلى تفاقم عبء الرعاية غير المدفوعة الأجر الذي تتحمله النساء في الغالب.[10] كما يعترف التمويل القائم على المنح بأن دين المناخ هو جزء من دين اجتماعي واقتصادي وبيئي تاريخي أوسع ومستمر، وهو دين تراكم عبر قرون من الاستعمار والإمبريالية والذكورية والاستغلال العنصري.
الخيارات القائمة: العسكرة وتمويل المناخ
تساهم العسكرة بشكل كبير في انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي بسبب عملياتها وبنيتها التحتية.[11] ومن عجيب المفارقات وجود بعض الدعوات لاستخدام معدات عسكرية "منخفضة الانبعاثات"،[12] وربما تكون هذه شهادة على الافتقار إلى الرؤية في بعض جهود حماية المناخ. لا شك أن المستقبل العادل والآمن للجميع مهدد بالعمليات العسكرية نفسها، وليس فقط انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي الناتجة عن العمليات التي يتم تنفيذها. وبالإضافة إلى فقدان الأرواح، فإنها تتسبب في تدمير الأراضي والموائل الطبيعية، وتعطيل النظم البيئية المحلية والتنوع البيولوجي.[13] ويمكن أن يؤدي استخدام المتفجرات والمواد الكيميائية العسكرية إلى تلويث التربة، مما يجعلها أقل قابلية للزراعة، وإلحاق الضرر بالنباتات والحيوانات وتدمير المحاصيل.[14] بالإضافة إلى ذلك، فإن تلوث الأسلحة الأنهار والمياه الجوفية بتسربات الوقود والمعادن الثقيلة والمواد الكيميائية من الذخائر يؤثر على مياه الشرب والزراعة. ويمكن لتعطيل أنظمة أن يؤدي إلى نقص الغذاء وزيادة الاعتماد على الأغذية المستوردة مما يؤثر على الاقتصادات والنظم البيئية المحلية. وتواجه النساء الكثير من هذه التحديات بشكل مباشر، باعتبارهن دافعات للسيادة الغذائية في البلدان النامية[15] من خلال دورهن في الزراعة وفي التماسك الاجتماعي، سواء التأثيرات الأولية للصراع أو تأثيراته المناخية المتفشية.[16]
في السنوات الأخيرة، تعهد بنك الاستثمار الأوروبي بمواءمة أنشطته مع اتفاقية باريس وحدد هدفًا ليصبح بنكًا للمناخ، ملتزمًا بتخصيص ما لا يقل عن 50٪ من تمويله للمشاريع المتعلقة بالمناخ بحلول عام 2025.[17] ومع ذلك، أدرج البنك تمويل الدفاع لإسرائيل في خارطة الطريق الاستراتيجية المعتمدة 2024-2027،[18] مما ساهم في ارتفاع عدد الوفيات، فضلاً عن التداعيات المناخية للعمليات العسكرية الواسعة النطاق، وهو ما دفع الحركات العالمية إلى دعوة بنك الاستثمار الأوروبي لمواءمة استراتيجياته مع القانون الدولي لحقوق الإنسان.[19] ويقدّر أن الإبادة الجماعية الأخيرة في غزة، فلسطين، تسببت في أضرار جسيمة للبيئة إقليميًا ومن حيث انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.[20] وهذا أحد الأمثلة المتعددة لتمويل العمليات العسكرية في الحروب بالوكالة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مع تلبية التزامات تمويل المناخ بالكاد. على سبيل المثال، بلغت ميزانية الدفاع الأمريكية 858 مليار دولار في عام 2023،[21] بينما بلغ تمويل المناخ في نفس العام تحت إدارة بايدن 44.9 مليار دولار.[22] ومن الجدير بالذكر أن مبلغ 44.9 مليار دولار من تمويل المناخ موزع على أنشطة وإجراءات متعددة موجهة نحو المناخ.[23] وعلى الرغم من التأثيرات الجذرية للعسكرة على البيئة وتكاليفها المناخية المرتفعة، فإن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ لا تعترف بهذه التداعيات المناخية من حيث المبدأ إلا من خلال تقارير منظمات المجتمع المدني،[24] دون أي إجراءات لتوفير إطار للمساءلة على الأقل.
التقدم من خلال التمثيل
يكتسب تحدي العوامل النظامية وراء أزمة المناخ وتعزيز المساواة بين الجنسين في المناقشات أهمية ملحة لإعادة تشكيل عالم أكثر استدامة وشمولًا. وقد انضمت دائرة المرأة والجندر (WGC) - وهي واحدة من الدوائر الانتخابية التسع المراقبة الرسمية التي تمثل المجتمع المدني بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وخاصة فيما يتعلق بالجنس والمناخ والبيئة - إلى رسالة من دوائر الرصد في فبراير/شباط الماضي، مع أكثر من 180 منظمة مجتمع مدني، وذلك في المطالبة العادلة بجعل المساواة الجندرية محوراً من محاور رئاسة مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين ونتائجه. وقد حثّت الرسالة رئيس مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين على اتخاذ الإجراءات والدعوة إلى الاستجابة ومشاركة الخطوات الملموسة لضمان بقاء المساواة الجندرية قضية رئيسية شاملة في كل قرار يتم اتخاذه بالإضافة إلى طلب الالتزام بتعزيز قيادة المرأة وضمان توازن قوي بين الجنسين في جميع جوانب صنع القرار بشأن تغير المناخ. ويمكن لهذه المقاربة تعزيز المنظور النسوي مع الحفاظ على دعوة قوية للعمل والمساءلة.
ولكن غياب الاستجابة الرسمية من رئاسة مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين المقبلة أمر مقلق للغاية. فعلى الرغم من مرور أشهر منذ الرسالة الأولية لدائرة المرأة والجندر، وعدد كبير من الاتصالات من قيادة مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، لم يكن هناك أي ذكر مهم لأي خطط أو استراتيجيات أو دعم ملموس لضمان التجديد الناجح لبرنامج عمل ليما المعزز وخطة العمل الخاصة بالنوع الاجتماعي.[25]
وقبل أقل من شهرين على مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، ينفد الوقت أمام الرئاسة لإشراك الأطراف وتشكيل مستقبل مناخي يستجيب حقًا للنوع الاجتماعي، وهو مستقبل يؤثر بشكل مباشر على أكثر من نصف سكان العالم.
وفي خضم هذه التحديات المتزايدة، يغيب الوضوح عن كيفية أو زمن التشاور مع الأطراف لسد الفجوات ورفع الطموح السياسي اللازم للعمل العادل بين الجنسين، وهو العمل الذي ينبغي أن يترجم إلى مساهمات وطنية جديدة وتحويلية ومستجيبة حقًا للنوع الاجتماعي.
امنة شرف
المراجع
[1] المؤتمر التاسع والعشرون للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
[2] Helm, D (2012). ‘The Kyoto Approach Has Failed.’ Nature 491(7426): 663–65. doi:10.1038/491663a. Available at: https://www.nature.com/articles/491663a
[3] إن هدف الدرجة ونصف الدرجة يعني الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية من درجات الحرارة العالمية قبل الثورة الصناعية.
[4]Paddison, L. (2024) The 1.5-degree climate goal may be ‘deader than a doornail,’ and scientists are bitterly divided over it, CNN. Available at: https://www.cnn.com/2024/01/18/climate/paris-climate-goal-threatened-intl/index.html
[5] Laybourn, L., Throp, H. and Sherman, S. (2023) 1.5°C – dead or alive? the risks to transformational change from reaching and breaching the Paris Agreement Goal, IPPR. Available at: https://www.ippr.org/articles/1-5c-dead-or-alive
[6]Costella, C. et al. (2023) Can Social Protection tackle emerging risks from climate change, and how? A framework and a critical review, Climate Risk Management. Available at: https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S221209632300027X
[7] محمد السعيد، "تغيرات أكثر تطرفًا في أنماط المناخ بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا،” Nature Middle East، 12/5/2024، متوفر على: https://www.natureasia.com/ar/nmiddleeast/article/10.1038/nmiddleeast.2024.146
[8]Menafem (2024) Feminists demand wealthy countries #PayUp their climate debt! Menafem Movement. Available at: https://menafemmovement.org/feminists-demand-wealthy-countries-payup-their-climate-debt
[9] Menafem (2024) Debt demands & debunking distractions for climate action, Menafem Movement. Available at: https://menafemmovement.org/debt-demands-debunking-distractions-for-climate-action
[10]IDRC (2024) Recognizing women’s unpaid care work for Food Security and climate resilience, IDRC. Available at: https://idrc-crdi.ca/en/research-in-action/recognizing-womens-unpaid-care-work-food-security-and-climate-resilience
[11] Cottrell, L (2021) The military’s contribution to climate change, CEOBS. Available at: https://ceobs.org/the-militarys-contribution-to-climate-change/
[12]US Department of Defense (2023) Department of Defense Plan to Reduce Greenhouse Gas Emissions. Available at: https://media.defense.gov/2023/Jun/16/2003243454/-1/-1/1/2023-DOD-PLAN-TO-REDUCE-GREENHOUSE-GAS-EMISSIONS.PDF
[13] Cottrell, L (2021) The military’s contribution to climate change, CEOBS. Available at: https://ceobs.org/the-militarys-contribution-to-climate-change/
[14] ibid
[15]Samon, K. (2023) Feminist food sovereignty - the paradigm shift in confronting climate crisis, Asia Pacific Forum on Women, Law, and Development (APWLD). Available at: https://apwld.org/feminist-food-sovereignty-the-paradigm-shift-in-confronting-climate-crisis/
[16]Janoch, E. et al (2024) ‘women in war: Leaders, Responders, and potential’ report, CARE. Available at: https://www.care.org/news-and-stories/resources/women-in-war/
[17] EIB (2020) EIB Group’s climate bank roadmap. Available at: https://www.eib.org/en/publications/the-eib-group-climate-bank-roadmap.htm
[18] EIB (2020) EIB Group 2024-2027 Strategic Roadmap. Available at: https://www.eib.org/en/publications/the-eib-group-climate-bank-roadmap.htm
[19]Menafem (2024) Military support to Israel from the EIB, Menafem Movement. Available at: https://menafemmovement.org/military-support-to-israel-from-the-eib/
[20]Nina Lakhani (2024) Emissions from Israel’s war in Gaza have ‘immense’ effect on climate catastrophe, The Guardian. Available at: https://www.theguardian.com/world/2024/jan/09/emissions-gaza-israel-hamas-war-climate-change#:~:text=Constructing%20the%20Gaza%20Metro%20%E2%80%93%20the,annually%2C%20according%20to%20the%20study
[21]Zengerle, P. (2022) U.S. Senate passes record $858 Billion defense act, sending Bill to Biden | Reuters. Available at: https://www.reuters.com/world/us/us-senate-backs-record-858-billion-defense-bill-voting-continues-2022-12-16
[22] Press Release (2022), President Biden’s FY 2023 Budget Reduces Energy Costs, Combats the Climate Crisis, and Advances Environmental Justice, The White House. Available at: https://www.whitehouse.gov/omb/briefing-room/2022/03/28/president-bidens-fy-2023-budget-reduces-energy-costs-combats-the-climate-crisis-and-advances-environmental-justice/
[23] ibid
[24] UNFCCC (2023), Submission to the UNFCCC Global Stocktake: Military and Conflict Emissions. Available at: https://unfccc.int/sites/default/files/resource/GST%20MILITARY%20EMISSIONS.pdf
[25] The Enhanced Lima Work Programme on Gender (2019), Gender and climate change. Proposal by the President, UNFCCC. Available at: https://unfccc.int/documents/204536
احدث المنشورات
منشورات ذات صلة
