Jul 05, 2023
منتدى الأمم المتحدة لتمويل التنمية 2023: السياق والنتائج الرئيسية – اولغا جبيلي
أولغا جبيلي
باحثة إقتصادية

الرجاء الضغط هنا لنبذة والمنشورات
أولغا جبيلي

بالإضافة إلى الأمم المتحدة، تُعد مؤسسات بريتون وودز (مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي) جزءًا لا يتجزأ من عملية تشكيل السياسات العالمية. لكن العالم يشهد اليوم تجزئة النظام العالمي إلى كتل متنافسة، كما توضح في اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والتي تناولت، من بين قضايا ملحة أخرى، الهيكل المالي الدولي وكيفية تطويره لمواجهة التحديات الجديدة والمخاطر المؤسسية بطريقة ديمقراطية وعادلة.
 
 
يلقي هذا المقال الضوء على منتدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي (‪ECOSOC‬) حول تمويل التنمية (‪FfD‬) الذي انعقد في نيسان/أبريل 2023 في مقر الأمم المتحدة في مدينة نيويورك، حيث شاركت شبكة المنظمات العربية غير الحكومية في آلية المجتمع المدني لتمويل التنمية.
 
 
يعتبر منتدى تمويل التنمية منصة للحوار الشامل بين مختلف أصحاب المصلحة لمواجهة التحديات العالمية الحالية والسياسات والدفع بسياسات تمويل أولويات التنمية المستدامة طويلة الأجل، بما يتماشى مع تفويضة المنصوص عليه في خطة عمل أديس أبابا. أما المنتدى فهو بمثابة فضاء يعالج التمويل بطريقة منهجية وتشاركية مع النظر في الدوافع الأساسية للامساواة الاقتصادية - مثل أزمات الديون والهيكل الضريبي الدولي، يناقش فيه كافة أصحاب المصلحة، بما في ذلك البلدان النامية، القضايا المتعلقة بتمويل التنمية، وهي، تعبئة الموارد المحلية (‪DRM‬)، والتمويل الدولي الخاص، والتجارة الدولية، والقدرة على تحمل الديون، والتعاون الإنمائي الدولي، في مسار مفتوح للمراقبين، بما في ذلك المجتمع المدني.
 
 
وقد اكتسب منتدى هذا العام أهمية خاصة، لانعقادة وسط أزمات متعددة، بما في ذلك عدم استدامة القدرة على تحمل الديون عالميًا، وانتشار اللامساواة، والضغوط التضخمية، والحروب والصراعات التي تؤثر على سلاسل التوريد العالمية، والأهم من ذلك، النقص البالغ ملايين الدولارات في تمويل التنمية، حيث دعت منظمات المجتمع المدني المشاركة في المنتدى إلى وضع إطار قانوني متعدد الأطراف لتسوية الديون السيادية، وإلى اعتماد اتفاقية ضريبية جديدة للأمم المتحدة، وسلطت الضوء على ضرورة الانخراط في إصلاحات منهجية في الهيكل المالي الدولي يضع التمويل الخاص قيد المساءلة.
 
 
الديون
 
بداية، ناقشت الدول الأعضاء ومجموعات البلدان مسألة الديون وأقرت بوجود أزمة ديون "تقضي على أهداف التنمية المستدامة وأي فرصة للتعامل مع حالة الطوارئ المناخية". وتشير التقديرات الحالية أن حوالي 60٪ من البلدان الأقل نموًا وغيرها من البلدان منخفضة الدخل معرضة بشكل كبير لخطر ضائقة ديون أو وصولها بالفعل إلى هذه الحالية، إضافة إلى تعرض ثلث البلدان المتوسطة الدخل تقريبًا لخطر حدوث أزمة مالية داهمة، في غياب إطار عمل فعال حاليًا لمعالجة مستويات الديون التي لا يمكن تحملها. وتُعد الأمم المتحدة اليوم المنظمة الوحيدة ذات العضوية العالمية التي يمكن أن تكون مستعدة لتسهيل الحوار الشامل بشأن الديون السيادية، كما اقترح أمينها العام أنطونيو غوتيريش. وقد ظهر تباين واضح بين مقاربة الدائنين وبلدان الجنوب العالمي/ حيث دعا الفريق الأول إلى إصلاح الإطار المشترك لمعالجات الديون بالاعتماد على الحلول المقترحة من مجموعة العشرين، وطالب الأخير بإصلاح هيكل الديون وإنشاء آلية متعددة الأطراف لتسوية الديون السيادية.
 
 
الضرائب
 
ثانيًا ، وبالعلاقة مع هيئة الضرائب التابعة للأمم المتحدة واتفاقيتها، من المهم التذكير بأن المناقشات حول النظام الضريبي العالمي بدأت منذ أكثر من عقدين حيث كانت دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تمنع التوصل إلى اتفاق، بينما كانت البلدان النامية تدفع باتجاه حل القضايا المتعلقة بالنظام الضريبي العالمي، لا سيما التهرب الضريبي الدولي الذي يكلف الحكومات خسارة سنوية في الدخل الضريبي.
 
 
في نهاية عام 2022، اقترحت المجموعة الأفريقية إنشاء مسار ضريبي دولي للأمم المتحدة تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع. كما دعت المجموعة الأفريقية أن يصل المسار المقبل في الأمم المتحدة إلى اتفاقية ضرائب، بدعم من تحالف لمنظمات المجتمع المدني.
 
 
التمويل الخاص من أجل التنمية
 
ومع اتساع فجوة التمويل، تقوم بعض البلدان، ولا سيما دول الشمال، بالدعوة بشكل متزايد إلى الاستفادة من تمويل القطاع الخاص من أجل التنمية. لكن، ورغم أن التمويل الخاص يمثل مصدر تمويل إضافي، يجب التعامل معه بعناية في سياق تطوير التمويل. ويجب على صانعي السياسات، عند التعامل مع التمويل الخاص، الأخذ في الاعتبار المخاطر المرتبطة بزيادة مستويات الديون التي لا يمكن تحملها بالفعل في البلدان النامية والتي تزاحم الأنواع الأخرى من الإنفاق الذي تشتد الحاجة إليه والمتعلق، على سبيل المثال، بالحماية الاجتماعية. كما أن التمويل الخاص لا يخلو من المخاطر، حيث "ينتهي الأمر بكل دولار تقريبًا من التمويل الخاص إلى استخراج مزيد من الأموال من الجنوب العالمي".
 
 
وتشير يوروداد إلى "إن الاندفاع نحو الأدوات المالية مثل سندات أهداف التنمية المستدامة، بغياب التحليل المفصل للتأثير، والتركيز الشديد على احتياجات المستثمرين" هي مقاربة أحادية الجانب للتعامل مع تمويل التنمية، تشوه الغرض من أهداف التنمية المستدامة وتضع سوابق خطيرة للتمويل الخاص كغاية في حد ذاته. ومن وجهة نظر المجتمع المدني، فإنه من المهم أن تتم مساءلة الشركات متعددة الجنسيات وأصحاب الأعمال الخيرية عن التهرب والتجنب الضريبي والبدء في دفع نصيبهم العادل من الضرائب. وفي الوقت نفسه ، على الدائنين من القطاع الخاص المشاركة بحسن نية في التوصل إلى حل عالمي للاعتراف بمشاكل الديون المتصاعدة ومعالجتها.
 
 
النتائج
 
اعتمدت الحكومات في نهاية منتدى تمويل التنمية 2023 وثيقة ختامية أقرت فيها الدول الأعضاء بالحاجة إلى "آليات ديون دولية محسنة". لكنه لم يكون من الواضح حتى الآن كيف تتصور الحكومات صراحة وضع مسار تحت رعاية الأمم المتحدة لمناقشة إصلاح هيكل الديون. بدلاً من ذلك، كان الاتجاه السائد هو الإشارة إلى مجموعة العشرين وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بالإضافة إلى الطاولة المستديرة للديون السيادية العالمية التي تم إنشاؤها مؤخرًا، كمنصات لمعالجة مشاكل الديون.
 
 
بالمقابل، أوضحت آلية منظمات المجتمع المدني لتمويل التنمية بأن حل أزمة الديون لن يأتي من "المنتديات التي يسيطر عليها الدائنون، بل يجب مناقشتها واتخاذ قرار بشأنها من خلال مسار تقوده الدول الأعضاء تحت رعاية الأمم المتحدة، ووجود جميع المقترضين والدائنين على الطاولة." إلى جانب الوثيقة الختامية، أظهرت بيانات الدول الأعضاء ومجموعات الدول في منتدى تمويل التنمية دعمًا متزايدًا ومشجعًا لإطلاق النقاش في هذا الاتجاه، بدءًا من التنسيق الأوسع بين الدول المقترضة.
 
 
أما عن الضرائب، فقد نصت الوثيقة الختامية على ما يلي: "إننا نتطلع إلى بدء المناقشات الحكومية الدولية في مقر الأمم المتحدة في نيويورك حول سبل تعزيز شمولية وفعالية التعاون الضريبي الدولي". كما أشارت الدول الأعضاء إلى عمل مبادرة أديس أبابا الضريبية في تعزيز الجهد الجماعي لتعزيز قدرات البلدان النامية على سد الفجوات الظاهرة في تمويل التنمية.
‪ ‬
‪ ‬
أما بالنسبة للتمويل الخاص، فقد أكدت الوثيقة الختامية على أهمية تطوير قطاعات خاصة محلية ديناميكية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بطريقة مستدامة وعادلة من خلال خلق وتعزيز بيئة أعمال مواتية، وأعادت التأكيد على الحاجة إلى تعزيز التعاون الدولي لاستكشاف مجموعة كاملة من أدوات السياسة للتغلب على العوائق التي تعترض الاستثمار الخاص من أجل التنمية المستدامة.
 
 
علاوة على ذلك، تناولت الدول الأعضاء الحاجة إلى اتخاذ خطوات لضمان وتحسين وصول المؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة إلى التمويل، بما في ذلك تمويل التجارة، وزيادة مشاركتها في التجارة والاستثمار الدوليين والاقتصاد الرقمي.
 
 
وأخيرًا، شجعت الدول الأعضاء على تعزيز أطر الإفصاح عن استدامة الشركة وتصميم السياسات والأطر التنظيمية لدعم التمويل المستدام من خلال اللوائح والسياسات التي تربط الربحية والاستدامة وتوائمهما بشكل أفضل. ويمكن لتطوير أنظمة التصنيف بالإضافة إلى منهجيات تصنيف الاستدامة المتسقة عالميًا والقابلة للمقارنة، بشكل شفاف وقابل للتتبع، أن يجعل الاستثمار المستدام أكثر مصداقية.
 
 
المضي قدمًا
 
في الختام، أكدت الوثيقة الختامية لمنتدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي حول تمويل التنمية 2023 على قلق الدول الأعضاء البالغ من أن تؤدّي الصدمات الأخيرة إلى مزيد من تحوير أو تأخير التقدم نحو أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030، ولا سيما بالنسبة للبلدان النامية والاهتمام بشكل خاص بأشد الناس فقرًا وأكثرهم هشاشة.
 
 
كما ظهرت الحاجة إلى الشروع بالتغيير لمواجهة الأزمات العالمية المتعددة والمترابطة، من خلال التدابير الفورية لتكثيف جهود تحقيق أجندة 2030 وخطة عمل أديس أبابا، بما في ذلك من خلال التعاون الإنمائي، واستثمارات أهداف التنمية المستدامة، وإصلاح الهيكل المالي الدولي، وتعزيز التعاون حول سياسات الاقتصاد الكلي وتنفيذ الإجراءات لتسريع التنمية المستدامة، ولا سيما في دعم البلدان النامية. كما رحبت الوثيقة الختامية بالجهود التي يبذلها الأمين العام لمعالجة الفجوة التمويلية لأهداف التنمية المستدامة ودعت إلى مناقشات إضافية حول اقتراح تحفيز أهداف التنمية المستدامة في الوقت المناسب في الأمم المتحدة لمعالجة ارتفاع تكلفة الديون ومخاطر الديون المتزايدة، وإلى زيادة كبيرة في التمويل طويل الأجل الميسور التكلفة للتنمية وتوسيع نطاق تمويل الطوارئ للبلدان المحتاجة.
 
 
ومؤخرًا، قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بافتتح مؤتمر قمة لاتفاق مالي عالمي جديد في باريس في حزيران/يونيو  2023، وسط مزيد من إلحاح قضية التمويل والزيادة الكبيرة في فجواتها، وبغرض تكامل جهود المجتمع الدولي لتوسيع نطاق الحصول على التمويل لتلبية التنمية الاجتماعية والاقتصادية المتزايدة واحتياجات المناخ . وقد سعت القمة إلى إيجاد حلول مالية للأهداف العالمية المترابطة لمعالجة الفقر، والحد من انبعاثات الاحتباس الحراري وحماية الطبيعة، وهدفت إلى إظهار الوحدة العالمية لإصلاح الهيكل المالي الدولي. لكنها كشفت عن تناقضات حقيقية بين احتياجات الجنوب العالمي وما يرغب الشمال العالمي في التنازل عنه. وانتهت القمة دون نتائج ملموسة، وبغياب الاتفاق على المواثيق أو الالتزامات العالمية.
 
 
وتشكل الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر، بما في ذلك قمة أهداف التنمية المستدامة، ومؤتمر الأطراف الثامن والعشرين لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في ديسمبر/كانون الأول، ومسار تمويل التنمية الجاري في الأمم المتحدة، والمؤتمر الجديد لتمويل التنمية المتوقع في عام 2025، فرصًا فريدة لتعزيز التحولات الحقيقية القائمة على المناقشات الديمقراطية والعادلة مع جميع البلدان على الطاولة واحدة على قدم المساواة من أجل تمكين التحولات الحقيقية.
 
 
اولغا جبيلي
‪ ‬


احدث المنشورات
Nov 21, 2024
منطقة مشتعلة - العدد ٥٦
Nov 20, 2024
منطقة مشتعلة - العدد ٥٥
منشورات ذات صلة
Jan 04, 2023
النشرة الشهرية لشهر كانون الاول / ديسمبر 2022
May 08, 2023
قراءات في اجتماعات الربيع لعام 2023 لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي‪