قانون العمل في لبنان: الأمان الإجتماعي في ظل الأزمة – منار زعيتر
قانون العمل في لبنان: الأمان الإجتماعي في ظل الأزمة – منار زعيتر
الرجاء الضغط هنا لقراءة التقرير كاملًا.
مقدمة
إن الإصلاحات التي أدخلها المشرع اللبناني على قانون العمل، طفيفة ولا تستجيب لضروريات واحتياجات قطاع العمل وأبرزها الحاجة إلى معالجة البطالة المتصاعدة بين الشباب اللبناني والتوسع المستمر في العمل غير النظامي على حساب العمل اللائق، إضافة الى أهمية تنفيذ توصيات منظمة العمل الدولية بشأن تطوير النقابات العمالية وظروف العمال، فضلا عن سن إصلاحات جذرية عاجلة لإعادة تنشيط مجالس التحكيم وضمان استقلالها. كما تشير الدراسات الى تفاوتات واسعة النطاق في حقوق العمال، وخاصة ذوي الأجور المنخفضة والنساء، واللاجئين، والعمال المهاجرين، العمال غير النظاميين والأطفال. وعلى الرغم من تناول بعض التشريعات للمساواة بين الجنسين في العمل فهي لا تزال بعيدة المنال. وبالإضافة إلى ذلك، فإن تشريعات العمل لا ترقى إلى مستوى توفير العمل المتساوي الفرص والوصول إلى الأشخاص ذوي الإعاقة. وهناك عجز آخر في إطار العمل اللبناني وهو اعتماد نظام الكفالة للعمال المهاجرين. كذلك، ترتبط بعض أوجه الحماية الاجتماعية بقانون العمل، بفعل استثناء بعض الفئات العمالية من أحكام هذا القانون. وبالإضافة إلى ذلك فإن تشريعات العمل تحتوي على مخالفات جوهرية تمس الحق في التنظيم.
وانتهاكات حقوق العمل المذكورة أعلاه هي نتيجة لعوامل كثيرةـ أبرزها تشريعات العمل الحالية، والممارسات السائدة من قبل أصحاب العمل في القطاع الخاص2. ولا يمكن أن نغفل ضعف الاشتراك الوثيق للأطراف المعنية في مسارات الحوار الاجتماعي، إضافة الى العوامل المرتبطة بالاقتصاد السياسي في البلد، وسياسات تحرير الاقتصاد التي غالبا لا تصبو الى تعزيز التوظيف او تعزيز الحماية للعمال، كذلك الجهود النظامية التي بذلتها الأحزاب السياسية في السلطة لتقويض الحركة العمالية طيلة عقود.
تتفاقم هذه الإشكاليات في الوقت الراهن، حيث يواجه لبنان أزمة حادة متعددة الأوجه تهدد بتقويض استقراره السياسي والاقتصادي والمالي والاجتماعي بشكل نهائي. فقد أدت السياسات التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة خلال العقود الماضية الى تراجع اقتصادي ومالي ونقدي غير مسبوق. وقد تحول ما يسمى "العجز التوأم" المزمن في كل من الميزان المالي وميزان المدفوعات إلى أزمة ديون سيادية مقترنة بأزمات نقد وسيولة، وانهيار النظام المصرفي، الأمر الذي أدى إلى انكماش اقتصادي حاد. وقد انعكست تداعيات هذه الأزمة على المشهد الاجتماعي بشكل كبير، لا سيما على الطبقة الفقيرة، أو تلك الواقعة على حدود خط الفقر، كما وصلت تردداتها بشكل بارز الى الطبقة الوسطى، وذلك في ظل نظام للحماية الاجتماعية يعاني من نقص في التمويل ومن عيوب هيكلية متعددة. وتزامن ذلك مع ضعف قدرة البنية التشريعية والمؤسسية والسياساتية الخاصة بسوق العمل على التكيف مع التحديات الناشئة.
وبحسب المكتب الإقليمي للدول العربية في منظمة العمل الدولية تفاقمت ظروف القطاع غير النظامي والأوضاع الهشة لأكثر المواطنين اللبنانيين حرمانًا، وكذلك اللاجئين السوريين والفلسطينيين المقيمين في لبنان، في ظل الظروف الاجتماعية والاقتصادية المزرية والمتدهورة بسرعة في البلاد. وفي 12 أيار 2022، أصدرت إدارة الإحصاء المركزي في لبنان ومنظمة العمل الدولية نتائج مسح جديد للقوى العاملة في لبنان يلحظ الاستخدام الناقص للعمالة، فسجلت زيادة كبيرة من 16.2 في المئة في 2018 - 2019 إلى 50.1 في المئة في كانون الثاني 2022. ووفًقا لنتائج المسح، ارتفع معدل البطالة (وفق التعريف الضيق) في لبنان من 11.4 في المئة فيفترة 2018- 2019إلى 29.6في المئة فيكانون الثاني 2022، مّما يشيرإلى أن ما يقارب ثلث القوى العاملة الناشطة كانت عاطلة من العمل في هذا الشهر. ووجد مسح آخر للمنظمة "أن نسبة العاملين في الاقتصاد غير النظامي مرتفعة جدًا، وتبلغ 77.8 في المئة من مجموع العاملين. وبرغم افتقار لبنان الى بيانات رسمية شاملة ودقيقة بشأن الفقر، بيد أنه من الواضح ان الأزمات المتفاقمة قد أسهمت في حدوث زيادة هائلة في الفقر. وتشير تقديرات متقاطعة الى إن نسب الفقر كانت تتراوح بين ربع وثلث السكان اعتبارا من أواسط التسعينات حتى انفجار الازمة خريف 2019، وان ما يقارب ثلاثة ارباع السكان يعيشون في وضعية الفقر او الحرمان وعدم القدرة على توفير متطلبات المعيشة اللائقة بعد انفجار الازمة، ويحتاجون الى أحد اشكال المساعدة او الدعم. كم ان اللامساواة شديدة في لبنان، بحسب ما تظهر قاعدة بيانات اللامساواة الدولية، والمصادر الوطنية على حد سواء، حيث يستأثر 1 % من السكان بحوالي 23 % من الدخل القومي4، وحيث تبلغ حصة 1% من المودعين في المصارف حوالي نصف اجمالي الودائع. فبحسب مصادر مصرف لبنان عن توزع الودائع عام 2020 في لبنان5، فإن نسبة 1% من اجمال الحسابات المصرفية (تزيد قيمة الحساب عن مليون دولار) تمثل 46% من اجمالي الودائع المصرفية، في حين ان 62% من اجمالي الحسابات (الحساب اقل من 3000 دولار)، تمثل أقل من 0.5% من اجمالي الودائع.
في هذا السياق تبدو الإصلاحات المطلوبة كثيرة وهيكلية، ويتقاطع الجانب التشريعي مع البنيوي مع السياساتي مع المؤسساتي، ولكن يبقى إصلاح قانون العمل اللبناني مقدمة أساسية. وتوصًلا لذلك، من الضروري قراءة هذا التشريع قراءة موجزة للاستدلال على أبرز أوجه الخلل فيه، بالإضافة الى محاولة قراءته من منظور مقارن مع قوانين بعض دول المنطقة. وبلا شك، لا يوجد مقاربة واحدة تناسب كل الدول. هناك عدة حالات وخصائص تختلف من بلد لآخر في المنطقة بحيث يحتاج كل بلد تطوير أساليبه الخاصة لتحسين الإطار الإداري والقانوني والمؤسسي لإدارة سوق العمل من أجل استحداث وظائف أكثر وأفضل. لكن هذه الأساليب المختلفة يجب أن تؤدي إلى حد أدنى من المعايير والحقوق الاجتماعية المشتركة التي يرتكز عليها الإطار المؤسسي في كل الدول.
انطلاقا من الشراكة القائمة بين شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين، تم تطوير هذه الورقة التي تحاول مقاربة بعض أحكام قانون العمل في لبنان بالمقارنة مع قانون العمل في كل من الأردن، المغرب، السعودية ومصر. لا تتناول الورقة كل أحكام قانون العمل، ولكنها ستتناول أبرز المسائل المرتبطة بشكل او بآخر بتداعيات الازمة الراهنة وبفعالية القانون في إرساء ارساء قواعد الامان الاجتماعي، وتاليًا النظام العام الاجتماعي. مع التأكيد على إن الورقة تركز على النص القانوني فحسب، لا على تطبيقاته. وتتطرق الورقة الى أربع مسائل أساسية هي شمول قانون العمل لكل العمال \ العاملات ـ حماية القانون للعمال \ات الأكثر هشاشة، ديمومة العمل والحماية من الصرف التعسفي، واخيرًا التنظيم النقابي في قانون العمل اللبناني.
منار زعيتر
الرجاء الضغط هنا لقراءة التقرير كاملًا.