سكّان الجزر المصرية يأخذون إدارة النفايات على عاتقهم - فاروق الشافعي
ما زلت أشعر بانزعاج في رئتي أحيانًا في القاهرة وأنا أمر بكومة من القمامة المحترقة، وأذكر أنها كانت معاناتي اليومية خلال عملي في منظمة غير حكومية على أطراف الجيزة منذ بضعة سنوات، حيث اضطر السكّان هناك إلى حرق النفايات على الأرصفة مرارًا خلال النهار في غياب الخيارات الأفضل. وكثيرًا ما كانت تزعجني رائحة البلاستك المحروق على وجه الخصوص، وما لبثت أن أصبت بالربو خلال السنة التي بقيت فيها في وظيفتي.
يفتقر 3 مليار شخص حول العالم إلى إمكانية الوصول لأنظمة إدارة النفايات، ويتعين عليهم تحمل العواقب الصحية الناتجة عن القمامة في شوارعهم وبيئاتهم البحرية. وتتفاقم المشكلة في جنوب الكرة الأرضية، حيث تحوّلت بلدان عدّة في آسيا وأفريقيا إلى مقالب لنفايات شمال الكرة الأرضية. كما تغيب الحاجة الماسة للحد من العبوات البلاستيكية عن الإطار التنظيمي للجنوب العالمي في ظل تفشي المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الأوحد التي يستفيد منها المستهلكون لبضع دقائق، لكنها تبقى في البيئة لمدة 500 إلى 1000 سنة.
تواجه مصر مشكلة سحيقة وكبيرة في إدارة النفايات البلاستيكية، كانت ستزداد سوءًا لولا عمل القطاع العام غير الرسمي للتعويض عن التسيّب الذي خلفته الشركات متعددة الجنسيات، حيث يجمع "الزبالون" بشكل خاص الجزء الكبير من نفايات المدينة دون أي تكلفة على السكان لكسب قوتهم من فرز القمامة وبيع كل ما يمكن إعادة تدويره، والذي قد يصل إلى 80 في المائة من النفايات التي يجمعونها.
يوضح مثال الزبالين التأثير المحتمل للمجتمعات المحلية في إدارة النفايات في بلدهم، والدور التمكيني الذي يمكن أن يحمله للأشخاص المهمشين اقتصاديًا. وقد استلهمت فيري نايل (VeryNile) فكرة معاملة المجتمعات المحلية كجهات فاعلة رئيسية في مواجهة التحديات البيئية من خلال إشراكهم في عملية إدارة النفايات ورفع جودة معيشتهم. وهكذا، يركّز عملنا على النفايات البلاستيكية البحرية الموجودة في نهر النيل بالتحديد، وهي قضية بيئية أساسية لم يعالجها أحد من قبل. وفي دراسة أُجريت بالتعاون مع سكاي نيوز، احتوت 75٪ من عينات الأسماك المأخوذة من نهر النيل على جزيئات بلاستيكية دقيقة، ويساهم النيل بأكثر من 30٪ من البلاستيك المتسرب إلى البحر الأبيض المتوسط كل عام.
يتركّز عملنا في قرية القرصاية، جزيرة مساحتها 70 فدانًا في النيل في قلب القاهرة، وهي موطن لأجيال من الصيادين والمزارعين. يستخدم ستون صيادًا محليًا قواربهم التقليدية لالتقاط البلاستيك بدلاً من الأسماك، لنقوم بشرائها منهم، وفرز النفايات في منشأتنا التي تستخدم عاملين من السكان المحليين في الجزر. ومن ثم نرسل النفايات إلى أحد شركائنا في إعادة التدوير، حسب نوع البلاستيك. على سبيل المثال، يتم إرسال الزجاجات البلاستيكية إلى شركة إعادة تدوير تقوم بتحويلها إلى كريات، والتي يتم تحويلها بعد ذلك إلى خيوط وأقمشة لقطاع النسيج.
وقد أدركنا من خلال الحوار المفتوح مع مجتمع القرصاية حاجة النساء الكبيرة إلى فرص العمل القريبة من السكن ومصدر دخل ثابت، واقترحن إنشاء ورشة للحرف اليدوية، فتم تجهيز ورشة إعادة تدوير للأفضل للنساء في الجزيرة. هذا وتتعاون النساء المحليات مع خبيرين موظفَين لتحويل الأكياس البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد إلى منتجات الحياة اليومية والأدوات المنزلية، من المرايل إلى حقائب الكمبيوتر المحمول، وذلك لإنتاج الدخل وخلق وعي أكبر بالتلوث البلاستيكي خلال تسويق هذه المنتجات.
إن الأعمال الجارية في القرصاية وأثرها على الأرض - سواء الأكثر من 10 أطنان من النفايات التي يجمعها الصيادون من النهر كل شهر، أو آلاف الأكياس البلاستيكية التي تحولت إلى منتجات من قبل نساء الورشة - هي بفضل أشخاص محرومين لم يمنحهم النظام أي شيء، احتاجوا بكل بساطة إلى نموذج أو إطار عمل يسمح لهم بكسب لقمة العيش أثناء معالجة التحديات البيئية التي تؤثر بشكل مباشر على محيطهم القريب، والتي لم تكن تحظى بأي اهتمام.
تملك الحكومة جزيرة القرصاية وتعتبرها من عقاراتها الرئيسية. أما المجتمع المحلي وVeryNile فلا يملكون أي سلطة على إمكانية بيعها أو إذا كان بإمكاننا مواصلة العمل هناك على المدى الطويل. ما يمكننا القيام به هو تسليط الأضواء بشكل أكبر على سكان الجزيرة وحياتهم وثقافتهم وعملهم وإبداعهم وحرفتهم اليدوية.