ريمونتادا السلطة – فاروق المغربي
بعد مرور اكثر من ثلاثة سنوات على 17 تشرين وعلى الرغم من كل الانجازات التي استطاع الناس والمجموعات الثورية تحقيقها، لا سيما لجهة حرية التعبير عبر كسر حاجز الخوف وإعادة بعض انصاف الآلهة السياسيين الى مكانة البشر، ها هي السلطة السياسية تحاول استعادة عافيتها وتقوم بريمونتادا كما تسمى في لعبة كرة القدم علّها تستطيع حسم المباراة وسحق المعارضين.
هذه الممارسات هي نتيجة الخوف من ظاهرة الصحافي/ة الناشط/ةغير القابل/ة للتقييد التي تخيف بحد سواء السلطة السياسية والاجهزة الامنية وبعض القضاة و رجال الاعمال بحيث اصبح لكل صحافية وصحافي منبراً يتوجه عبره للناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
اكثر الناس المستهدفون حالياً هم الناشطون ولا سيما الاعلاميين/ات لما لهم من تأثير على الرأي العام، ولما لهذه المجموعة من دور في محاربة الفساد والتعديات الواقعة ضد حقوق الانسان.
مخالفة الالتزامات الدولية
هذه الارتكابات بحق الصحافيين/ات واصحاب الرأي تعتبر انتهاكاً للمادة 13 من الدستور اللبناني و للاتفاقيات الدولية، بخاصة المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي صدقت عليه الحكومة اللبنانية بموجب المرسوم رقم /3855/ تاريخ 1/9/1972[i]، وايضاً تنتهك المادة الثانية من إعلان اليونيسكو حول اهمية إسهام وسائل الاعلام في دعم السلام العالمي والتفاهم الدولي وتعزيز حقوق الانسان ومكافحة العنصرية والتحريض للعام 1978[ii] .
وفي هذا الصدد اعربت لجنة حقوق الانسان في الامم المتحدة في معرض الملاحظات الختامية للدولة اللبنانية بتاريخ 9/5/2018 عن قلقها حول الممارسات التي تؤدي الى تضييق حرية التعبير[iii] هذه الملاحظات قد صدرت قبل ثورة 17 تشرين وقبل كل الانتهاكات الجسيمة التي تلت تلك الحقبة.
وايضاً وفي هذا الخصوص اعتبرت منظمة هيومن رايتش واتش ان حرية التعبير تتعرض للهجوم في لبنان[iv]،
واعتبرت منظمة العفو الدولية ان جرم القدح والذم يستعمل كوسيلة لقمع الحريات وايضاً يتم محاكمة الناشطين امام المحكمة العسكرية حيث تم محاكمة الممثلة الكوميدية شادن فقيه مؤخراً امام المحكمة العسكرية[v].
القانون لا يراعي مبدأ حرية العمل الصحافي
الصحافيون يخضعون بموجب قانون المطبوعات تاريخ 14/9/1962 المعدّل بموجب المرسوم الاشتراعي رقم 104 الصادر بتاريخ 30/6/1977 والمعدّل ايضاً بموجب القانون رقم 330/1994، وعلى الرغم من تعارض هذا القانون مع حرية الاعلام وعدم تأمينه للحد الادنى من شروط المحاكمة العادلة إذ ان محكمة المطبوعات هي محكمة استثنائية يتم التقاضي فيها على درجتين، فالنيابات العامة تحاول عدم تطبيق قانون المطبوعات وإحالة الملف الى مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية او الى اجهزة امنية اخرى مثل امن الدولة حيث هناك يمكن توقيف الصحافي/ة والضغط عليه/ا لازالة المنشور وتوقيع تعهد وذك بمخالفة واضحة للمادتين 29 و 30 من قانون المطبوعات التي تنص بما فيه على انه إذا اقتضت دعوى المطبوعات تحقيقاً "فعلى قاضي التحقيق ان يقوم به".
فمكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية يطلب من اي شخص مستدعى للتحقيق لديه إظهار بطاقة انتساب لنقابة المحررين للتثبت من كونه صحافياً لاعتبار نفسه غير مختص وإعادة الملف الى النيابة العامة وهذا الشرط لا ينطبق على الجميع في ظل السيطرة السياسية التامة على نقابة المحررين التي تتحكم بجدول الانتساب وهي التي تقرر من هم الصحافيون، هي نفسها النقابة التي تقدمت ضد تجمع نقابة الصحافة البديلة بدعوى امام قاضي الامور المستعجلة في بعبدا طالبةً منه إصدار قرار بمنع نقابة الصحافة البديلة من القيام بأي نشاط عبر كافة وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والالكترونية على كافة الاراضي اللبنانية، ومنعها خصوصاً من نشر اية اخبار او بيانات او مقالات من اي نوع وذلك تحت غرامة إكراهية تدفع بالتكافل والتضامن من قبل اعضائها، ولكن القضاء انتصر لحرية الرأي واصدر قراراً معللاً مستنداً على الاتفاقيات الدولية ورد الطلب.[vi]
الاستدعاءات الممنهجة
اما الآن فهناك عمل ممنهج لقمع الحريات عبر استدعاء الصحفيين، إبتداء من إدعاء القاضي غسان عويدات على الصحافي جان قصير وإحالة ملفه الى جهاز امن الدولة للتحقيق معه خلافاً للقانون بغية ترهيبه في ظل سمعة هذا الجهاز السيئة نتيجة انتهاكاته المتكررة لحقوق الانسان[vii]، الى استدعاء الصحافية لارا البيطار امام مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية بدعوى تقدم بها حزب القوات اللبنانية على خلفية مقال نشره موقع مصدر عام[viii].
ولكن الشيء المفرح ان الريمونتادا فشلت فجان قصير لم يمثل امام جهاز امن الدولة ولارا بيطار لم تمثل امام مكتب الجرائم المعلوماتية ويعود الفضل في هذا الى تضامن الصحافيين والصحافيات والناشطين والناشطات وعلى رأسهم نقابة الصحافة البديلة.
نقابة المحامين تخالف حقوق الانسان
وفي مشهد مقلق اتى تعديل نظام آداب مهنة المحاماة في مخالفة واضحة لقانون حقوق الانسان الدولي عبر تقييد حرية المحامين في التعبير، والتعدي على مساحاتهم الخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي كضربة إضافية لمكافحي الفساد والمدافعين عن حقوق الانسان، فوفقاً للمادة 39[ix] بعد التعديل اصبح يُمنع على المحامي مناقشة حتى القضايا الكبرى التي تهم المجتمع دون اذن مسبق من نقيب المحامين، وايضاً ووفقاً للمادة 41[x] اصبح المحامي ملزماً ان يستحصل على اذن مسبق من نقيب المحامين، بأية وسيلة متاحة، للاشتراك في ندوة او مقابلة ذات طابع قانوني عام تُنظم عبر وسائل الاعلام او التواصل الاجتماعي او المواقع الالكترونية او المجموعات " على ان يحدد في طلبه زمانها وموضوعها واسم الوسيلة" بلغة تشبه الى حد ما العلم والخبر الذي يُقدم لوزارة الداخلية للاستحصال على اذن بالتظاهر".
ولا يُترجم إستدعاء المحامي نزار صاغية من قبل مجلس النقابة وغيره من المحامين للتحقيق معهم إلا في سياق تضييق الحريات لا سيما بعد ان رفع صاغية من حدة انتقاده لهذا التعديل معتبراً اياه تعدٍ على حق طبيعي وهو الحق بالتعبير ومحاولة تقييد لمجموعة من المحامين الناشطين الذين يزعجون السلطة السياسية والنظام برمته، لا سيما انه تقدم بطعن ضد هذا التعديل امام محكمة الاستئناف المدنية في بيروت.[xi]
ولهذا فنحن جميعاً امام مرحلة تاريخية تفرض علينا مسؤولية كبيرة وهي النضال والقتال حتى اخر رمق دفاعاً عن حريتنا في التعبير.
فاروق المغربي
مصادر
[i] https://www.ohchr.org/ar/instruments-mechanisms/instruments/international-covenant-civil-and-political-rights
[ii] https://hritc.co/wp-content/uploads/2020/06/2AD11.pdf
[iii]https://tbinternet.ohchr.org/_layouts/15/treatybodyexternal/Download.aspx?symbolno=CCPR%2FC%2FLBN%2FCO%2F3&Lang=en
[iv] https://www.hrw.org/news/2021/05/04/freedom-speech-lebanon-under-attack
[v] https://www.amnesty.org/en/location/middle-east-and-north-africa/lebanon/report-lebanon/
[vi] https://www.alaraby.co.uk/entertainment_media/%D9%82%D8%A7%D8%B6%D9%8D-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%8A%D9%86%D8%AA%D8%B5%D8%B1-%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%A8%D9%8A%D8%B1-%D9%88%D9%8A%D8%B1%D9%81%D8%B6-%D8%AD%D8%B8%D8%B1-%D9%86%D8%B4%D8%A7%D8%B7-%D9%86%D9%82%D8%A7%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D9%84%D8%A9
[vii] https://www.almodon.com/media/2023/3/31/%D8%A3%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D9%8A%D8%B3%D8%AA%D8%AF%D8%B9%D9%8A-%D9%85%D9%8A%D8%BA%D8%A7%D9%81%D9%88%D9%86-%D8%A8%D8%B3%D8%A8%D8%A8-%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84-%D8%AA%D9%86%D8%A7%D9%88%D9%84-%D8%B9%D9%88%D9%8A%D8%AF%D8%A7%D8%AA
[viii] https://twitter.com/NakabaBadila/status/1644344580995702789?ref_src=twsrc%5Etfw
[ix] المادة 39 بعد التعديل:
على المحامي ان يمتنع عن استخدام اي وسيلة من وسائل الاعلام والاعلان والاتصالات، المرئية والمسموعة والمقروءة، بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع والصفحات والشبكات الالكترونية على انواعها، كمنبر للكلام او البحث او المناقشة في الدعاوى العالقة امام القضاء، الموكلة اليه او لسواه من المحامين، ملتزماً المرافعة والمدافعة امام المراجع القضائية ذات الاختصاص، مع حفظ حق الرد للمحامي المكرس قاوناً بعد اخذ موافقة النقيب.
يستثنى من ذلك القضايا الكبرى التي تهمّ المجتمع بعد اخذ موافقة النقيب.
[x] الفقرة الاولى من المادة 41 بعد التعديل:
1.على المحامي ان يستحصل على اذن من نقيب المحامين، بأية وسيلة متاحة، على اذن مسبق للاشتراك في ندوة او مقابلة ذات طابع قانوني عام تنظمها غحدى وسائل الاعلام او وسائل التواصل الاجتماعي او المواقع الالكترونية او المجموعات، على ان يحدد في طلبه زمانها وموضوعها واسم الوسيلة.
[xi]https://legal-agenda.com/%d8%a2%d8%af%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ad%d8%a7%d9%85%d9%8a%d9%86-%d8%aa%d9%87%d8%af%d9%91%d8%af-%d8%ad%d8%b1%d9%91%d9%8a%d8%a7%d8%aa%d9%87%d9%85-%d9%88%d9%85%d8%b9%d9%87%d8%a7-%d8%a7/